حين ينتصف الليل وتزدحم الشاشات بالبرامج التافهة وأفلام العنف ومسلسلات الفوضي أهرب إلي شاطيء جميل أجد فيه أحيانا ما بقي لنا من عطر الزمان الجميل.. أذهب إلي أغاني زمان حيث أشاهد معجزة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم.. انتقل فجأة من جحيم المتابعات اليومية علي الشاشات إلي شيء استعيد معه إنسانيتي.. وأشعر معه بوجودي.. إن الشيء الغريب أن مصر في صخب الخصخصة وبيع كل شيء باعت أشرطة أغاني أم كلثوم للفضائيات العربية ومعها بالطبع كانت صفقات بيع الأفلام المصرية وتاريخ حافل للسينما ابتداء بما أنتجه الأشخاص وانتهاء بما انتجته الشركات الكبري, ولا تستطيع الآن أن تشاهد أم كلثوم إلا علي قناتين هما روتانا زمان وقناة فن علي شبكة أوربيت.. أما القنوات المصرية فقد غاب عنها صوت أم كلثوم منذ زمن بعيد.. حين أشاهد أم كلثوم استمتع بها وبجمهورها العظيم أحيانا اقترب من الشاشة وهي تغني لكي أشاهد جمهورها الرائع.. حاول أن تفعل ذلك وتتفحص وجوه النساء والرجال وهم يتابعون سيدة الغناء.. أنظر إلي شياكة المرأة المصرية وبساطة ملبسها ووقارها الجميل.. وأناقة الرجل المصري وملامحه الهادئة البسيطة بكل ما فيها من البريق والجلال.. وإذا أردت أن تشعر بحجم المأساة حاول أن تنتقل إلي قناة أخري لتشاهد مطربي هذه الأيام وهم يقفزون علي المسارح في حركات بهلوانية عشوائية مجنونة وأمامهم جمهور غريب في صراخه وملبسه وطريقة تعبيره يقولون إن لكل زمان فرسانه ولكنني أشفق علي أجيالنا الجديدة من هذه الكوارث أشفق علي حواء من ملبسها الغريب.. واشفق علي الشباب من مظهره وملامحه التي تغيرت في كل شيء.. لم يكن جمهور أم كلثوم من الأثرياء ولكن هكذا كان حال مصر وشعب مصر.. ملامح هادئة وإنسان نظيف.. وامرأة راقية.. كانوا فقراء ولكن الغني الحقيقي كان في السلوك والترفع والأناقة في كل شيء.. أبحث عن أم كلثوم أينما كانت تجد الفن والجمال والمتعة.. [email protected] المزيد من أعمدة فاروق جويدة