يأتي احتفال مصر بعيد العمال هذا العام وسط تطورات هائلة تشهدها الساحة المصرية علي جميع الأصعدة.. اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وبالتأكيد فإننا نعرف جميعا أن العام الحالي والعام الذي يليه سيشهدان عدة انتخابات مهمة جدا. ستنقل مصر نقلة سياسية غير مسبوقة علي مستوي الحريات والديمقراطية. هناك انتخابات مجلس الشوري, وانتخابات مجلس الشعب, ثم الانتخابات الرئاسية. وللحق, فإن عمال مصر يقفون في المركز, بل هم نقطة الارتكاز الأساسية في كل هذه التطورات. فمن ناحية هم الذين يقودون, كعادتهم دائما, حركة التطور بحكم كونهم القائمين علي إدارة عجلة الانتاج, ومن ناحية أخري هم أيضا أكثر المتأثرين سواء بالاستفادة أو الانتقاص! بهذا الحراك الفذ الذي يشهده الوطن. ونظرا لأن عمال مصر جميعا يدركون ويقدرون مدي ما يبذله الرئيس حسني مبارك من جهد للنهوض بمصر في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها التي تزداد فيها التحديات داخليا وخارجيا, ونظرا ليقينهم الكامل بأن الرئيس مبارك كان ومازال هو السند الحقيقي لهم, والمدافع الأول عن مصالحهم وحقوقهم المشروعة فقد كان من الطبيعي أن يعبر عمال مصر عن كامل سعادتهم بشفاء الرئيس وعودته سالما إلي أرض الوطن بعد الجراحة الناجحة التي أجريت له في ألمانيا مؤخرا. ومن ثم فإنه يمكن القول إن احتفال مصر اليوم هو في واقع الأمر احتفالان: احتفال بعمال مصر في عيدهم, واحتفال عمال مصر أنفسهم بعودة رئيسهم الحبيب سليما معافي. ولا أحد في هذا البلد ينكر حجم المشكلات التي تواجه عمال مصر هذه الأيام بسبب فترة الانتقال التي نعيشها جميعا حاليا من مجتمع قام اقتصاده طويلا علي الاشتراكية وسيطرة جهاز الدولة علي عمليات الإنتاج, إلي مجتمع يقوم اقتصاده علي منح القطاع الخاص حصة ضخمة من قيادة عملية التنمية. ولا أحد أيضا ينكر ما نتج عن الخصخصة من تغيير في كثير من وجهات النظر حول سير العملية الإنتاجية. لكن أحدا لا ينكر أيضا أن هذه المشكلات يجري حلها أولا بأول من خلال الحوار المجتمعي. وبطبيعة الحال فإن علي رأس المطالب العمالية الآن قضية الأجر العادل الذي يضمن الحياة الكريمة لكل واحد منهم, ولن يتم ذلك إلا بضمان حد أدني لهذا الأجر. وقد كان لمسألة تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار الأولوية الأولي للحكومة, وذلك من خلال تفعيل الحوار بين أصحاب العمل والعمال. وتبقي مسألة يتحدث فيها الكثيرون هذه الأيام, وهي تزايد الوقفات الإحتجاجية والاعتصامات العمالية. إن البعض يري فيها تعبيرا عن مشكلة, لكن البعض الآخر يري فيها علي العكس من ذلك ظاهرة صحية تؤكد مدي ما وصلت إليه مصر من حرية, وعلي كل حال فإن أي مجتمع طبيعي وسليم لابد أن يشهد مثل هذا الحوار المجتمعي. وحتي في أعرق الدول الصناعية الكبري نجد مثل هذه الاعتصامات دون أن يمثل ذلك انتقاصا لقوة الدولة أو هيبتها, لكن تبقي الحقيقة الأساسية وهي أن الحوار الهاديء البناء هو السبيل الوحيد لحل جميع المشكلات. مبروك لمصر كلها عيد عمالها الشرفاء.