ما سأكتبه ليس فيه حرف واحد من بنات أفكارى أو لوزعية خيالى الخصب، بل الحقيقة المؤلمة التى اكتشفتها صدفة عندما ساقنى حظى العثر إلى أحد شوارع منطقة متوسطة المستوى.. لا هى شعبية ولا راقية.. كنت ذاهبا للسؤال عن مبيض محارة، فوصف لى ولاد الحلال مكان الشارع الذى يسكن فيه المعلم (رجب) مبيض المحارة.. ولأننى لا أعرف المنطقة جيدا دخلت شارعا خطأ وكانت الصدمة. وجدت على ناصية الشارع شابا فى الثلاثينيات يجلس على كرسى انتريه متهالك، وضعه الشاب على حافة الرصيف بين الشارع الرئيسى والفرعى، وما أن اقتربت منه حتى وجدت ابتسامة خبث يرسمها على وجهه وتوهانا بدا فى طريقة كلامه وغمزات عينه اليسرى التى تعنى (الروقان والمزاج) حسب لغة هذه الفئة.. عملت عبيط واقتربت منه فلمحت فى يده علبة سجائر أجنبية وولاعة.. نظرت فى اتجاه الشارع الفرعى فبادرنى بالحديث (أمرك يا أستاذ.. أى خدمة)، قلت له فيه واحد اسمه (رجب) ساكن هنا وأشرت بأصبعى نحو الشارع، فقال لى (لا.. مش عايز حاجة أى خدمة) ولوح بعلبة السجائر التى بيده.. لم أفهم مقصده ففاجأنى بسؤاله المباشر (عايز حشيش)؟! عقد لسانى من الصدمة ولم أستطع الرد عليه.. وقلت مستغربا (انت بتتكلم جد)، فضحك (العينة بينة.. وأدى البضاعة) وفتح علبة السجائر وأخرج منها صباعين من الحشيش كل صباع بطول علبة السجائر وقطره أكبر من قطر السيجارة ثلاث مرات.. (حشيش نضيف جرب.. هتدعيلى).. قلت له ودماغى يغلى من الغيظ (أنا فعلا هدعيلك من غير ما أجرب.. روح يا شيخ ربنا يتوب عليك)، لم يعلق وأشاح بوجهه.. تركته ومضيت إلى غايتى.. لكن شيئا فى صدرى كان يوجعنى ويلح علىّ أن أفعل شيئا. مشيت عدة أمتار من هذا الشاب ودخلت شارعا آخر حسب ما وصف لى أولاد الحلال فوجدت سيارة شرطة يقف سائقها فى منتصف الشارع.. اقتربت منه وقصصت عليه الحكاية فاقترب من أذنى (أنا يا أستاذ سواق الباشا.. لو عايز تقوله حاجة انتظر حتى ينزل من البيت).. قلت ساخرا (والباشا هينزل امتى؟!).. (الله أعلم بعد ساعة اتنين تلاته.. انت وحظك).. همست فى أذنه (متعمل خدمة لوجه الله وتقوله انت اللى سمعته).. رجع العسكرى خطوة للوراء رافعا يديه فى الهواء (ماليش فيه.. أنا يا بيه فاضلى شهور وأخلص من ذل الخدمة فى البيوت وأروح بلدى).. وتركنى وذهب. لحظة: لمن يهمه الأمر.. ما زال الشارع والشاب فى ذاكرتى ولن أتأخر فى إرشاد الشرطة عنهما [email protected]