الصرف الصناعي لمصانع العاشر من رمضان بات ينذر بكارثة بيئية وصحية تهدد ملايين المواطنين بالموت البطيء من خلال برك الأكسدة التي تمت إقامتها لتصريف واستيعاب مياه ومخلفات الصرف الصناعي وذلك لمصانع المدينة التي تسربت سمومها الي زراعات الخضراوات والطماطم,والأخطر من ذلك تحول هذه البرك الي مزارع سمكية تتغذي علي هذه السموم ثم يتم بيعها للغلابة بأسعار أقل من مثيلاتها في الأسواق. المشكلة بدأت حينما شرعت هيئة المجتمعات العمرانية بإنشاء عدد من برك الأكسدة بالصحراء المتاخمة لمدينة العاشر من رمضان لتصريف واستيعاب مياه ومخلفات الصرف الصناعي الخاص بمصانع المدينة واستغلالها في زراعة الأشجار الا انه ومع زيادة اعداد المصانع لم تعد طاقة هذه البحيرات تستوعب الزيادة الناتجة عن أعمال الصرف خاصة بعد اختلاطها بمياه الصرف الصحي فارتفع منسوبها وظلت تفيض لتغادر حدودها حاملة مخلفاتها أو بمعني آخر سمومها وتنطلق صوب الأراضي المجاورة وتخترقها قسرا.ونظرا لانخفاض الأراضي الزراعية بزمام المناطق المحيطة عن مستوي المياه بمنطقة العاشر من رمضان فقد ادي ذلك الي تسرب هذه الملوثات الي المياه الجوفية كما تسربت من خلال مجار عشوائية لتخترق زمام الزراعات المجاورة مما ترتب عليه تدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وغمر مساحات أخري وتحويلها الي برك ومستنقعات وانتشار الأمراض الخطيرة وعلي رأسها الأورام والسرطان والفشل الكلوي بفعل المواد الثقيلة والخطيرة التي تنتشر بهذه المياه, بالإضافة للمحاولات التي لا تتوقف لضعاف النفوس لتحقيق مكاسب غير مشروعة علي حساب صحة الانسان وحياته. ورغم التوسع في اعداد البحيرات لاستيعاب كميات الصرف المنتجة من المصانع الا أنه في كل مرة كانت الكميات المنصرفة تفوق حجم البحيرات الموجودة وتزيد المشكلة خاصة مع زيادة أعداد المصانع والتوسعات الرأسية وهو ما حدث أخيرا بالمناطق بالمجاورة وأدي لارتفاع منسوب المياه الجوفية وتلوثها وتغير طعمها. ولبيان حجم الكارثة نقول ان نحو280 الف م3 يوميا من مياه الصرف80% منها من مخلفات المصانع: الصرف الصحي والصناعي غير المعالجة بكل مكوناتها السامة من المعادن الثقيلة كالرصاص والمنجنيز والنحاس والملوثات التي تعج بها هذه المخلفات تتسرب الي المياه الجوفية التي تروي آلاف الأفدنة بمحافظتي الشرقيةوالإسماعيلية فضلا عن تسربها لنحو10 آلاف فدان من أراضي الخريجين والتي يتم تسويق منتجاتها للملايين في محافظات الشرقيةوالإسماعيلية وحلوان والقاهرة. وتبقي المشكلة الأكبر في محاولات استغلال هذه البرك في ظل غيبة الرقابة وتحويلها لمزارع سمكية لتربية وزراعة الأسماك وبيعها للغلابة والمحتاجين بأسعار أقل من مثيلاتها بالأسواق مستغلين حاجتهم وجهلهم بخطورة هذه الأسماك, حيث يتجه البعض لجلب الزريعة واطلاقها بالبحيرات ثم العودة لتجميعها بعد فترة وطرحها دون اجراء جاد لوقف هذه المهزلة. وكانت وزارة الدولة لشئون البيئة قد كشفت منذ سنوات عن زراعة محاصيل الذرة والشعير والقمح والبرسيم المستخدم في رعي الأغنام والماشية باستخدام مياه الصرف الصناعي والصحي غير المعالج, الأمر الذي يلجأ اليه البعض من معدومي الضمير لتحقيق مكاسب سريعة حيث تغري سرعة ازدهار النبات نظرا لارتفاع المحتوي العضوي فضلا عن صعوبة اكتشافها وتدفع إلي الإقبال علي هذه الزراعة كما رصد الباحثون ان محاصيل القمح والشعير والفول البلدي التي يتم ريها بمياه الصرف الصناعي والصحي غير المعالج يتم تسويقها الي بنك التنمية الزراعي, أما محاصيل الخضر والفاكهة فيتم تسويقها بسوق العبور ومدينة العاشر. وأكدت التقارير المعدة بمعرفة وزارتي البيئة والزراعة ارتفاع نسبة المواد الملوثة والضارة الناجمة عن مخلفات البحيرات السامة, حيث تكشف تضاعف التركيز الكلي لعناصر الكادميوم والكوبلت والكروم والنحاس والنيكل والرصاص والمنجنيز والزنك والحديد في مياه الصرف الصحي والصناعي, في حين تم تقدير تركيز الأمونيا في عينات مياه البرك بنسبة أعلي من المسموح بها بمقدار5% عن الحد المسموح به, الأمر الذي تكرر بنفس النسبة في المياه الجوفية وفرع ترعة الإسماعيلية الواقعة شرق مدينة العاشر, مما يؤكد تسرب مياه برك الأكسدة للخزان الجوفي بالمنطقة. كما كشف التقرير أن برك الأكسدة تحتوي علي تركيزات من النترات أعلي من الحد المسموح به45 مليجراما لكل لتر, كما أوضحت نتائج التحاليل للنباتات المزروعة بمياه البرك التي يتغذي عليها الإنسان تزايد تركيز عنصر الألمونيوم علي الحدود المسموح بها وتزايد عنصر الفانديوم فيها الي ضعف الحدود المسموح به وبالنسبة لتحاليل النباتات التي يتغذي عليها الحيوان المروية بمياه البرك وجد تزايد عنصري الألمونيوم والكروم بنسبة كبيرة وارتفاع نسبة تلوث المياه بالكادميوم الذي يسبب الإصابة بأمراض ارتفاع ضغط الدم وتضخم القلب وفقر الدم والاصابة بأنواع الروماتيزم المختلفة واضطرابات في الدورة الدموية وضمور في الكلي وضعف كفاءة الجهاز المناعي والإصابة بمرض سرطان الرئة والفشل الكبدي والكلوي والإصابة بأمراض السرطان, نتيجة زيادة معدلات تلوث المياه بالمنجنيز والنحاس بنسب تتعدي المعدلات الدولية المعترف بها في مصر. فيما جاءت نتائج فحص الماشية والأغنام التي تتغذي علي هذه النباتات مؤسفة للغاية حيث بدت جميعها مصابة بالضعف العام والهزال وتساقط الصوف كما تعاني النزلات المعوية والالتهابات الرئوية وزيادة معدلات العناصر الثقيلة في اللبن والدم عن الحدود المسموح بها عالميا ومحليا. أما بالنسبة للأسماك فقد كشفت التحاليل عن ارتفاع معدلات التلوث بالعناصر الثقيلة في الأسماك الموجودة بالعاشر من رمضان والمناطق المحيطة والمرجح زراعتها بالبرك مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك الآدمي نتيجة ارتفاع معدلات التلوث الميكروبي وإصابتها ببكتريا السالمونيلا التي تؤدي لحمي التيفود والاسهال والنزلات المعوية ومرض السل وإصابة الإنسان بالزهايمر, بالإضافة لاحتمالات الإصابة بشلل الأطراف وهشاشة العظام والغيبوبة نتيجة ارتفاع معدلات الرصاص في مياه البرك وتأثيرها علي الجهاز العصبي. وأوصي التقرير الذي أعده مركز بحوث الصحراء بتفعيل قانون البيئة رقم4 لسنة1994 وملحقاته بخصوص المخلفات الناتجة من المصانع ومتابعة قياس الملوثات في الأراضي المروية بهذه النوعية من المياه علي فترات منتظمة لمتابعة تراكم العناصر الضارة مع ضرورة إنشاء محطة معالجة بكل مصانع مدينة العاشر من رمضان تتماشي مع نوعية المخلفات الناتجة, مع المراقبة الدورية عليها لضمان تشغيلها بكفاءة, وربط تراخيص تلك المصانع بمدي مطابقة مياه الصرف للحدود المسموح بها. ودعا التقرير الي الكشف الدوري علي المزارعين ومتابعة حالتهم الصحية, والكشف البيطري أيضا علي حيواناتهم مع عمل برامج توعية لهم لبيان أضرار التلوث الناتج عن استخدام مياه الصرف الصحي والصناعي علي الإنسان والحيوان والنبات والتربة. وأشار التقرير الي أهمية استخدام تكنولوجيا النانو تكنولوجي المتاحة لدي مركز بحوث الصحراء باستخدام المفاعل الضوئي وزراعة أشجار الجاتروفا والجوجوبا في نطاق الحزام الأخضر حول مدينة العاشر من رمضان. ويشير مصدر مسئول بوزارة البيئة الي أن المشكلة تتفاقم لعدم وجود مجار مائية بالعاشر وتعطل مشروعات الصرف الصحي بالمدينة وفشل بحيرات الأكسدة في استيعاب الكميات الضخمة من مياه الصرف الصحي والصناعي ووقوع الأراضي المجاورة علي مستويات منخفضة وبالتالي غمرها وتحويلها لبرك ومستنقعات, معقبا أن المشكلة مازالت قائمة وفي تزايد لأن أحواض الترسيب ضعيفة التبطين وهو ما يسمح بتسرب الملوثات فضلا عن أن طرق المعالجة مازالت غير آمنة بيئيا أو صحيا, ويري أن الحل الأمثل في الإسراع بالانتهاء من مد وتشغيل خطوط الصرف والمحطة الرئيسية لفصل الصرف الصحي عن الصناعي وعمل معالجة ثلاثية لكليهما مع التوسع في إنشاء البرك المطورة لاستيعاب الكميات الإضافية من الصرف الصناعي مع معالجة هذه المياه إكلينيكيا وبيولوجيا وتوجيهها لري مشروعات محددة لتحقيق أقصي استفادة.