كأني حامي حمي السلام والأمان لسكان الكرة الأرضية المعروف باسم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يعلن في بيان عاجل له من فوق منبر الجمعية العامة من داخل مبناها الذي يشبه علبة الكبريت. الواقفة علي رأسها في جزيرة مانهاتن في قلب نيويورك أن هذه الحالة الغريبة في الفوضي التي تعيشها مصر لأول مرة في تاريخها سببها فيروس غريب أصاب أهلها اسمه: فيروس التظاهر والاحتجاج والعصيان المدني والإضراب عن العمل.. وقطع عيش الإنسان بيديه.. لا بيد زيد أو عبيد أو حتي نطاط الحيط. وهذا الفيروس الذي أصاب المصريين وحدهم دون دول الربيع العربي بعد25 يناير2011, كما شرح خبراء الأممالمتحدة في حقوق الإنسان والحريات العامة ودفعهم إلي انتقاد أي شيء حتي لو أوقفوا حركة العمل في بلدهم وعطلوا الدنيا بحالها.. أو حتي لو قطعوا رزقهم بأيديهم.. ماداموا يرفعون اللافتات ويطوفون الميادين والطرقات.. وأن يعلنوا للقاصي والداني أن ما يرونه هو الصواب حتي لو قالوا إن مارلين مونرو التي بهرت الدنيا كلها بجمالها ودلالها.. كانت قبيحة.. بل أقبح من القردة شيتا في أفلام طرزان, وأن جميلة الجميلات هيفاء وهبي موش قد كده.. وحتي لو قالوا إن نانسي عجرم وزينات صدقي وجهان لعملة واحدة.. وأن إسماعيل ياسين الذي أضحك طوب الأرض دمه يلطش!, وإن طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ كانوا ساقطين ابتدائية ولا يعرفون الفرق بين الألف وكوز الذرة! ولقد كان لابد أن يضيف بان كي مون في بيانه العاجل: لقد ضربت الفوضي كل أنحاء مصر.. ولم يعد هناك ضابط ولا رابط.. وقد طار طائر الحكمة بعيدا إلي شواشي الشجر.. حتي لا تصيبه طوبة من جاهل.. أو زجاجة مولوتوف من جيش البلطجية الحاقدين المأجورين الذين انتشروا كالجراد في بر مصر كله.. فقط ادفع تلاقي.. تلاقي طوبة أو حجر أو زلطة أو طلقة مدفع رشاش.. أو علي الأقل زجاجة مولوتوف محلية الصنع تحرقك وتجيب أجل البعيد.. وعلي قد ما تدفع تلاقي! تلاقي إيه؟.. كان لابد أن يسأل الصحفيون في مبني الأممالمتحدة عمنا بان كي مون الذي أتخيله يقول: تلاقي معركة حقيقية بين بلطجية لأنه لا يمكن أن من يضرب بالطوب ويلقي زجاجات المولوتوف الحارقة علي رجال الشرطة وعلي مدارس باب اللوق.. ويحاول أن يقتحم مقر وزارة الداخلية يعني رايحين للسبع في عقر داره من الثوار؟ هكذا لابد أن يتساءل الأمين العام للأمم المتحدة.. ولكن.. هنا كان لابد أن يطلب من العالم أجمع أن يقف دقيقة حدادا علي روح جيكا وإسلام.. يسأل الصحفيين: ومن هما جيكا وإسلام؟ يقول حامي حمي الحريات في الكرة الأرضية: إنهما شابان دافعا عن الحرية في مصر.. أولهما في السابعة عشرة والثاني في الخامسة عشرة وقد سقطا مضرجين بدمائهما.. الأول برصاصات في الصدر في شارع محمد محمود الشهير في قلب القاهرة علي بعد خطوات من وزارة الداخلية المصرية.. وهو يهتف باسم الثورة المصرية.. والمفروض أن وزارة الداخلية المصرية كما علمت تجري تحقيقا حول هذا الحادث المروع.. شاب ذهب يهتف للحرية يقابل برصاصات الغدر.. ولقد طلب الرئيس المصري محمد مرسي تحقيقا واسعا في ملابسات حادث مقتل هذا الشاب الصغير! أما الشاب الثائر الثاني.. فقد حدث له الشيء نفسه.. ولكن في مدينة دمنهور التي تبعد عن العاصمة المصرية بنحو021 كيلومترا واسمه إسلام مسعود الطالب بالسنة الثانية الثانوية.. الذي سقط صريعا في أثناء دفاعه عن مقر جماعة الإخوان المسلمين في عاصمة محافظة البحيرة الذي أحرقه البلطجية.. وقد أشارت أصابع الاتهام إلي انتشار جيوش البلطجية والشبيحة في غياب كامل للشرطة.. والأمن.. انتهي البيان الذي كان ولابد أن يلقيه في جزيرة مانهاتن في نيويورك عبر الأثير إلي العالم كله.. ................ ................ ولأن المصريين قد أصابهم داء الفوضي التي تدفع الإنسان إلي إعلان الإضراب عمال علي بطال.. والتوقف عن العمل.. بسبب ودون سبب.. والجري بالمشوار لأقرب ميدان.. لإعلان احتجاجهم.. بالصوت الحياني وبرفع اللافتات وبتجميع خلق الله في مليونيات لا طائل منها ولا فائدة.. ولا يهم هنا أن تعطل المراكب السايرة.. وتعطل المرور وتعطل مصالح الناس وتوقف القطارات وتقطع خطوط السكك الحديدية.. وتصيب البورصة المصرية في مقتل وتجعل مؤشرها يتراجع ويتراجع ويتراجع ليصاب الاقتصاد المصري نفسه بسكتة قلبية.. ونحن نحاول أن نظهر لعيون خبراء صندوق النقد الدولي الذي نتمني رضاه عنا وعن أحوالنا حسناتنا لا سيئاتنا.. لكي يقرضنا ويفك زنقتنا علي حد تعبير خالتي بهانة ولا تسألوني من هي خالتي بهانة هذه التي أستشهد بشهادتها.. لأن هذا ليس وقته وليس هذا مكانه.. والدنيا عمالة تضرب تقلب.. بعد أن نصبنا بأيدينا مولدا وصاحبه غايب في الليالي الكبيرة في ميدان التحرير.. وعلقنا الزينات ورفعنا أصوات الميكروفونات لكي تزداد البلاد فوضي ما بعدها فوضي.. مادمنا قد وضعنا الزيت علي البارود كما يدعون بإعلان دستوري جاء مبكرا جدا ونحن نعد العدة لإطلاق دستور جديد الذي يعاني حالة ولادة متعثرة.. ونحن ندعو المولي عز وجل ونرفع أكفنا للسماء وللفقهاء لكيلا تكون ولادته هذه المرة ولادة عسرة بعد طول انتظار وطول صبر ولا صبر أيوب! وجاء من ركب الموجة في الزحام.. كل الذين قال لهم الشعب: لا في الانتخابات الرئاسية ظهرو وبانوا.. فهذا هو وقتهم للصيد والقفز فوق الأكتاف.. ليقولوا للناس الغلابة التي تعاني ما تعاني من فقر مدقع+ أبواب رزق مغلقة بالضبة والمفتاح أمام كل الخلق+ بلطجة في كل مكان ولا أمان+ أسعار مشتعلة بالنار+ لقمة عيش شبه مستحيلة بعد غلق مصانع وبوار أرض زراعية لعدم وصول ماء ري إليها+ فلاح يستجدي ويستغيث ولا مغيث+ شباب عاطل وصل عدده في أرقام غير رسمية لأنه لا توجد أرقام رسمية حقيقية إلي نحو18 مليون شاب.. تصوروا.. يتطلعون في الشوارع ويجلسون حتي ساعات متأخرة من الليل علي المقاهي+ ثلاثة ملايين فدان أرض زراعية يتم تبويرها كل أسبوع ولا أحد يتدخل.. تصوروا!+ شوارع بلا أخلاق بلا فضيلة.. بلا أمان لا ليل ولا نهار+ أسلحة من كل نوع وأسلحة لم نسمع عنها في حياتنا كلها.. ولا في أفلام فلاش جوردون بتاع زمان وأفلام حرب الكواكب.. تباع الآن علنا في كل مكان.. ناقص بس يعلنوا عنها في الصحف.. و اللي يدفع ياخد مدفع, كما همس في أذني خبير سلاح رفض ذكر اسمه وكل يوم نسمع ونقرأ: قوات الأمن ضبطت كام طن مدافع آر.بي.جي.. وكام صاروخ فجر الإيراني الذي دوخ جنرالات إسرائيل وأرغمها علي توقيع هدنة مع حماس بوساطة مصرية طبعا وشطارة مصرية. .................. .................. ولأنني مبقوق ومعبي وكأنني شايل هموم الدنيا كلها فوق رأسي.. لما يحدث في مصر.. من عبث سياسي.. اختلط فيه الحابل بالنابل ولم نعد نفرق بين من يقول صدقا ومن يقول باطلا, وبين من يقول حقا يراد به باطل.. وبين من يقول باطلا يدعي أنه الحق بعينه! وسط هذا المشهد السياسي العبثي الذي نعيشه خرجت إلي الشارع لأشارك في وداع شاب مصري ضحي بحياته من أجل الثورة فكان نصيبه رصاصات في الصدر.. اسمه جابر صلاح الشهير ب جيكا.. وكنت أود أن أخطف رجلي إلي دمنهور لكي أسير خلف بطل آخر في الخامسة عشرة من عمره اسمه إسلام فتحي.. ضحي بحياته دفاعا عن مقر الإخوان.. ولكن كيف أسير خلف شهيدين في وقت واحد! سائرا حزينا أحمل في صدري هموم وطن بحاله.. وكأنني أحمل علي كاهلي جبل المقطم بكل احجاره وهموم سكانه.. أفكر فيما جري لمصر وسط هذا المولد السياسي الذي غاب عنه العقل وتاهت الحكمة.. وأنا أسأل نفسي سؤالا واحدا: من المخطيء هنا.. الرئيس الذي أراد أن يحمي الثورة, وأن يحمي النظام ويدفع في شرايينه مصل الوقاية من تربص الإخوة الأعداء الذين يتربصون بمصر ويلبسون السواد ويريدون جنازة يشبعون فيها لطما وعويلا وينصبون في كل ركن من أرضها وفي كل بيت سرادقا للأحزان.. ونحن نعيش عصر حكم القضاء والمحاكم.. حتي أصبح القضاء يدير دفة الحياة في البلد كلها ويحكم ويقرر ويعيد ويلغي.. كما فعلت المحكمة الدستورية العليا مع مجلس الشعب المنتخب.. وكما قال الخبثاء القضاء ينوي حل مجلس الشوري.. وحل الجمعية التأسيسية التي تضع دستور البلاد.. يعني نحن نعيش بحق عصر حكم القضاء.. كل شيء بالمحكمة.. وكل شيء في يد القضاء... وهذا ما نفاه رجال قضاة المحكمة الدستورية في بيانهم الاخير.! وقد أعلن الدكتور محمد مرسي إعلانه الدستوري الجديد وقد حصنه من تدخل احكام القضاء, فإذا بالدنيا تقوم قيامتها ولا تقعد: الحقوا.. الدكتور مرسي أصبح فرعونا عظيما! ولكيلا تغرق البلاد في دوامة صراع مرير لا ينتهي.. فقد أصدر الرئيس هذا الإعلان الدستوري الجديد محصنا إياه ضد هجمة الإخوة الأعداء.. بإعادة محاكمة قتلة الثوار+ تعيين نائب عام جديد+ تحصين قرارات الرئيس في هذه الفترة الانتقالية حتي يكون الدستور جاهزا ويتم فتح باب الترشح لمجلس نيابي جديد.. ولمواجهة هذا الطوفان الذي يهدد بناء الدولة المصرية نفسها. لتقوم قيامة الدنيا: مرسي أصبح ديكتاتورا.. مرسي أصبح إلها.. ويختتم المشهد العبثي بمليونيات اختلط فيها الحابل بالنابل, وركب الجميع الموجة.. وجاء من فاته قطار الرياسة.. لكي يأخذ ولو حتة من التورتة قال يعني فيه لسه فاضل حاجة من تورتة الرياسة! وقد أعلنها الدكتور محمد محسوب صريحة: متي يسقط إعلان مرسي لا يطالبنا أحد مرة أخري بإعادة محاكمة الثوار! ولا أجد في رأسي الذي يكاد ينفجر وسط هذا المشهد الجنائزي الذي تودع فيه مصر اثنين من خيرة شبابها المناضل إلا أن أقول: لكيلا تشتعل مصر بفعل فاعل وكلنا يعرفه وبالاسم وبفتح صفحة سوابقه وأدرانه.. وها هم اصحاب أصحاب الفكر منا وأولي الألباب فينا يقولون لنا: علينا الآن طرح هذا الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس للاستفتاء العام.. تماما كما فعل الجنرال ديجول عندما قال: لو أن شعب فرنسا قال لا لي.. لانسحبت علي الفور.. وجري الاستفتاء وقال الشعب يومها لا.. واستقال ديجول! فلو قال شعب مصر: نعم.. فأهلا ومرحبا بالدستور الجديد, وإذا قال شعب مصر: لا.. فلا ضير ولا عيب هنا.. وكفي الله المؤمنين شر الفتنة.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل! [email protected] المزيد من مقالات عزت السعدنى