ورد حدث الهجرة النبوية, في القرآن الكريم فاكتسب خلوده بخلود القرآن, حيث قال الله تعالي:, إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا]. وكل حدث جاء في القرآن اتسم بسمة الخلود, لأن القرآن الكريم خالد وباق الي الأبد, وحتي بعد القيامه ويظل يتلي حتي في الجنة:, يقال لقاريء القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها], هكذا وضح الرسول صلي الله عليه وسلم خلود القرآن الكريم حتي في الجنة. وحدث الهجرة النبوية الشريفة من الأحداث التي جاء بها القرآن فهي ليست لأهل زمانها الذي حدثت فيه فحسب, بل إن عطاءها وحصادها لأهل كل زمان ومكان عبر العصور والأجيال. ويظل حدث الهجرة النبوية يمد الحياة الإنسانية بدروسه وعبره, ويؤكد لكل الأجيال في كل الأرض, أن معية الله سبحانه وتعالي تصون الناس من كل شر أو أذي, وكل خوف أو حزن, لا تحزن إن الله معنا]ومعية الله تعالي يحظي بها المؤمنون الصادقون في إيمانهم, المحافظون علي عقيدتهم وصلتهم بالله, فيظل الواحد منهم ذاكرا ربه في كل وقت فيذكره ربه, فاذكروني أذكركم], فعلي مجتمعاتنا البشرية أن تحافظ علي معيتها مع ربها سبحانه لتأمين غوائل الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن تحافظ علي توثيق صلتها بالله لتظل في عناية الله تعالي ورعايته. والناظر الي عطاء الهجرة للعالم, يري أن في الهجرة بيانا للأمة حكاما ومحكومين, أمما وشعوبا, بضرورة توثيق الصلة بالله قيوم السماوات والأرض, فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم بدأ أول عمل بعد هجرته من مكة الي المدينة بإقامة المجتمع الجديد علي توثيق الصلة بالله, فبني المسجد النبوي أولا, ليكون همزة الصلة بين العباد ورب العباد.. ثم كان الأساس الثاني في بناء الدولة الجديدة, وهو إقامة التعاون والمؤاخاة بين الذين هاجروا وتركوا أوطانهم وبين المقيمين في المدينة من الأنصار, فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والتي بلغت في تطبيقها درجة عالية, حتي أنهم كانوا يتوارثون بها حتي نزل قول الله تعالي, وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض]. ثم كان الأساس الثالث في بناء الدولة تلك الوثيقة التي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان, أليس يجدر بأمتنا أن تحافظ علي أسس بناء الدولة بهذه المبادئ, التي أرساها رسول الله صلي الله عليه وسلم, وهي مبادئ خالدة, تظل تمد الحياة بسناها ورشدها وهداها. وقد جاء التعبير القرآني عن الهجرة بأنها كانت انتصارا, ولم تكن فرارا, لقول الله تعالي:, إلا تنصروه فقد نصره الله], إن الهجرة أكدت حقوق الإنسان, لدرجة أن الرسول صلي الله عليه وسلم استبقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليرد الودائع لأصحابها مع أن أصحاب هذه الودائع أخذوا من المسلمين ما أخذوا وآذوا رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين, ولكنهم مع مخالفتهم للرسول صلي الله عليه وسلم لم يجدوا أحدا يأتمنونه علي ودائعهم ونفائسهم وأموالهم وذهبهم إلا الرسول صلي الله عليه وسلم, وهذا يدل علي أن اختلافهم معه في الاعتقاد لم يكن عن اقتناع بل عن مراوغة, بدليل أنهم كانوا يوقنون بأنه الصادق الأمين ولا أحد أفضل منه فكانوا يودعون عنده أماناتهم, وما كان يعاملهم الرسول صلي الله عليه وسلم بمعاملتهم وإنما قابل السيئة بالحسنة, فاستبقي علي بن بن أبي طالب ليرد علي الناس ودائعهم وهو صلي الله عليه وسلم القائل:, أد الأمانة الي من ائتمنك ولا تخن من خانك]. وهكذا تشرق علينا ذكري الهجرة النبوية, فتنشر بين الناس المثاليات والأخلاق العالية, وتدعو الأمة الي الوفاق المجتمعي والي التصافح والتسامح والتصالح, والي المؤاخاة التي أرسي مبادئها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام حتي تعيش الأمة في سلام وأمان وفي رضاء واطمئنان. اللهم وفق أمتنا الي وحدة الصف وجمع الكلمة والأمان يارب العالمين. عضو هيئة كبار علماء الأزهر