في وقت تنامت فيه أعمال البلطجة, والانفلات الأمني, وزيادة سطوة الخارجين علي القانون, تعود من جديد سلطة الضبطية القضائية في قرار بقانون بحيث يجري منحها لضباط وافراد القوات المسلحة. لكي تشترك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية في الدولة بالتنسيق مع أجهزة الشرطة, حتي اقرار الدستور وانتهاء الانتخابات التشريعية. ويبقي السؤال: هل سيحقق القانون الجديد الهدف المنشود من صدوره وهو حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة في تلك الفترة الحرجة؟ وما انعكاسات صدوره؟.. ثم كيف يراه خبراء القانون ؟قبل أن نبدأ, دعونا نستعرض مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء برئاسة الدكتور هشام قنديل في اجتماعه الأخير, متضمنا4 مواد, الأولي تنص علي أن تتولي القوات المسلحة بالتنسيق مع أجهزة الشرطة حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية في الدولة حتي اقرار الدستور وانتهاء الانتخابات التشريعية, وكذلك في الأحوال التي يطلب فيها رئيس الجمهورية ذلك, ويحدد وزير الدفاع المناطق وأفراد القوات المسلحة ومهامهم مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها, في حين نصت المادة الثانية علي أن يكون لضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة كل في الدائرة التي كلف بها, جميع سلطات الضبط القضائي والصلاحيات المرتبطة بها المقررة لضباط وأمناء الشرطة وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بأدائهم لتلك المهام, ويكون لهم استعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجبهم بالشروط والضوابط المقررة في قانون هيئة الشرطة لضباط الشرطة وأمنائها, أما المادة الثالثة فقد ألزمت ضباط وضباط صف القوات المسلحة في أدائهم لمهام الضبطية القضائية وفقا لأحكام هذا القانون بكل واجبات مأموري الضبط القضائي المقررة في قانون الإجراءات الجنائية بما في ذلك إحالة ما يحررونه من محاضر إلي النيابة المختصة وفقا لقواعد الاختصاص المنصوص عليها في القانون المشار إليه, مع عدم الإخلال باختصاص القضاء العسكري, يختص القضاء العادي بالفصل في الوقائع التي حررت عنها هذه المحاضر, ونصت المادة الرابعة علي أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.قانون منح سلطة الضبطية القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة كما يراه الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري- يواجه الحالة الأمنية المضطربة بمناسبة اضطراب القرارات الرئاسية التي تصدر سواء كانت اعلانات مسماه بأنها إعلانات دستورية, أو قرارات تتضمن فرض ضرائب جديدة علي المواطنين وقد ألغاها الرئيس, أو الارتباك السائد في الرأي العام بمناسبة الاصرار علي فرض وثيقة العقد الاجتماعي( الدستور) بالقوة, والاصرار علي إجراء الاستفتاء في موعده, وقد حدث فزع في المجتمع بسبب ذلك, فضلا عما صاحبه من اضطرابات في الرأي العام وصلت إلي حد انقسام المجتمع وتفتيت قواه الوطنيه, وسقوط ضحايا, ومن ثم فإن القانون يمكن أن يسهم في تحقيق الانضباط خاصة في هذه الأيام الحاسمة قبل الاستفتاء, وكان من الضروري أن تكون هناك قوات منظمة تضبط حالة الأمن وتعمل علي التهدئة وإزالة الاحتقان الموجود حاليا., وثقة الناس في قواتها المسلحة وجيشها الأمين أنه يتعامل بحيدة وأمانة ووطنية وحس قومي عالي المستوي لاسيما أنه حمي الثورة في مهدها, وقبل الانسحاب من الساحة دون أي مطامع في السلطة. القضاء وجهة الإدارة وبشكل عام, فإن إعادة قانون منح سلطة الضبطية القضائية لضباط القوات المسلحة وأفرادها كما يقول الدكتور صلاح الدين فوزي رئيس قسم القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة المنصورة- هو التفاف علي إعلان الطوارئ, ولو صدر هذا القانون, فإنه سيكون فاقدا للمشروعية ومخالفا للدستورية, لانه يمنح سلطة الضبطية القضائية لأناس من غير المقرر قانونا منحهم إياها, والأصل أن ضباط القوات المسلحة وأفرداها ليس لهم أية علاقة بالشأن المدني إلا إذا أعلنت حالة الطوارئ, حيث أن سلطة الضبطية القضائية المقرر النص عليها قانونا تخول للضباط وأفراد القوات المسلحة التعامل مع المدنيين في ظل حالة الطوارئ, ويبدو أن مجلس الوزراء يستشعر أن هناك رفضا شعبيا قاطعا لاعادة حالة الطوارئ فلجأ إلي سبيل غير قانونية توصله لنفس الهدف. ولا شك أنه في حالة صدور قانون الضبطية القضائية رغم صدور حكم بإلغائه من قبل, فإن المحكمة سوف تقضي ببطلانه مرة أخري, علي اعتبار ان حكمها السابق كان مصادفا لصحيح حكم القانون وللمشروعية الحقة, وبشكل عام, لا يجوز أن تكون هناك مبارزة بين القضاء وجهة الادارة فإذا صدر حكم قضائي في مسألة ما فلابد من الالتزام بالحكم واحترامه. حيثيات حكم بطلان الضبطية ولمن لا يتذكر, والكلام مازال للدكتور صلاح الدين فوزي فقد سبق أن قضت الدائرة الأولي بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار علي فكري نائب رئيسمجلس الدولة في يونيو الماضي, بوقف قرار وزير العدل, بمنح ضباط الصف بالمخابرات الحربية والشرطة العسكرية, سلطة الضبط القضائي للمدنيين لحين إقرار الدستور الجديد, حيث قررت المحكمة ضم جميع الطعون وعددها13 طعنا, وجاء في حيثيات الحكم: إن القرار قد خالف المبادئ الدستورية المستقرة منذ دستور1923 حتي الإعلان الدستوري الصادر في مارس عام2011, وذكرت أن وزير العدل اغتصب سلطة المشرع الدستوري بإصداره مثل هذا القرار, كما اعتبرت المحكمة, أن القرار ظاهره رحمة وفي باطنه العذاب, وإن سلطة الضبطية القضائية قد حددها قانون الإجراءات, وجعلها مقصورة علي أعضاء النيابة العامة والشرطة والموظفين العموميين المدنيين الذين يحددهم وزير العدل, بالاتفاق مع الوزراء المختصين كل في مكانه, وأنه ليس من بين هؤلاء ضباط الجيش أو رجال الشرطة العسكرية بأي حال من الأحوال. القانون المقترح كما يقول الدكتور أنس جعفر الفقيه الدستوري- ينطوي علي الكثير من المخالفات القانونية, كما أنه ينطوي علي مخالفة المبادئ العامة للقانون, لأن سلطة الضبطية القضائية تقتصر علي ضبط المخالفات التي تقع خارج النطاق العسكري, ومن ثم لايجوز أن نزج بالجيش في مثل هذه الأمور التي تخرجه عن وظيفته الأساسية وهي الدفاع الخارجي عن الدولة. الطعن علي مثل هذا القانون كما يقول سامح عاشور نقيب المحامين ليس مجاله محكمة القضاء الاداري كما حدث من قبل لأن القرار السابق الذي ألغي بحكم محكمة القضاء الإداري كان قد صدر من وزير العدل, ومن ثم تختص المحكمة بالبت فيه لأنه قرار إداري, أما وأن يصدر قانون بهذا الشأن فإن المحكمة المعنية بإلغائه هي المحكمة الدستورية العليا.