يذكرني ما نحن فيه من فتنة الإعلان الدستوري بفتنة حرب الجمل, التي فرقت المسلمين إلي سنة وشيعة. وكانت أول فتنة ألقت بأس المسلمين بينهم, يقتل بعضهم بعضا. وسببا لما تلاها من فتن وحروب داخلية. فرفقاء الأمس الذين شاركوا في الثورة, بعد أن كانوا يدا واحدة ضد الطغيان والديكتاتورية والفساد والظلم الاجتماعي, أصبحوا شيعا, وانشطر الوطن لمؤيدين للإعلان الدستوري, ورافضين له. واحتكم الطرفان للشارع, مليونية ضد مليونية, واتهامات تقابل باتهامات, وأصبحنا في فتنة الحليم فيها حيران. فالكتل السياسية والأحزاب الليبرالية الرافضة للإعلان الدستوري لا تبحث عن التوافق والحوار, وإلا لما طالبت بإسقاط الإعلان الدستوري كاملا, ربما طالبوا بتعديل بعض النقاط التي يرفضونها, وتحول الأمر من رفض للإعلان للمطالبة بإسقاط الإخوان! ورفضوا مبادرة الإمام الأكبر شيخ الأزهر للحوار والتوافق, وهاجموا الجمعية التأسيسية منذ تكوينها دون أن يروا ما تنتجه من دستور, فربما يكون الخلاف علي مواد قليلة يمكن تعديلها. أما القوي والأحزاب الإسلامية, فليس لديها استعداد لمناقشة الإعلان الدستوري ونقده وتمحيصه, وكأنه قرآن منزل, ولا القيادة السياسية لديها الرغبة في إلغائه أو تعديله. وصرح الرئيس مرسي أن 90% من الشعب يؤيده, متجاهلا رفض وإضرابات القضاة, وانتهت الجمعية التأسيسية من التصويت علي المسودة النهائية من الدستور في يومين مضحية بالشهرين الإضافيين, مما أعطي الإيحاء بأنه تم سلق الدستور. لما انتصر علي بن أبي طالب في موقعة الجمل, جاء إلي أم المؤمنين عائشة, فقال: (غفر الله لك) قالت: (ولك, ما أردت إلا الإصلاح). وهو ما يردده الطرفان الليبرالي والإسلامي إن أريد إلا الإصلاح وفي اعتقادي أن لا أحد يعمل خالصا من أجل مصر, بل من أجل حزبه أو جماعته, كل طرف يريد إقصاء الآخر رغم أن الديمقراطية تستوعب الجميع. إنها فتنة الإعلان الدستوري التي يمكن أن تقسم المصريين كما قسمت فتنة معركة الجمل المسلمين. المزيد من أعمدة جمال نافع