الذين يتظاهرون من أجل إقالة النائب العام يقفون ضد القانون, ويسعون لإسقاط السلطة القضائية. ليس للأمر تفسير آخر. النائب العام موجود في منصبه بقوة القانون ولن يترك منصبه إلا بقوة القانون. إذن ما الداعي لوجود مظاهرات وهتافات أمام دار القضاء العالي تطالب بإسقاط القانون قبل إسقاط عبدالمجيد محمود, وهل ثمة علاقة بين تلك المظاهرة وبداية التحقيقات مع خلية مدينة نصر الأرهابية, وهل يسعي هؤلاء لإرهاب النائب العام وحمله علي الاستقالة, أم ان هؤلاء أدمنوا حب الأزمات وعشق الصراعات؟ بداية لا أود أن أشيد بشخص المستشار عبد المجيد محمود فقد أشاد به من يعرفون القانون ويفهمون في القضاء أكثر مني وفي المقدمة المستشار طارق البشري الذي اعتبره أفضل نائب عام خلال الخمسين عاما الأخيرة, بينما وضعه المستشار هشام البسطويسي أفضل نائب عام في السنوات الأخيرةوغيرهما. أيضا لست هنا لأعدد مناقب الرجل ولا عيوبه, ولكن أود التوقف أمام محاولة مستميتة لسحق القضاة وإذلالهم, وتدمير ما تبقي من دولة القانون. لا شك أن غالبية المتظاهرين, وهم قلة, لديهم ثأر شخصي مع النائب العام كونه أمر بحبس معظمهم في قضايا تمس أمن البلاد, ولا شك أن إبعاده عن منصبه يشبع غريزتهم في الانتقام والتشفي. يظن هؤلاء أن وجود شخص أخر في هذا المنصب الحساس والمهم سيبعد عنهم شبح الماضي ويضمن عدم تكرار ذلك في الحاضر والمستقبل, لكن هذا الشخص لن يكون من بين القضاة, فلا يوجد قاض يقبل علي نفسه أن يكون لعبة في يد أحد. ولن تقوم لمصر قائمة مادام حكامها أو شعبها يضربون بالقانون عرض الحائط, ولن تنصف هذه الأمة إلا إذا سادت دولة القانون, ولن يكون للعدل معني إلا إذا طبق القانون علي الجميع. محاولة إقصاء النائب العام عن منصبه مع أن القانون حصن القضاة من سطوة وسيطرة السلطة الحاكمة بعدم قابليتهم للعزل, قيمة ومكسب كبير لأي مجتمع يريد أن ينهض. وهنا ينبغي النظر بتمعن لحصانة النائب العام وعدم تخوفه من العزل ففي ذلك قيمة عليا من أجل سيادة القانون وليس سيادة شخص عبدالمجيد محمود, الذي يحق لك ولغيرك الاختلاف مع طريقة إدارته لكن ليس من حق أحد ان يهدم مبدأ عظيم لأنه غير معجب بشخص, أو لأن الشخص ليس علي هوي الجماعة, أو لأن الجماعة في حاجة لنائب عام يأتمر بأمرها وليس بأمر القانون. ولو أن عبدالمجيد محمود رجل النظام السابق, كما تدعي الجماعة الحاكمة, لكان ببساطة رجلهم الآن, كما حدث من شخصيات عديدة كانت ملء السمع والبصر في المرحلة الانتقالية وحسبناهم رجالا ومدافعين عن الوطن, وإذ بهم خدام أوفياء للجماعة من دون الوطن. إذن عبدالمجيد محمود شوكة قوية في حلق الجماعات الدينية. ورجل قانون لم يرهبه ابتزاز الجماعة وتهديداتها السافرة والمعلنة وسبه آناء الليل وأطراف النهار. كان أمرا غريب ومفاجئا قرار رئيس الجمهورية بإبعاد المستشار عبدالمجيد محمود عن منصب النائب العام دون سند من قانون, تماما كقرار عودة البرلمان بعد حكم بات ونهائي من المحكمة الدستورية العليا, وكالغاء الاعلان الدستوري المكمل الذي علي اساسه اقسم رئيس الجمهورية علي احترامه واحترام القانون. وقد حاولت مؤسسة الرئاسة أن تخرج من هذا المأزق بما سمي حفظ ماء الوجه, وكأن هذا الشعب يخدع مرة تلو الأخري دون أن يميز بين الأخطاء الفادحة. الحقيقة التي لا لبس فيها أن الرئيس أقال النائب العام بنصيحة من خبثاء أو جهلاء, والحقيقة المؤكدة أيضا أن الرئيس وضع في موقف لا يحسد عليه ولم يجد أمامه سوي التراجع. تراجع الرئيس ليس عيبا. والحقيقة المؤكدة أيضا أن الذين فشلوا في إقالة النائب العام يحاولون مجددا تحت لافتة الضغوط الشعبية والتي يمكن أن تؤدي لما لا تحمد عقباه وفقا لتهديدات مكي والغرياني لعبدالمجيد محمود. لن تهدأ جماعة الاخوان, إلا بتحقيق مآربها. ولن تكون معركة النائب العام الاخيرة. فالتشويه مستمر والتشكيك لا يتوقف, وسيلصقون التهم برجال القضاء, مثلما الصقوا براءة المتهمين في قضية الجمل بالنائب العام الذي لم يباشر التحقيق في هذه القضية, وحتي لو حققها فليس دوره جمع الأدلة ولكنه يحقق في الأدلة وإذا شعر بأن نسبة أدلة الإدانة تزيد علي50 بالمائة يحيل القضية للمحكمة وللقاضي أن يحكم بما يراها وفقا للقانون وضميره, و مع صدور الحكم ينبغي التوقف عن الكلام, مثلما ينبغي التوقف عن التظاهر أمام المحاكم لإرهاب القضاة وتخويفهم وتعطيل أعمالهم, بل ينبغي اعتبار ذلك من الجرائم الكبري. المزيد من مقالات على السيد