مسألة ترشيد الدعم ووصوله إلي مستحقيه قديمة ومتجددة. فمنذ ما يقرب من40 عاما ومع كل حكومة جديدة أو بدء مفاوضات مع مؤسسات التمويل الدولية نسمع عن هذه القضية ويتجدد الأهتمام بها. لكن بعد أن وصلت نسبة نفقات الدعم في الموازنة العامة إلي25% من إجمالي النفقات بالإضافة إلي25% أخري تدفع كأقساط وفوائد للديون التي تم أخذها لتمويل عجز الميزانية الناشيء معظمه من تفاقم نفقات الدولة وبخاصة بعد25 يناير ونتيجة لهرولة الحكومات المتعاقبة لتلبية المطالب الجماهيرية فإن بقاء الوضع علي ما هو عليه يعتبر رفاهة لا يمكن للاقتصاد القومي تحملهافي ظل الأوضاع الراهنة. ومما يجعل من موضوع ضبط ومراجعة سياسات الدعم أمرا في غاية الأهمية بل الحتمية في الوقت الحالي هو أن بعض أنواع الدعم( كالمحروقات والخبز علي وجه التحديد) تستفيد منه كل فئات الشعب دون استثناء بل ويستفيد منه وبطريقة شرعية غير المصريين من مقيمين أو زائرين وعددهم ليس بالقليل. ولعل المشاورات والأبحاث التي تقوم بها الحكومة الحالية لترشيد الدعم وضبط آلياته تعتمد كلها وبصورة أساسية علي قاعدة بيانات بطاقات التموين وهنا في رأيي يكمن الخطر. وذلك أن عدد المستفيدين بحسب هذه القاعدة من الدعم التمويني يصل إلي16 مليون أسرة بإجمالي عدد سكان يصل إلي68 مليون مواطن.. وهذا رقم يزيد علي75% من تعداد السكان( أي أنه بين كل عشرة مواطنين هناك سبعة علي الأقل يستفيدون من دعم التموين). ولاشك أن هذا رقم مبالغ فيه ويعتريه الكثير من الشوائب.. كلنا نعلم أن هناك العديد من المواطنين لا يذهبون لتسلم الدعم المخصص لهم ويستفيد منه في هذه الحالة أصحاب محلات البقالة. أو من يعطي البطاقة الخاصة به للسائق أو حارس العقار وأن الكثير من الأبناء الذين إنفصلوا عن أسرهم أو حتي هاجروا مازالت أسماؤهم مدرجة بهذه البطاقات. و من ثم فإن الاعتماد علي قاعدة بيانات بهذا الشكل لابد وأن ينتج عنها قصور. والغريب في الموضوع أن جميع الحكومات المتعاقبة لا تريد أن تقترب من هذا الموضوع من قريب أو بعيد خوفا من العواقب السياسية مما جعل المبدأ الافتراضي الخاص بتوفير المواد المدعمة لكل أفراد الشعب دون تمييز وسواء استفادوا منها أم لا هو المقبول سياسيا.. لكن بعد ثورة25 يناير والتي كان من أهم أهدافها تحقيق العدالة الاجتماعية فإن مبدأ القدرة علي الدفع يجب تفعيله و لايجب أن تعامل الحكومة أصحاب الدخول المرتفعة نفس المعاملة التي يلقاها أصحاب الدخل المحدود من المعدمين والفقراء والمهمشين. لذا فإن الاعتماد علي قاعدة بيانات بطاقات التموين مرة أخري هو نوع من التهرب من مواجهة المشاكل المزمنة والإرتكان مرة أخري إلي الحلول الجزئية. والحل المباشر الذي أقدمه هو بناء قاعدة بيانات صحيحة وسليمة يمكنها أن تساهم في الإجابة علي العديد من الأسئلة الخاصة بالدعم ووصوله لمستحقيه عن طريق مشروع للافصاح القومي. في كل بلاد العالم نجد أن المواطن الذي يطلب الدعم أو المساعدة لابد له أن يتقيد بما تطلبه منه الحكومة. فلماذا لا نطلب من مواطنينا الشرفاء والذين تهمهم مصلحة البلد وتحقيق العدالة الإجتماعية والذين يطلبون الدعم أن يتقدموا ملء استمارة بيانات تعدها الحكومة خاصة بأوضاع هؤلاء المواطنين المالية والاجتماعية والديموجرافية. وما أمس الحاجة في مصر الأن لإنشاء مثل هذه القاعدة من البيانات التي يمكن أن تصحح الكثير من الأوضاع والتي يمكن أن نبدأ معها مرحلة تحقيق العدالة الاجتماعية وتحمل المسئولية. والقول بأن هذا المشروع صعب التحقيق ويتطلب الكثير من الموارد مردود عليه فلدينا وزارة الدولة لشئون التنمية الإدارية والتي قامت في الماضي القريب بتحقيق ما كنا نعتبره صعبا وغير ممكن وهو إعداد قاعدة بيانات للناخبين في الداخل وفي الخارج. وبالإضافة إلي وزارة التنمية الإدارية هناك وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التخطيط والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذين يمكنهم تجهيز أعداد غفيرة من الموظفين الذين يمكنهم المساعدة في استيفاء هذه البيانات. والأمر يحتاج إلي قليل من التنظيم والكثير من الأستعداد لإنجاز هذه المهمة القومية. والأمر لن يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر يمكن أن نخرج بعدها من مأذق وصول الدعم لمستحقيه أو كيفية وصول الدعم لمستحقيه وهذه قضية أخري يمكن أن نتناولها لاحقا. لذا يمكن الجزم أنه في غضون ثلاثة شهور يمكن أن يكون لدينا قاعدة بيانات أساسية عن أعداد محدودي الدخل في مصر لنعرف أين يقيمون؟ وكم من الصغار والكبار يعيلون؟ وهل هم يعملون أم متعطلون؟ وما هي الحالة التعليمية والتدريبية التي عليها هؤلاء؟