التشطير فن من فنون الشعر له علاقة وثيقة بأوزان الشعر وقوافيه, والمقصود بالتشطير أن يعكف الشاعر علي أبيات مشهورة لغيره من الشعراء فيقسم أبياتها إلي شطرين. ويضيف إلي كل شطر منها شطرا من عنده يتقدم في البيت الأول ويتأخر في الثاني, مراعيا تناسب اللفظ والمعني بلا تكلف أوحشو. وقد احتفلت الأوساط الأدبية اخيرا بتجربة جديدة فريدة وهي قيام الشاعر عزت عبدالله بتشطير ديوان الإمام الشافعي كاملا في أسلوب فني راق استعرض فيه الشاعر كل ماأوتي من موهبة مصقولة بالخبرة الفنية ليدخل بنا عالم الإمام الشافعي وماتركه لنا من شعر, ويعكف علي هذا الشعر متلبسا ألفاظه وأوزانه وصيغه وتراكيبه ويعايشه معايشة محب عاشق حتي يخرج التشطير كأنه قصيدة قائمة بذاتها. وقد صدرت التجربة في ديوان جديد ينفخ صوفية شعرية تحت عنوان فتح العلي في تشطير ديوان الإمام الشافعي. وهذه التجربة تأتي جديتها من حيث إنها تشطير كامل لديوان الشافعي, وإن كانت قد سبقتها تجربة أخري لعزت عبدالله الذي أصدر من قبل أول مشروع أدبي خاص به وهو ديوانه جزائر الروح وصل ماإنقطع الذي يعد مدخلا شعريا معاصرا للتواصل مع التراث العربي الأصيل من خلال فن التشطير الذي أحرز فيه سبق الريادة عن جدارة, وإن كان الناقد الدكتور مختار عطية يري أن هذا العمل ينتمي إلي فن أصيل من فنون الإبداع قديما هو فن الاجازة أو مايسمي في اصطلاح النقاد المحدثين باسم التناص بمعني دخول نص في نص, وهو بهذا يعكس ذكاء فنيا رائعا. ويؤيده في ذلك الناقد الدكتور محمد زكريا عناني الذي رحب بهذا الفيض من الومضات الشافعية الذي يؤكد أن أبواب الاجتهاد الابداعي مفتوحة علي مصارعيها وأن الشاعر يملك كل أدوات الإبداع الشعري من رصيد تراثي ولغة وقدرة علي نقل التراث إلينا في ثوب عصري. ويري الناقد والشاعر الدكتور بسيم عبدالعظيم الأستاذ بآداب المنوفية غير ما قال الدكتور مختار عطية حول مسألة الفارق بين التشطير والاجازة والتناص, ويقول إن مقصد الشاعر عزت عبدالله كان التشطير من وجهة نظر علماء العروض الذين أوضحوا أن التشطير عند البديعيين هو أن يقسم الشاعر بيته شطرين ثم يصرع كل شطر منهما لكنه يأتي بكل شطر من بيته مخالفا لقافية الآخر, أو أن يضع الشاعر عجزا لصدر بيت من الشعر, وصدرا لعجزه فيصبح كل بيت بيتين, ومن أمثلة ذلك ماقاله عزت عبدالله في شعر الإمام الشافعي الذي يقول: ماحك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك وجاء تشطير البيت علي لسان عزت عبدالله قائلا: ( ماحك جلدك مثل ظفرك) ولو اضطررت لحك ظهرك قل الوفاء لمن وفي( فتول أنت جميع أمرك) وفي الختام فإننا أمام تجربة تستحق تسليط الضوء عليها باعتبارها من شاعر ضمن عدد محدود من الشعراء والمثقفين يبذلون قصاري جهدهم كما يقول الدكتور زكريا عناني في سبيل توطيد الأواصر بين الذوق المعاصر وبين جماليات التعبير الشعري الذي صاحب مسيرة التاريخ العربي علي مر العصور.