الإصرار هو السمة الغالبة علي النظام في كوريا الشمالية برغم العزلة الدولية والتهديدات الخارجية تأبي القيادة الكورية الشمالية إلا أن تجعل برنامجها النووي علي رأس أولوياتها. أكبر دليل علي هذا الإصرار هو إعلان بيونج يانج أول الشهر الحالي عن إطلاقها صاروخا طويل المدي بعد أقل من ثمانية أشهر من محاولة إطلاق فاشلة في أبريل الماضي وسط غضب متصاعد من الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية واليابان الذين رغم تحركاتهم المكثفة لوقف إطلاق الصاروخ إلا أنهم لم يستطيعوا حتي الآن غير اتخاذ موقف الدفاع ضد كوريا الشمالية التي سبق لها إجراء تجربتين نوويتين عامي2006 و2009. وتؤكد بيونج يانج إن إطلاق الصاروخ مهمة علمية تهدف إلي وضع قمر صناعي يحمله الصاروخ في الفضاء لمراقبة الأرض, ولكن الجارة الجنوبية وحلفاءها يشتبهون في أن عملية الإطلاق تهدف إلي اختبار صاروخ يمكن أن يحمل رأسا نوويا تحت ستار القمر الصناعي.ويشير بعض المراقبين إلي أن هناك ثمة أسباب لاختيار كوريا الشمالية توقيت إطلاق الصاروخ من10 إلي22 ديسمبر الحالي قبل إعلانها تأجيل الموعد للتاسع والعشرين من الشهر الجاري منها أنه يتزامن مع الذكري الأولي لوفاة زعيمها الراحل كيم جونج آيل في17 ديسمبر, ولتعزيز قبضة ابنه وخليفته الشاب كيم جونج أون علي السلطة, فضلا عن محاولة التأثير علي الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية المقرر إجراؤها في19 ديسمبر فأي تصعيد جديد من الشمال قد يدفع الناخبين الكوريين الجنوبيين إلي الاعتقاد في فشل سياسة حكومتهم الحالية في التعامل مع بيونج يانج وبالتالي ينصرفون عن دعم مرشح الحزب الحاكم ويتجهون إلي المرشح الليبرالي مون جاي إين الذي ألمح إلي عودة ممكنة إلي سياسة التصالح ومساعدة بيونج يانج, وهي سياسة كانت غائبة خلال السنوات الخمس من رئاسة لي ميونج باك التي تنتهي في فبراير المقبل. كما يري البعض أن الخطوة الكورية الشمالية هي رد فعل لاستعدادات سول لإطلاق قمر صناعي في الربيع المقبل. ولعل أهم الأسباب التي ربما تكمن وراء محاولة الإطلاق هو ما كشف عنه مسئولون كوريون جنوبيون بأن الزعيم الكوري الشمالي يستغل الموقف لبدء حملة ضخمة للقضاء علي من وصفهم بالعناصر المتمردة التي تمثل خطرا علي النظام في البلاد لإحكام قبضته علي السلطة. والحقيقة أن غالبية الخبراء يتوقعون فشل التجربة الصاروخية المرتقبة لأن الفترة ما بين التجربة الفاشلة في إبريل الماضي والحالية غير كافية لكي يتمكن العلماء الكوريون الشماليون من تلافي أسباب فشل تجربتهم الأولي وتداركها في التجربة الثانية خاصة أن نظام إطلاق الصواريخ معقد للغاية, ولذلك فإن الدوافع السياسية هي الأكثر ترجيحا وليس التجربة الحقيقية كما أن تلميح بيونج يانج السبت الماضي إلي احتمالية تأجيل إطلاق الصاروخ عزز من ذلك الافتراض. ولكن ماذا لو نجحت تجربة إطلاق الصاروخ ؟.أجاب علي هذا السؤال تقرير لشبكة سي. إن. إن الإخبارية الأمريكية حيث قال إنه في حالة نجاح الإطلاق فإن ذلك سيفتح للكوريين الشماليين مجالا واسعا لإجراء اختبارات علي تكنولوجيا الصواريخ قد تصل في النهاية إلي اختبار صاروخ ثلاثي المراحل قادر علي حمل رأس نووي يزن طنا ويصل مداه من10 آلاف إلي11 ألف كيلومتر أي أنه يمكنه الوصول إلي الساحل الغربي للولايات المتحدة. وفي النهاية فإنه إذا فشلت محاولة إطلاق الصاروخ فإن ذلك سيكون بمثابة انتكاسة جديدة للبرنامج النووي الكوري الشمالي ولكنه لن يكون خاتمة المشوار النووي, لأن بيونج يانج ستواصل مساعيها النووية مادام لم يحدث حتي الآن, داخليا أو دوليا, ما يجبرها علي التراجع.