الحقيقة أن لحزب الأحرار الديمقراطيين علي السياسة البريطانية وناخبي المملكة المتحدة أكثر من فضل. فلولا حالة الحيوية التي أضفاها الحزب المعارض لزعيمه الشاب نيك كليج, لكان موسم الانتخابات العامة قد مر رتيبا مملا. مع استمرار المواجهات الثنائية والحرب الكلامية الدائرة لشهور بين العمال والمحافظين. ولولا صعوده الباهر, لفقد الناخب البريطاني آخر أمل في إيجاد بدائل سياسية جديدة ورؤي غير تلك المعادة والتي توقف الناخب عن تصديقها قبل وقت طويل لإصلاح الحياة السياسية البريطانية وباقي مختلف المعضلات المتزايدة أمامه. صحيح أن بدعة' المناظرات التليفزيونية' التي التزمها المرشحون البريطانيون هذا العام كانت فاتحة الخير وسلطت الضوء علي كليج وحزبه. فصعد خلال أيام معدودة والعهدة علي استطلاعات الرأي المتتالية من المرتبة الثالثة في ترتيب الأحزاب إلي الثانية. بل وفي بعض الأحيان كان لحزبه وزعيمه, لأول مرة, صدارة الاستطلاعات. لكن المسألة ليست مجرد تلميع إعلامي جاء بالمصادفة في صالح' الحزب الثالث', أو ساعة بلاغة طارئة جذبت لكليج الأنظار.الأسباب في هذا تنقسم إلي قسمين, أحدهما يتعلق بحال المشهد السياسي والحزبي في بريطانيا, والآخر بمواقف حزب الأحرار الديمقراطي نفسه. فمن جانب, جاءت مناظرة15 أبريل( أولي المناظرات) وسط مشاعر الحصار التي يعايشها الناخب البريطاني بين حزبي المحافظين والعمال المتبادلين للسلطة طوال65 عاما, والإحساس بالتشابه الشديد في البرامج السياسية لهما. وإحساسه بأن التعددية الحزبية في بلاده قد تم اختصارها في صيغة' قطبية حزبية' لا فكاك منها. لكن قلق الناخب كان أعظم من مجرد' لمن ستكون أصواتنا يوم6 مايو؟' فمع تشابه الجميع, كان السؤال الأهم: كيف يكون الإصلاح إذن؟ و هنا كان الفضل الحقيقي لحزب الأحرار وكليج. فقد جاء الزعيم الشاب(43 عاما) ليبرز فكرة التشابه بين الحزبين في المناظرة الأولي بينهما, ثم زاد وأفاض في شرح برنامجه الانتخابي والذي حمل إجابات مختلفة لملف التعليم, باعتباره( القضية الرئيسية له ولحزبه), بالإضافة إلي الهجرة غير الشرعية التي اقترح منح عناصرها الجنسية في حالة مرور عشرة أعوام علي وجودها وعدم ارتكابها أي مخالفات قانونية, وإصلاح النظام البرلماني وبشكل يفوق اقتراحات العمال الثورية, والتعهد بسحب سريع للقوات البريطانية من العراق وأفغانستان, والانضمام إلي اليورو, وغير هذا الكثير. لكن الدقة تستدعي التنويه إلي أن صعود' الحزب الثالث' ليس صنيعة يد كليج وحده. فمن قبل مناظرة15 أبريل, كان الحزب قد بدأ يحرز أرضية قوية وتعرف الناخب به عن قرب, بدليل احتلاله المرتبة الثانية بعد المحافظين و قبل العمال في الانتخابات المحلية الأخيرة. وما ناله الحزب حتي الآن هو في الواقع وليد عملية إصلاح وتجديد منذ نهاية التسعينيات علي يد زعيمه آنذاك بادي أشدوان. إدراك التهديد الذي يشكله كليج وحزبه وإحساسهما بأن توقعات' البرلمان المعلق' أقرب للتحقق, دفعت براون وكاميرون إلي البدء في التقرب إلي الزعيم الوليد حتي من قبل انتهاء المناظرة الأولي بينهما( تخللتها عبارات التوافق مع عدد من السياسات التي طرحها كليج), لإدراكهم أن الوقت تأخر علي محاولة تجديد الخطاب والبرنامج. كليج من جانبه رفض في البداية مسألة الحديث عن تحالف قريب حتي لايضعف فرص حزبه الذي تسيد بتصويره علي أنه لا يصلح سوي كجزء من ائتلاف إنقاذ. وأكد أن تحالفا, لا يقوم علي توافق وثيق بين سياسات حزبه والحزب الشريك, لا داعي له. ثم عاد وتحول عن موقفه, غالبا بعد الاستماع لأصوات العقلاء, فلوح إلي إمكانية التحالف مع العمال, مع ترك الباب مواربا أمام المحافظين أيضا. ولعله أيضا طالع أحدث استطلاعات الرأي التي وضعت حزبه في المرتبة الثالثة بعد المحافظين والعمال( بالترتيب), وهي مسألة متوقعة مع تذبذب الناخبين. وإدراكهم صعوبة تولي الحزب الصاعد( رغم الإعجاب الشعبي به) حكومة منفردة. كان النصر للعمال أو المحافظين أو كانت حكومة ائتلافية أو حتي إعادة انتخابية, فإن نجم الأحرار الديمقراطيين توهج, وكان هذا عن استحقاق, ولعلها انطلاقة لما هو أكثر.