قد تكون محاورة أستاذة في علم الجمال الآن نوعا من المفارقة,لأننا في زمن غلب فيه القبح علي الجمال, وانتصرت فيه الفوضي علي النظام,وتضاءل الشيء البديع أمام طوفان القبيح. ولكن د. وفاء إبراهيم تؤمن كما آمن أديب روسيا الكبير دوستويفسكي في روايته البديعة( الأبله)بأن الجمال يمكنه إنقاذ البشرية. بقدر ما فرحت بثورة يناير, وظنت أنها ستغير الوطن, بقدر ما تأمل أن تري وطنا جديدا, يشعر فيه الجميع بآدميتهم التي أهدرت. عن الجمال في مواجهة القبح,ووضع المرأة في الدستور الجديد, وقضايا أخري, كان هذا الحوار مع أستاذة علم الجمال د. وفاء إبراهيم التي قال عنها أستاذها المفكر الكبير د. زكي نجيب محمود إنها محنة للرجل الشرقي لجمالها ولرجاحة عقلها. هل يمكن أن يتعايش الإنسان مع القبح ؟ أعوذ بالله أن يسود القبح المحروسة ويسير علي رجلين فاغرا فاه بلا حياء, وللأسف أندهش من هذا التعايش معه, فالقبح هو خروج علي القيم الإنسانية. القبح الآن يتخذ أشكالا أخري مثل: الاستحواذ, الإبعاد, التشكل الكاذب بروح الدين للاقتراب ممن يحكمون. الطريق الأهم عندي هو طريق الإبداع, لأن الإبداع لحظة اعتراض صادقة علي قبح الواقع. وعلي المبدعين أن يفعلوا ما فعلته أرتميس بأكتيون( الاسطورة اليونانية) حين وعت قبح دوافعه,حيث سخطته غزالا لتقيم الحجة عليه أن داخله جمالا لا يمارسه. ولعلي أتساءل: إلي أي مدي ينتمي القبح إلي مقصد الثورة ؟ وإلي أي مدي ينتمي إلي مرامي الإصلاح؟ هل يمكن لعلم الجمال أن يقدم حلولا وبدائل للواقع القبيح الذي نعيشه؟ علم الجمال لا يقدم حلولا بمعني مباشر,ولكن الجمال أداة من أدوات الوعي,التي تساعد في فتح آفاق الحلول, وعندما يتحلي الإنسان بوعي جمالي, يستطيع أن يمتلك رؤية نقدية. وبأدوات الوعي سيمتلك خيالا إبداعيا, يستطيع به أن ينقد, وأن يقبل النقد, أي يقبل الاختلاف. لذلك قبول النقد بشقيه الإيجابي والسلبي, سوف يقدم ما نتمناه من أن يصبح الجمال له الدور البناء لاسيما بعد الثورة- في بناء الإنسان المصري. لذلك من اللازم أن يدخل الجمال وتنمية الوعي الجمالي من خلال المنهج التعليمي,حتي ننتج أجيالا تستطيع أن تبدع مصر جديدة وأن تجدد في هذا البلد. وثورة يناير كانت لوحة فسيفسائية في غاية الجمال,وأجمل ما فيها كان الإبداع الفني التلقائي,من غناء, إلقاء شعر, تقليد, محاكاة. كانت الوجوه جميعها جميلة تملؤها الصدق والرغبة في التغيير, وكان ألق الوجوه مثيرا للانتباه, لأن الثورة هي الحرية, ولأن الحرية هي التي تعطي الإنسان قدرة علي الإبداع التلقائي. وعندما بدأت اللعبة السياسية, وبدأ تقسيم المصالح, بدأ تمزيق اللوحة الفسفسائية, وضاع الجمال, والألق من الوجوه, واكتست عبوسا. ولكن ألا يعد الحديث عن الجمال الآن وسط كل هذا الانحطاط بمثابة ترف ؟ الحديث عن الجمال ليس ترفا,وإنما الجمال في إحدي وظائفه هو تحريض الوعي علي المقاومة, ولننظر إلي الثورة وإلي الحرب: من الذي يشجع الجنود علي القتال؟أليست هي الأناشيد الوطنية, انظر إلي البنائين وهم يبنون, ستراهم يبنون ويستعينون بالغناء علي العمل المضني. إذن الجمال ليس ترفا, وإنما هو دائما عامل للمقاومة وللتغيير وللقدرة علي البناء, و الله جميل يحب الجمال, وأعتقد أن حب الله للجمال كان سببا في خلقه الإنسان علي صورته ومثاله, وجعل الجمال عنصرا مقصودا في الكون, ووضع في الإنسان ملكة لكي تتذوق العنصر الجمالي في الكون. لابد أن نرقي ونرتقي للوصول إلي ما يجعل الإنسان إنسانا, ويرقي الحياة. ما النموذج الذي ترينه في كيفية الاستفادة من علم الجمال لتحسين الواقع؟ النموذج الصيني التي تحتل الآن مكانة مرموقة عالميا, والصين اعتمدت علي تراثها,فلو نظرنا إلي كونفشيوس الذي ألف فلسفته في عصرالفوضي, سنراه بدأ ببناء الإنسان واستعادة إنسانيته من هذه الفوضي, ولكي يقوم بذلك سأل نفسه سؤالا: كيف أستطيع أن أستعيد إنسانا ليتفاعل مع أقرانه وأبناء وطنه ويستعيد ثقته في نفسه؟وبذلك وثق في الإنسان, فلم يضع قواعد صارمة للوصاية علي روحه وجسده, وإنما قدم أسسا لأخلاق عملية. وأعتقد أن هذه هي مشكلة بلدنا بعد الثورة,إذن السؤال هو: كيف يمكن أن نتواصل كما فعل كونفشيوس؟ كونفشيوس أعاد بناء الإنسان من خلال مبادئ متعددة,سأختار منها مبدأ تقويم الأسماء, بمعني أن يكون الاسم هو الفعل, أي أن يكون الحاكم حكما وليس إلها, والوزير وزيرا, وليس له شلة فساد,بمعني أن يقوم كل إنسان بعمله المنوط به. وحتي عندما استعانت الصين بالمنهج الماركسي, لم يأخذوا منهم إلا ما ينفعهم عمليا, ولم يتخلوا عن تراثهم وممكناتهم. يزخر تراثنا الإسلامي بالوعي الجمالي.. برأيك, ما الذي حال بيننا وبين الاستفادة من هذا ذلك التراث المملوء جمالا وجلالا؟ حقيقة هذا سؤال مهم جدا,لأنني أري في رأيي المتواضع أننا ننظر دائما إلي النصوص الخاصة بنا علي أنها أصوات تسمع, وكلمات تنطق دون أن نستطيع نقلها إلي وجودها الحقيقي, ووجودها الحقيقي في نظري أن تكون مغيرة للواقع وما فيه من مشاكل. وسأضرب مثالا بالأستاذ سيد قطب, وكتابه المهم التصوير الفني في القرآن الكريم الذي يقول في صفحة36 التصوير هو الأداة المفضلة في اسلوب القرآن, فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعني الذهني,والحالة النفسية والحادث المحسوس والمشهد المنظور وعن النموذج الإنساني والطبييعة البشرية, ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها, فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة, فإذا المعني الذهني هيئة أو حركة, وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد بذلك وضع سيد قطب يده علي ممكنات النصوص التي نجمدها نحن.وسيد قطب بهذا يحرض وعينا ويحرك خيالنا وتبعث فينا نوعا من الاستثارة الوجدانية التي نحاكي بها ذلك, أي أن نجعل من حياتنا مشروعا فنيا يمكن أن نزيده نورا كل يوم. كيف ترين واقع تدريس علم الجمال في الجامعات المصرية؟ من خلال تجربتي في تدريس علم الجمال ونظرياته, وجدت أن دراسة علم الجمال تعد تحريضا للقدرة الخيالية والشعورية الحدسية والمعرفية للإنسان. الوعي الجمالي هو الذي يدرب الإنسان علي التفكير بكل ملكاته, ويستطيع أن يتابع الأزمة في كل مراحلها, ويتجنب حدوث الأزمات. من هنا تأتي أهمية الوعي الجمالي لأي قيادة صغرت أم كبرت, لأن من يمتلك الوعي الجمالي سيتكون لديه ذلك الحدس بتوقع الأزمات والرؤية المستقبلية في نطاق عمله. وكان من أول اهتماماتي تأليف كتاب الوعي الجمالي عند الطفل لأن إغفال هذا الجانب في الطفل سبب كل مظاهر القبح والفوضي الوجدانية والانحرافات المتعددة كالإدمان والانحراف الخلقي والهوس الديني, لانها تعبر جميعا عن اللاتوازن, الذي يعني ضياع الوحدة وتبدد التناغم في الإنسان. وسبق أن قدمت خطة مشروع لتدريس علم الجمال في أقسام التعليم الجامعي إيمانا مني بأن علم الجمال قادر علي تهيئة أذهان الطلبة في عالم متغير, ليجد لغة مشتركة يستطيع بها أن يقوم بفعل متوازن بالإبداع أمام هيمنة القوي الكبري. من الضروري أن يتسلح طالب الجامعة بالخيال الإبداعي ليؤدي دوره المنوط به. ولكي يؤدي علم الجمال دوره, لابد ألا يقتصر علي أقسام الفلسفة. يكثر الحديث الآن عن النهضة, برأيك هل تحققت شروط النهضة المصرية الآن؟ في الواقع أن النهضة كلمة جذابة, ولكن السؤال:لماذا يتكرر عندنا سؤال النهضة, وهذا السؤال نفسه لم يكرر إلا في الغرب في عصر النهضة, ولم يسأل بعد ذلك وبدأ التطور؟ أما نحن فدائما نسأل, وتتم المحاولة ويتم السقوط, الحقيقة السبب في ذلك بسيط, أننا لا ننظر إلي تراثنا علي أنه معطي غني مملوء بالممكنات وبالأمل والمستقبل. ولكن للأسف ما يحدث أن قوي المحافظة تخل بالتوازن بينها وبين قوي التجديد, التي تسعي لتفعيل ما به من ممكنات من اجل مستقبل أفضل. ويبدو أن ما يسبب السقوط لأي مشروع نهضوي أن تخل قوي المحافظة بمبدأ التوازن, حيث نجد بعد كل ثورة وبعد كل تغيير يخرج علينا من يكفر ومن يقولب ومن ينمط, ومن يخطئ. هذه الآلية أنا أراها لا تختلف عن الآلية التي كانت قبل الإسلام إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مهتدون ولكن الإسلام جاء كي يحاربها ويرفضها, لأنه أعطانا نصا غنيا, ونحن أدري فيه بشئون دنيانا كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام. هذه هي المعضلة بين قوي المحافظة وقوي التجديد. وما الحل الذي ترينه؟ الحل في فكرة ما أسميهم الانتقاليين, والانتقاليون هم شباب الثورة,وأنا لست شابة, ولم أشارك في الثورة مثلهم, ولكني فرحت بهذه الثورة التي كنت أظن إنها ستغير وطني تماما, وتخرج كل ما فيه من ممكنات, لأنني مؤمنة بأن أصحاب الحق الأول في الانتقال بمصر إلي مرحلة حديثة هم هؤلاء الانتقاليون. عندئذ سندخل النهضة لأول مرة من مدخلها الحقيقي, باستخدام الخيال الإبداعي التلقائي, وستكون الخطوة التالية هي بناء الإنسان المصري باستعادة كرامته, حريته,ثقته في قدراته, لتدعيم حيوية هذا الوطن الذي شاخ. هؤلاء الذين أبدعوا الثورة من خلال الكومبيوتر هم الانتقاليون, الذين يستطيعون اتخاذ القرار الصحيح في ضوء استراتيجية واضحة لمصر في التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد وشئون المجتمع, دون سلطة من أحد أن يدخلهم في قالب,أو ينمطهم في اتجاه أيدلوجي أو سياسي ما. إنهم متوجهون إلي هدفهم وهو ترقية مصر, بآليات عمل دقيقة ومن خلال خطط, ومن خلال فرق عمل. ولابد من توحيد التكنيك لاستراتيجية تغيير عامة واضحة,ودقيقة للوصول إلي أهداف التقدم, بشكل عملي, تقدم مصر الوطن الجامع لعناصره وليس لاتجاه أو فصيل ما,وأهم ما يميز الانتقاليين أنهم يجمعون بين الفكر والتطبيق, والجانب النظري والجانب العملي, هم الذين ينهلون من التراث ولكنهم يجعلونه يحيا في الواقع ويدفع إلي الأمام, بمعني أنهم يلتقطون الأفكار التراثية التي تستطيع أن تتنفس وأن تعيش, لأن هناك أفكارا لا تستطيع أن تعيش في هذا العالم المتسارع. وفكرة الانتقاليين هي هذه السيمفونية من الشباب الذي سيعزف بالفعل أنشودة الحرية,والكرامة والترقي لبلدنا. يثار الآن لغط كبير حول المرأة في الدستور الجديد, ونعلم أن لديك بحثا عن المرأة بين العقاد وسلامة موسي ؟ حقيقة ما دفعني لأكتب هذا البحث هو محاولة إعادة التوازن بين المرأة والرجل في تشكيل تاريخ مصر الحديثة, لأن المرأة شاركت بكل إخلاص في هذا التاريخ, وللأسف دائما تدفع المرأة الثمن بعد كل تغيير وبعد كل هزيمة, وكأنها السبب في هذه الهزيمة وذلك السقوط. ولكن الكتابة الموضوعية والعلمية من قبل المرأة هي التي ستؤكد أن المرأة إنسان وليست أنثي. لذلك حاولت أن أكشف في البحث ماهية المرأة الحقيقية, وأبعد عنها كل ما هو تحيزي وسلبي, وعشوائي, أخفي كثيرا من حقيقتها, وغلف ذ ذ علي المشاركة وبناء المستقبل. واخترت علمين من أعلام مصر هما الاستاذ العقاد وسلامة موسي لأنهما يمثلان مصر الوطن الواحد, لم أتحيز لطرف علي آخر, وحاولت أن أعلو إلي أفق الروحانية الفينومينولوجية العميقة, وأعتقد أنني جنبت نفسي أن أتيه في غمار الأشياء الصغيرة, ولاسيما وأنا بين عملاقين بينهما تضاد فيما يخص المرأة, وبضدها تتميز الأشياء. ويمكن تلخيص ما انتهيت إليه, ويمكن أن يوضع كمعايير في الدستور للاختيار بصرف النظر إن كان الاختيار لرجل أم امرأة. اهم هذه المعايير: الفروق الفردية بصرف النظر عن الجنس,حقوق وواجبات كل منهما تجاه وطنه, القدرة علي الإضافة ومدي القدرة علي الاستمرار فيها.