عقب ثورة1919 أهم ثورة شعبية في بلادنا قبل ثورة يناير تصور الناس أن الطريق إلي الديمقراطية أصبح مفروشا بالورود, ولكن خابت آمالهم لهيمنة الإنجليز وسيطرة الملك وانقلاباته الإدارية علي إرادة الشعب, وسيطرة كبار الملاك علي الأحزاب, وانسداد قنوات التغيير الاجتماعي والسياسي, وكان كل هذا مقدمة لقيام ثورة يوليو, التي أعلنت أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة واحد من مبادئها الستة. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, اذ عطلت الحياة البرلمانية, وقامت الثورة بإلغاء الاحزاب وعزل كل سياسيي مرحلة ماقبل يوليو, وانشأت تنظيمها السياسي الوحيد الذي سيظل حتي نهايته تنظيم السلطة الذي يسعي اليه كل المتشعلقين والانتهازيين, ولم تعرف البلاد لمدة أكثر من عشر سنوات سوي برلمان وحيد سمي باسم مجلس الأمة استمر ستة أشهر فقط من يوليو57 حتي فبراير1958, ثم مجلس أمة الوحدة الذي تم بالتعيين حتي جاءت انتخابات1964, في ظل غياب أي قوي معارضة سياسية حقيقية, واستمر التنظيم السياسي الوحيد مهيمنا علي مختلف شئون السياسة في البلاد علي اختلاف أسمائه من هيئة التحرير للاتحاد القومي للاتحاد الاشتراكي, حتي قرر الرئيس الأسبق أنور السادات حل تلك الصيغة, والتخلص منها باعلانه في مارس1976, حل الاتحاد الاشتراكي, وتحويله الي منابر ثلاثة يمين ويسار ووسط. في نوفمبر من نفس العام تحولت تلك المنابر الي احزاب سياسية حزب مصر والأحرار والتجمع الوطني وانفتح الباب أمام عودة الحياة الحزبية من جديد فعاد حزب الوفد, وتاسس الحزب الناصري وحزب العمل الاشتراكي, ومات السادات, وجاء مبارك إلي الحكم فسمح بقيام بعض الأحزاب الجديدة حتي اصبح لدينا أربعة وعشرون حزبا, ومع فقد تكفل قانون الطوارئ وإجراءات حصار الأحزاب داخل مقارها وصحفها, وسعي الأمن لتمزيق الأحزاب من داخلها وتزوير الانتخابات تشريعية كانت أو محلية, وهيمنت علي الحزب الحاكم شبكة من علاقات الفساد يقودها رجال اعمال سعوا لاستخدام السلطة التنفيذية والتشريعية للإثراء الحرام بعيدا عن رقابة الشعب وأجهزته, ومع كل ذلك اشتدت قبضة الحزب الوطني الحاكم حزب الرئيس ووريثه علي الحياة السياسية حتي خنقتها تماما, وفي ظل تلك الأوضاع أوشكت الحياة السياسية علي الاختفاء, ولم يعد هناك سوي شراء الاصوات, والاعتماد علي العصبيات العائلية, او علي الطائفية واستثارة النعرة الدينية. عرفت برلمانات مبارك ظاهرة نواب المخدرات والنائب البلطجي والنائب الصايع ونائب النقوط ونائب تهريب الموبايلات ونائب تهريب الفياجرا. وختم مبارك ووريثه وحزبه ولجنة سياساته حياتهم بفضيحة مدوية وهي الاستئثار بجميع مقاعد مجلس الشعب في نوفمبر.2010 وجاءت ثورة شبابنا العظيم في يناير لتكتسح في طريقها كل هذا العفن, رافعة شعاراتها في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, لكن ومع تلك الثورة وماقدمه شهداؤها ومصابوها من تضحيات, فإن شعارات الثورة لم تجد طريقها للتطبيق, بسبب سعي المجلس العسكري المسئول عن إدارة المرحلة الانتقالية لوأد الثورة, واستهداف نشطائها ورموزها, وبعث النظام المخلوع, عبر الإعلانات الدستورية المشوهة وعبر منع محاكمة النظام السابق إلا بتهم تافهة لا تنال من أسسه التنفيذية والتشريعية وأخيرا عبر سيطرة القوي الدينية سلفيين وإخوان علي المجال العام بعد أن خفت قبضة الأمن عن تنظيماتهم, وراحت بلادنا تغوص مرة أخري في وحل الاستقطاب الطائفي وراح برلماننا يشهد من جديد نائب تغيير الأنف ونائب الفعل الفاضح في الطريق العام. للأسف ما زال شبابنا الثائر مشغولا بالاستقطاب السياسي وما يتبعه من مساجلات, ومظاهرات ومناوشات عن العمل السياسي الهادئ والدؤوب بين الجماهير في الأحياء الشعبية والقري والمدن ودعوتهم لاختيار نوابهم وممثليهم عبر برامج سياسية حقيقية, حتي لا يظلوا فريسة لمن يبيع لهم الوهم, أو من يشتري أصواتهم بثمن بخس كيس مكرونة وزجاجة زيت. اليوم وقد أوشكت بلادنا علي خوض معركة انتخابات تشريعية ومحلية جديدة فإنني أطالب شبابنا الثائر الي استغلال الفرص المتاحة للعمل بجد في تقديم شئ مفيد لبلادنا ومستقبلها, وتكوين جماعات الوعي الانتخابي علي ان تتشكل تلك الجماعات بشكل قومي لا حزبي, وطبعا لا مانع من أن تتشكل بشكل حزبي ايضا علي ان تعلن تلك الجماعات رفضها لاساليب البلطجة والعصبيات العائلية, وشراء الاصوات او استثارة العاطفة الدينية, وتعلن انها ستقوم بفضح من يسعي الي الفوز بتلك الوسائل من المرشحين, وسيكون من مهام تلك الجماعات توعية الناس بأن الانتخاب سيكون علي أساس البرامج السياسية للمرشحين وموقفهم من مختلف قضايا الناس كقضية محاكمة رموز النظام السابق, واسترداد الأموال المنهوبة, وقضية الدعم والتأمين الصحي والمعاشات والتعليم وقضايا الاسكان والاسعار والبطالة وغيرها من قضايا تمس حياة الناس جميعا. فهل يستغل شبابنا الثائر تلك الفرصة ويؤسسون لمستقبل جديد لبلادنا ؟ المزيد من مقالات د كمال مغيث