طارق الشيخ: منذ6 أعوام مضت اجتمع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بمجموعة من الخبراء الفرنسيين لبحث خطر امتداد الهيمنة الأمريكية علي شبكة الإنترنت والتهديدات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المستقبلية لهذا الأمر. وبعد ساعات خرج الرئيس الفرنسي ليعلن للفرنسيين والعالم أن بلاده لديها خطط لإطلاق محرك بحث فرنسي متعدد الاستخدامات ونظام تشغيل للكمبيوتر يمكن إستخدامهما في الكمبيوتر والتليفون المحمول والتليفزيون. ولكن سرعان ما إبتلعت الأدراج الخطط الفرنسية! وأخيرا دخلت الصحافة الالكترونية مرحلة جديدة من مراحل حياتها سريعة الدوران عندما أصبحت صفحاتها مطروحة للاطلاع عبر محركات البحث علي شبكة الإنترنت والتي يعد جوجل من أبرزها في الوقت الحاضر. فشركة جوجل تسعي للحصول علي المقروئية ومن ثم المال عبر وصلات علي محرك البحث الخاص بها تسمح للقراء بالاطلاع علي أبرز عناوين الصحف الإلكترونية. ومن هنا تولدت حلقة جديدة من حلقات الصراع الأبدي علي المال والثروة والنفوذ, ولكنه نشب هذه المرة بين شركة جوجل العالمية من جانب وأصحاب الصحف الإلكترونية في أنحاء العالم من جانب آخر. أبعاد الصراع وللصراع ثلاثة أبعاد, الأول منها قانوني والثاني تقني والثالث مالي. أولا: ووفقا للبعد القانوني فإن قانون حقوق التأليف والنشر هو الحصن الذي يحتمي به أصحاب الصحف الإلكترونية في صراعهم مع جوجل العالمية,لأن تلك القوانين هي التي تبيح للصحف الحفاظ علي حقوقها ومستحقاتها عند التعامل مع القراء والموزعين بوجه عام وجوجل علي وجه الخصوص. وفي ألمانيا إحتج أصحاب الصحف علي ما تجنيه جوجل من أرباح نتيجة نشر عناوين ومقتطفات من الموضوعات الخاصة بالصحف الألمانية دون أن تدفع المقابل. ويبحث السياسيون حاليا عن سبل إصدار قانون يهدف لتوسعة رقعة الحماية التي يوفرها قانون حقوق التأليف والنشر لضمان حقوقهم لدي شركة جوجل. وفي إيطاليا تتم مناقشة إتخاذ ذات الإجراء وكذلك تسير الصحف السويسرية والنمساوية في ذات الطريق. وقد بدا الموقف الفرنسي أكثر وضوحا عندما حذر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بنفسه رئيس شركة جوجل من أنه إذا تغاضت الشركة عن تلبية مطالب أصحاب الصحف الفرنسية بالتعويض حتي نهاية العام الحالي فإن فرنسا ستصدر قانون مماثل لنظيره الالماني. ثانيا: وفيما يتعلق بالبعد التقني فإن شركة جوجل العالمية تقدم خدمة علي موقع الأخبار التابع لها تتمثل في وضع تنويه عن الموضوعات والمقالات تشمل عنوان الموضوع المنشور في الصحيفة الإلكترونية والجملة الأولي من مقدمة الموضوع وذلك دون إذن من الصحف. وتري'جوجل' أن التقنية التي تستخدمها أدت إلي تسجيل ما يقدر بأربعة مليارات محاولة دخول شهرية إلي مواقع الأخبار التابعة لها, وأن ما يقدر ب75% من المستخدمين لمحرك بحث جوجل علي الإنترنت يدخلون إلي الموقع لقراءة الموضوع الصحفي المنوه عنه بالكامل. وعلي الجانب الآخر, يري أصحاب الصحف أن وضع جوجل لتنويهات عن الموضوعات والمقالات الصحفية علي مواقعها الإخبارية يؤدي إلي تراجع القراء عن الدخول إلي موقع الصحيفة لقراءة الموضوع أو المقال بأكمله. ويري البعض الآخر أن' جوجل' تستخدم قصاصات الموضوعات المهمة والمثيرة وتبثها مصحوبة بإعلانات تدرعليها الربح, وهو ما نفته جوجل. وقد أدي تأزم الموقف بين الطرفين وتراكمه علي مدي الأعوام السابقة إلي قيام بعض الصحف بحجب مواقعها بالكامل ومنعها من الظهور علي محرك بحث جوجل. فقد قاطعت150 صحيفة من كبري الصحف البرازيلية التي تمثل إصداراتها ما يقدر ب90% من جملة التوزيع موقع جوجل تماما. وأكد البرازيليون أن الأثر لم يكن كبيرا بل كانت الخسائر محدودة جدا كما لم تؤثر المقاطعة في معدل استخدام شبكة الإنترنت إلا بمقدار5% فقط. ثالثا: وفيما يتعلق بالبعد المالي فإن الصحف البرازيلية مثل الألمانية والفرنسية والسويسرية والنمساوية تصر علي دفع شركة' جوجل' لقدر من المال مقابل التنويهات التي كانت تظهرها علي مواقعها الإخبارية. وعلي النقيض تري جوجل أن قيامها بدفع مقابل مالي لما تنوه عنه من موضوعات صحفية علي مواقعها الإخبارية يمكن أن يهدد وجود الشركة بأكملها. الأزمة الحقيقية ولكن الأزمة الحقيقية التي تمثل خلفية الصراع بين الصحف و'جوجل'تتمثل في أزمة تعييشها صناعة الصحافة والنشر التقليدية في أنحاء العالم, ففي فرنسا أشارت الإحصائيات إلي عدم تحقيق أي صحيفة قومية أرباح حقيقية علي الرغم من المساعدات الحكومية المباشرة وغير المباشرة التي تم ضخها والتي يقدرها البعض بمليار ونصف المليار دولار!! ولا يمكن إرجاع مثل ذلك التدهور إلي جوجل وإنما هو تدهور مرتبط بالركود الإقتصادي وتراجع المقروئية وإنهيار إيرادات الإعلانات.