بداية لنتفق علي بديهة منطقية تؤكد أن أي قرار مهما تكن درجة صحته وعقلانيته وعدالته ورشده يتجاهل مدي تأثيره علي المجتمع الصادر بشأنهم سواء كان تأثيرا إيجابيا أو سلبيا ولا يراعي التوقيت المناسب لصدوره يصبح أقرب ما يكون إلي نكتة ألقاها أحد في سرادق للعزاء!! وبعيدا عن ذلك الجدل الثائر بين فقهاء وأساتذة القانون الدستوري حول تسمية ما أعلنه الرئيس إعلانا دستوريا أو قرارات جمهورية لا ترقي لأن تكون إعلانا دستوريا, إلا أن ما يعنينا في هذا الشأن هو ما أحدثه ذلك الإعلان أو تلك القرارات التي جاءت أشبه بحجر القي علي زجاج الوطن الذي كانت الخلافات داخل الجمعية التأسيسية للدستور قد أحدثت به شروخا واضحة فهشمته تماما وتناثرت شظاياه. ويبدو أن ثقافة الإحتياط قد تجذرت في عقل الاخوان المسلمين عند ترشيحهم من سيسكن القصر الجمهوري عبر الانتخابات فنحوا الشرعية الثورية مؤقتا وقت ما كان المفترض اللجوء إليها وأعملوا الشرعية الدستورية, وعندما اشتدت حاجتهم إلي الشرعية الثورية فوجئ المجتمع بما أصدره الرئيس مرسي, وهو الأمر الذي يؤكد أن الشرعية سواء كانت دستورية أو ثورية باتت تحت طلب أحبائي وأهلي وعشيرتي!! لم يكتف الرئيس مرسي بامتلاكه كامل السلطة التنفيذية باعتباره الرئيس المنتخب ولا نشكك في ذلك أوبقبضته علي السلطة التشريعية نظرا لغياب البرلمان, فمد يده بسكين شحذه بمفرده من دون مستشاريه وتوكل علي الله وذبح القضاء والقضاة بينما أمسك بالأخري أعناق المجتمع ليخنق حقه الطبيعي في التقاضي! ولأننا لا نمتلك حق التفتيش في الضمائر أو النوايا, فإن ما أعلنه الرئيس بدا وكأنه قد جاء إنتقاميا وانتقائيا علي الرغم من أنه حاول تسويقه بالاستجابة لمطالب الثورة منذ لحظتها الأولي الإطاحة بالنائب العام والقصاص لدماء الشهداء وهو ما يؤكد النتيجة السابقة شرعية تحت الطلب! وإذا كان بعض من مؤيدي الرئيس قد التمسوا له عذرا بإصراره علي تحصين مجمل قراراته السابقة واللاحقة والمستقبلية باعتبارها من أعمال السيادة التي لا يجوز معها إخضاعها للقضاء الذي سيحكم بالتأكيد بعدم الاختصاص في نظرها لطبيعتها السيادية, فما هو الضرر إذن في إخضاعها للرقابة القضائية مادامت محصنة بطبيعتها, وهو ما سيؤكد إحترام الرئيس وخضوعه للقانون؟! المشهد الآن يثير الفزع والقلق, فقد كنا نطمح إلي أن تظل كما كانت ثورة بيضاء.. سلمية.. سلمية.. غير أن البعض يحاول الآن أن يصبغها بلون الدم ويكسبها طعم الموت وللأسف نجح بعض الشيء في تحقيق هدفه هذا.. وتحولت ثورة الشعب إلي مجرد دفتر يضم حسابات المكسب والخسارة ولا شيء يهم بعد ذلك.. فالقضية هنا ليست وطنا أو انتماء ولكنها مكسب ضئيل: شعبية زائفة... والأدوات هنا لاتعدو سوي أطفال لفظتهم أرحام أمهاتهم إلي الشارع وبدلا من أن تحتضنهم الأيدي تكفيرا عن ذنوب أصحابها عن جرمهم بإسقاطهم من دفتر المواطنة وأصحاب الحق في العيش الكريم, دفعتهم ليتحولوا إلي وقود لنيران تستهدف إحراق الوطن. أحجار تقذف.. مولوتوف تأكل نيرانه اقتصاد يرتفع أنينه.. وتراث شعب وأمة يحترق.. دماء أبرياء تسيل.. كرامة تسحل.. تلك هي مشاهد السيناريو المتكرر بنمطية رتيبة مع كل حادث! سيادة الرئيس أناشدك أن تعيد التفكير فيما أعلنته, فكفانا صراعات واختلافات فمصلحة الوطن واحدة وواضحة كالشمس وتعلو فوق أي شخص أو كيان, وما علينا إلا تحكيم ضمائرنا واحترام القانون ومبدأ الديمقراطية وندعو الله ان يحفظ شعب مصر العظيم. [email protected] المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش