أتصور أنه قد يكون من مصلحة الرئيس أن يصوت في الإستفتاء ب لا, وأن يحض أهله وعشيرته وحزبه علي أن يسلكوا نفس السلوك, ورغم أن ذلك قد يبدو هزيمة سياسية للأخوان المسلمين. إلا أنه سيحقق نصرا مؤكدا للرئيس, حيث سيضمن الإستقرار والأمن ووحدة الأمة, وهي أشياء يرجوها أي رئيس كي ينجح في مهمته.. فقد أصرالرئيس علي الاستفتاء رغم الانقسام الكبيرفي المجتمع, وبافتراض التصويت بنعم, فان ذلك سيؤدي الي تفجر الموقف في البلاد وعدم استقرارها حتي يتم إسقاط هذا الدستور.. لذا أظن انه في مصلحة الرئيس والبلاد ان يدعوالرئيس نفسه المواطنين للتصويت بلا, وستكون تلك سابقة تاريخية تحسب له, وهوما ادعو اليه ايضا حزب الحرية والعدالة, وحزب النورالذي يحتفظ بمواقف إيجابية كثيرة. كل مصري حريص علي وحدة الوطن واستقراره, بما في ذلك انصارالرئيس, يجب ان يصوتوا بلا, وهذه لن تعد هزيمة وانما انتصار لوحدة الشعب المصري. لقد كان الرئيس يملك تأجيل تاريخ الاستفتاء, وغير صحيح ما تردد حول أنه كان ملزما بالدعوة للتصويت بحد أقصي15 يوما, فمع كل الإحترام لبعض الفقهاء الذين جلسوا أمام الكاميرات كي يعتذروا بعجز الرئيس عن تغيير الميعاد لأنه إلزامي وغير تنظيمي, فأنني أري أن الرئيس كان يملك ما هو أكثر من إعتبار الموعد تنظيميا, لأن الميعاد المحدد بموجب الإعلان الدستوري الصادر في30 مارس2011, قد أسقط دستور1971 بما في ذلك المواد التي سبق الإستفتاء عليها, وبالتالي فأن المادة الخاصة بموعد الإستفتاء تستمد قوتها ليس من سلطة الشعب الذي تم استفتاؤه, وإنما من الإعلان الدستوري الذي يمكن تعديل أو إلغاء أي مادة فيه بنفس الأداة أي بإعلان دستوري جديد, بل أن هذا ما فعله الرئيس حين اصدر إعلانه الدستوري الذي ألغي الإعلان الدستوري المكمل. ليس هذا فحسب, بل كان يمكن للرئيس اتخاذ القرار بتأجيل موعد الإستفتاء بموجب المادةالسادسة في الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس والتي تقضي بأنه لرئيس الجمهورية إذاقام خطر يهدد ثورة25 ينايرأوحياة الأمة أوالوحدة الوطنية أوسلامة الوطن أويعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها, أن يتخذ الإجراءات والتدابيرالواجبة لمواجهة هذا الخطرعلي النحوالذي ينظمه القانون أي أن الرئيس يملك بصلاحياته ان يتخذ من الإجراءات اللازمة في حالات الضرورة, وهل هناك حالة ضرورة اكثر من وقف إراقة الدماء المصرية. ولا أدري من الذي أشار علي الرئيس أن يتخذ هذا الموقف المتصلب من المطلب الذي اجتمعت عليه كافة القوي السياسية في مصر, وأدي بنا إلي ذلك الإنقسام الخطير في المجتمع المصري, حتي رأينا ذلك المشهد الشاذ المتمثل في بناء الجدارالعازل في شوارع القاهرة, وإذا كان من الممكن القبول بجدارحول قصرالحاكم, فأنه يجب هدم الجدارحول عقل الحاكم, ذلك الجدار الذي يحول بينه وبين شعبه, وسوا ء أخذ الرئيس بنصيحتي وصوت ب لا, أم لم يأخذ بها, فأنني أري أنه إذا تم التصويت بطريقة نزيهة فأن فرصة رفض مشروع الدستوركبيرة علي ضوء الزخم الشعبي الحالي الذي يمكن ان يوفر وحده نحو15% من الأصوات الإضافية( الكنبة), فضلا عن الوزن الذي نعرفه لعدد اصوات انتخابات البرلمان والرئاسة في الجولة الاولي, أي أن لا يمكن أن تجمع60% من الأصوات.. لقد كان الخيارلدي المعارضة المصرية يتراوح مابين مقاطعة واسعة للتصويت تفقد عملية الاستفتاء مشروعيتها وتفوت علي النظام تثبيت شرعيته, وبين التصويت السلبي الذي لو اسقط الدستور ستسقط معه إلي حد كبير هيبة النظام, ولكنها كالمخاطرة بان التزوير قد يؤدي الي العكس.. لقد كان موقف القضاء الصلب والذي لا يزال حتي الان يرفض الاشراف علي الاستفتاء, يحرج جميع القوي الثورية في الاعلان عن الحشد للتصويت, حتي ولو كان ب لا.. وقد كانت مسألة محيرة فعلا, لانه لا يصح اخلاقيا التوجه الي الصناديق, بينما اغلب قضاة مصر يرفضون.. وقد كانت كلمة رئيس نادي مجلس الدولة بليغة, وما جاء فيها من إدانة لتصرفات السلطة التنفيذية يرقي قانونا الي فقدان تلك السلطة لشرعيتها.. ولم يكن القضاء وحده في ذلك الموقف, فقد صدر بيان من بعض الدبلوماسيين المصريين تضمن رفض الإشراف علي الإستفتاء في الخارج واشتمل البيان علي العناصر التالية: إدانة كل من شارك في إراقة دماء المصريين, ورفض قيام وزارة الخارجية علي استفتاء المصريين في الخارج علي مشروع دستور تراق بسببه دماءالمصريين في الخارج. سوف يؤدي الرئيس خدمة كبيرة لنفسه ولبلاده إذا دعا بنفسه للتصويت ب لا, حتي ينهي بنفسه ذلك الإنقسام الحاد في المجتمع, بل أنه سوف يحمي مشروعيته, لأن مجاهرته بدعم التصويت لصالح مشروع الدستور في ظل هذا الإنقسام, يجعل رئاسته نفسها مرهونة بنتيجة هذا الإستفتاء, لأنه سيكون بشكل ما استفتاء عليه أيضا, مثلما حدث مع ديجول في فرنسا عام1968. إلا أن الرئيس يجب أن يقوم بخطوة أخري لا تقل أهميه, وهي أن يتخذ قرارا شجاعا بإلغاء السلطة الموازية, فلابد من انهاء هذه الازدواجية ما بين سلطة المقطم وسلطة الاتحادية. المزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق