تصاعدت في الآونة الأخيرة موجات مقيتة من التطرف الديني في المنطقة العربية تجلي ذلك في نشوء جماعات تتبني الفكر التكفيري وتسعي الي تقديم صورة مشوهة عن الإسلام. وتعادي الآخر الي حد العمل علي إقصائه وفق مزاعم فقهية بعيدة عن جوهر وصحيح الدين. ولا تكمن المعضلة في هذا المنحي الذي يمكن مقاومته عبر وسائل عديدة وإنما في محاولة الغرب وبالذات القوي الكبري استغلال هذه الظاهرة للوصول إلي أهداف بعضها معلن والبعض الأكثر خطورة منها ما زال مستورا ومرسوما في دهاليز أجهزة استخباراتها القادرة علي توظيف أصحاب العقول الخاوية لتحقيق هذه الأهداف وتدفع الأمة الثمن من استقرارها ووحدتها ونسقها الحضاري الذي تعرض بدون شك خلال العقود الأخيرة الي الهدم نتيجة أخطاء أفراد وجماعات تزعم الانتماء لهذه الأمة أو ربما تتعمد الانخراط ضمن مخططات هذه القوي التي لاترغب في أن يصيب الأمة أي خير وهوما نجده واضحا كل الوضوح في بلدان الربيع العربي التي بالرغم من إسقاط أنظمتها الاستبدادية غدت تكابد ظهور جماعات متطرفة مرتدية ثوب الاسلام وتحاول أن تروج لأفكارها متكئة علي منهجية العنف والقتل والتدمير وهو ما تابعناه في سيناء المصرية وفي تونس الخضراء وفي ليبيا وسوريا وغيرها ونحن بدورنا نتساءل: هل بات التطرف تهمة دينية استغلت في لعبة سياسية غربية ؟ يلفت الدكتور عبده زايد الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الي أن مصطلحات: الإرهاب و العنف والتطرف ليست مترادفة فمصطلح الإرهاب لا يعبر عن فعل وإنما يعبر عن حالة تخويف وفيما يتعلق بالمسلمين فقد أمرهم الله بممارسته استنادا الي قوله سبحانه وتعالي وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم أي تخيفونهم فمن يمتلك مقومات القوة يكون بمقدوره أن يدفع من يفكر في الاعتداء عليه الي أن يخشاه وبالتالي لايقوم بالاعتداء أما العنف فهو أمر مرفوض اسلاميا ولايمارسه المسلمون ولكنهم هم ضحاياه بالدرجة الأولي حيث يمارسه الآخرون ضدهم, وبالنسبة للتطرف فهو يعني الوصول الي أقصي درجة علي نحو لايقبل الوسطية ولايكتفي بالحد الأدني وإنما يقبل بالحد الأعلي وينزع الي غاية الأمر في سياق من الرفض الدائم دون أن يلزم صاحب المواقف المتطرفة نفسه بإمكانية التراجع وهنا مكمن الخطر واللافت كما يضيف الدكتور زايد فإن الغرب هو الأكثر لجوءا للعنف والتطرف والإرهاب بل والعدوان ضد المسلمين وذلك يتجلي في ممارساته ضد دولهم وشعوبهم علي مدي القرن الأخير وربما قبله والذي شهد احتلال الأرض واغتصاب الحقوق وانتهاك المقدسات علي نحو غير مسبوق في التاريخ بداية من الحروب الصليبية وامتداداتها ثم جاء بالكيان الصهيوني الذي بني مشروعه في المنطقة علي أساس من الإرهاب وهو كله مشروع إرهابي من ألفه الي يائه بينما يعمل قادته علي إلصاق هذه التهمة الإرهاب بالشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني وأسأل محدثنا: هل تعتقد أن التطرف بات اتهاما سياسيا تم استغلاله في لعبة سياسية غربية فيجيب: اتفق تماما مع هذا الطرح وقناعتي أن التطرف بالذات صناعة غربية وذلك بهدف فرض هيمنة قواه علي مقدرات المنطقة وزرع الكيان الصهيوني فيها خلال أربعينيات القرن الفائت كان واحدا من أهم أهدافه خلخلة المنطقة وتقسيم الوطن العربي وفصل مشرقه ومغربه والملاحظة اللافتة أن قادة هذا الكيان وضعوا شعارا له: أرضك ياإسرائيل من الفرات الي النيل ورغم أنه لم يتحقق هذا الهدف بشكل موسع ولكن حكومة الكيان عندما أقامت علاقات دبلوماسية مع مصر أصرت علي أن يكون مقر السفارة في مبني يطل علي نهر النيل بالقاهرة وعندما احتل العراق سعي اليهود الي تكثيف وجودهم في المناطق القريبة من نهر الفرات في مقاربة لتحقيق الشعار المكتوب علي مبني الكنيست البرلمان الصهيوني ويضيف: إن الغرب يعمل دوما من خلال تعميق التطرف في المنطقة علي إعادة ترتيبها سياسيا وجغرافيا بل ديموغرافيا بما يسهم في تحقيق أهدافه ومصالحه وما نراه من جماعات تتبني الفكر المتطرف في المنطقة هي إما مصنوعة بشكل مباشر من الغرب أو نشأت نتيجة لممارسات وتصرفات وسلوكيات الغرب مما أدي الي نمو العناصر المرتبطة به ورفع صوتها في المنطقة علي نحو بات شديد الوضوح والأمثلة في هذا الشأن عديدة وهو ما يجعلني أقول باطمئنان أن الغرب هو وراء كل ما تتعرض له المنطقة العربية من موجات تطرف تمددت في الآونة الأخيرة علي نحو مخيف مثلما هو حادث في غير مكان خاصة في دول الربيع العربي التي تنامت فيها ظواهر التطرف وهنا سألت الدكتور عبده زايد عن قراءاته لذلك فرأي أن ذلك أمر طبيعي لأن بلاد الربيع العربي شهدت أزمات متوالية نتيجة احتكار مجموعة محددة للسلطة والثروة كما أن الأنظمة التي تمت إزالتها في هذه البلاد ما زالت قائمة بشكل أو بآخر بفعل توغل ما يسمي أجهزة الدولة العميقة الأمر الذي يشكل معوقا لمسيرة التحولات التي تشهدها دول الربيع العربي, وعلي أي حال الكلام لزايد فإن التغيير لن يقع من دون ضحايا فلابد أن يكون له ثمن وقد يكون باهظا في بعض الأحيان. ولكن ما هو المطلوب للحد من التطرف في المنطقة العربية ؟ نقطة البداية- كما يؤكد الدكتور زايد تتمثل في أن يتقن كل مواطن عمله وأن يدرك أن كل حق لانسان هوواجب علي انسان آخر ولكن مشكلتنا أن مواطنينا يطالبون بالحقوق ويتناسون الواجبات ولتجاوز ذلك فإنه يتعين أن يشعر كل فرد بالمساواة في الحقوق والواجبات وهو ما تؤكده مبادئ الإسلام التي لاتفرق في المواطنة بين مسلم ومسيحي ولاتميز بين شخص وآخر علي أساس اللون أو العرق أو الانتماء فكل الناس متساوون ويتفاضلون فقط بالعلم وليس بالنسب أو الحسب ويلفت الي أنه من الضروري إتاحة الفرصة أمام المشاركة السياسية أمام الجميع بدون احتكار من هذا الفريق أو ذاك مع احترام الآخر وتجنب منهجية الإقصاء والاعتماد فقط علي الكفاءة كمعيار للتصعيد الوظيفي والحصول علي فرص العمل بعيدا عن الوساطات والمحسوبيات أو الانتماءات القبلية بالإضافة الي رفض التمييز الطبقي ولا تختلف رؤية الدكتور علوي أمين خليل أستاذ الفقه العام بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عن رؤية الدكتور عبده زايد معربا عن قناعته بأن المنطقة العربية كلها خاصة دول الربيع العربي مستهدفة من قبل الغرب وما يحدث فيها من تطرف داخل الأمة باسم الاسلام لايعكس جوهر هذا الدين الحنيف فالمسلم لايقتل مسلما ويضيف: ثمة حديث للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم قال فيه لأصحابه: تعودون بعدي كفارا فقالوا: كيف يارسول الله ؟ قال: يقتل بعضكم بعضا وبالتالي فإن القتل باسم الاسلام بعيد كل البعد عن حقيقته فهو دين يدعو الي التسامح وحب الغير وعدم الإقصاء ولكن هناك مؤامرة وأنا أصر علي أن هناك مخططا دوليا لإشعال المنطقة وإدخالها في حالة من الاضطرابات حتي تصبح بلاد الربيع العربي مشغولة بمواجهة الفتنة التي تبرز فيها بين وقت وآخر مثلما نلاحظ في مصر وتونس وليبيا وكذلك اليمن وغيرها وكل ذلك يجعل المنطقة بمنأي عن الخطر الاسرائيلي والتهديدات الغربية لوجود الأمة ويتابع: إن الأمر اللافت في الاتصالات والمفاوضات التي أجراها الرئيس محمد مرسي بشأن العدوان الاسرائيلي علي غزة أخيرا مع الدول الغربية الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة أن قادة هذه الدول كانوا يركزون علي الجوانب المتعلقة بأمن اسرائيل ويمارسون ضغوطا لوقف الصواريخ التي تطلقها المقاومة علي مدن ومناطق الدولة العبرية دون أن تمتد مطالبهم الي وقف هذا العدوان علي الشعب الفلسطيني بالقطاع تحت زعم مواجهة الإرهاب فهم يعتبرون المقاومة إرهابا ونجحوا في تسويق هذا المفهوم علي مستوي العالم للأسف ويقول الدكتور علوي: إن ثمة مجموعات إرهابية منظمة في المنطقة تزعم الانتماء الي الإسلام وتقوم بعمليات ضد الأبرياء وتطرح رؤي غريبة عن حقائق هذا الدين والتاريخ الإسلامي زاخر بمثل هذه الجماعات كالخوارج والقرامطة وقتلة عمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب والحسين بن علي وغيرهم من الذين قتلوا غيلة عبر استخدام أساليب إرهابية ما زالت قائمة حتي اليوم للأسف ويغذيها الغرب بقوة سواء عمدا او دون عمد ويلفت في هذا السياق الي أن ما جري من انفلات أمني وتخريبات واسعة غير مسئولة خاصة في بعض دول الربيع شجع مثل هذه الجماعات علي البروز ومحاولة فرض أرائها الرامية الي إقامة ما يسمي إمارة اسلامية في بعض المناطق كسيناء أو فرض توجهات معينة مثلما يحدث في تونس والانشغال بقشور الدين وسفاسف الأمور وإهدار الوقت والجهد فيما لايسهم في بناء الإنسان والأوطان لقد حاولت بعض الجماعات تحت مسميات اسلامية مختلفة- الكلام للدكتور علوي- الي استغلال مناخات الحرية غير المنضبطة وغير المسئولة ايضا فتجاوزت في تصرفاتها كل حد وفي مواقفها كل خط أحمر وجاءت بمتطرفين من دول العالم وربما بتسهيلات من الغرب ليعكروا صفو البلاد التي شهدت الربيع العربي وهو ما يتجلي في غياب الاستقرار في مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن وهو مايمتد ايضا الي البحرين والأردن وهو ما يجعلني أقول بارتياح أن ثمة مؤامرة حقيقية ضد الأمة ولعلك تلاحظ أن هناك أطرافا غربية تقف الي جانب النظام الحاكم في سوريا بينما هناك أطراف أخري تدعم المعارضة علي نحو يبدو معه أن المطلوب أن ينهك الشعب السوري علي نحو يقود الي انتهاء خيار المقاومة ضد اسرائيل وبالتالي تكون هي المستفيدة الوحيدة من كل ما يجري ومرة أخري أقول إن الثورات العربية استغلتها الدول العظمي لصالح إسرائيل والأغلبية تقف تشاهد دون أن تحرك ساكنا ويطالب الدكتور علوي بأهمية أن يتسم الخطاب الديني بالتوازن ويركز علي إظهار الحقائق علي نحو لا يهول ولا يهون مع السعي الي تهذيب هذا الخطاب دون الاكتفاء بتجديده كما يردد البعض بما يدفعه الي مخاطبة الناس علي قدر عقولهم ومراعاة نوعية الجمهور الموجه اليه سواء من حيث المستوي الحضاري والمكان والبيئة, والأهم هو أن يتم توجيه الشباب المسلم الي الجوانب الإيجابية في الإسلام التي تبني ولاتهدم وتسهم في صياغة النسق الحضاري للأمة وكشف التوجهات التي تحاول الأطراف الغربية تسويقها لديهم من خلال طرح الحقائق والأدلة علي أدوارها المشبوهة في المنطقة وتقديم البديل بمنأي عن أفكاره المسمومة.