العاصفة التي قصفت بالعملة الموحدة لأوروبا هي امتداد للأزمة المالية الكبري التي تفجرت في الولاياتالمتحدة في عام 2007, وذلك نتيجة للعلاقات المتشابكة بين الاسواق المالية الأمريكية وبين البنوك الأوروبية. التي تهافتت علي شراء الأوراق المالية لمشتقات الرهن العقاري الأمريكي بهدف تحقيق أرباح سريعة وكبيرة. أزمة اليورو بل الأزمة المالية الكبري التي أدت الي ركود اقتصادي عالمي هي ظواهر ممتدة لنظام اقتصادي حديث نسبيا هيمنت عليه المصالح المالية الكبري, فالهيمنة المالية علي الاقتصاد تتضح من خلال استحواذ أرباح المؤسسات المالية علي النسبة الأكبر من الأرباح في الاقتصاد ككل مهمشة بذلك الأرباح المحققة من عمليات الانتاج, ولايمكن بالتالي فهم أسباب إنشاء اليورو كعملة موحدة دون الأخذ في الاعتبار المصالح المالية المتزايدة في العالم واوروبا, فلقد رأت الرأسمالية الألمانية بصفة خاصة أن اليورو- كبديل قوي لعملتها المارك هو الاداة الفعالة للتعامل في أسواق الأموال العالمية التي بدأت تطغي في ذاك الوقت علي معاملات الاقتصاد الدولي. منذ إنشاء اليورو تزايدت ظاهرة الهيمنة المالية علي الاقتصاد الأوروبي سواء في دول المركز المانيا وفرنسا- أو في دول المحيط البرتغال, وايطاليا, واليونان وأسبانيا- عندما ضربت الأزمة المالية الأقتصاد الدولي في عام 2007/2008 وجدت العديد من المؤسسات المالية والبنوك الأوروبية أصولها التي شكلت عصب الناتج الاجمالي وقد تدنت قيمتها بشكل خطير عما هو مقيم في الأصل. إضافة لذلك أنشئت هذه العملة المشتركة لأكثر من 300 مليون نسمة تعيش في 17 دولة دون وجود دولة ذات سيادة تقف وراءها, ونتيجة غياب دولة مركزية فإن منطقة اليورو لا تتمتع بنظام ضريبي موحد وكما أن اسواق العمل بها تعاني من ضغوط شديدة أدت إلي سباق نحو القاع في الأجور في كل دول الاتحاد الأوروبي, ولا تعدو مؤسسات الاتحاد عن كونها مجرد ترتيبات فنية لمساندة قيمة اليورو في اسواق الصرف العالمية ولحماية مصالح الرأسمالية المالية الأوروبية ولضمان إنقاذها في أثناء الأزمات, وهذا ما حدث بالفعل من خلال حزمات الإنقاذ المتتالية للبنوك الكبيرة بينما يزداد موقف سوق العمل سوءا مقارنه برأس المال. أدت السياسات الاقتصادية المنحازة لرأس المال الأوروبي الكبير إلي فقدان تنافسية دول المحيط وتعرضها لفقاعات مالية من كل نوع عقارت وقروض استهلاكية للأفراد وبنوك مع اتساع مستمر للفجوة بين الدخول ومستويات المعيشة واضعاف للطاقات الانتاجية, وتحولت أزمة بنوك هذه الدول- بسب تدني أصولها بعد أزمة الرهن العقاري الأمريكي إلي أزمة ديون سيادية نتيجة حزمات الانقاذ للبنوك التي تحملت الخزائن العامة عبء تدبيرها, والمثير للدهشة بعد ذلك قيام دول المركز بمطالبة دول المحيط التي تضررت نتيجة النهج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بتطبيق النموذج التقليدي لصندوق النقد بهدف تقليص عجز الموازنة العامة للدولة المتمثل في ثلاثية التقشف والتحرير الاقتصادي والخصخصة, وكما يؤجج الساسة والإعلام النيوليبرالي النزعة في إلقاء اللوم علي شعوب الخاسرين بحجة أن أهل جنوب أوروبا كسالي ولا يؤدون ما عليهم من ضرائب, كل ذلك أدي إلي تقويض فاعلية النظام الديمقراطي مما اضطر شعوب هذه الدول إلي النزول للشارع اعتراضا علي السياسات النيوليبرالية. وقد تراكمت ديون دول المحيط محلية وخارجية نتيجة نهج الهيمنة المالية علي هيكل الاقتصاد الكلي وهو ما سبق التنويه اليه من نمو سريع للقطاع المالي علي حساب قطاع الانتاج الحلول النيوليبرالية المقترحة تنقل عبء الديون إلي القوي العاملة في اوروبا عامة علي هيئة انخفاض للاجور وللمزايا وللمعاشات وتسريح للعمالة وارتفاع لنسب البطالة وتراجع لدور دولة الرفاهة الاجتماعية وذلك كله لخدمة مصالح البنوك والأعمال الكبيرة, ولن تجدي سياسات التقشف والتحرير المالي والخصخصة في التعامل مع جوهر المشكلات التي تعاني منها منطقة اليورو, فتخفيض الاجور والانفاق الحكومي قد يؤدي الي نتائج سريعة مؤقتة ولكنه بالقطع ليس استراتيجية طويلة المدي لتحقيق تنافسية دول المحيط حيث الاجور بها منخفضة في الأصل عن مثيلاتها في المانيا وفرنسا وبالتالي لايوجد اي دليل علي كون هذه السياسات ستؤدي الي زيادة في الانتاجية تتطلب علي النقيض استثمارات جديدة. الواضح أن أوروبا عند منعطف خطير وهي في حاجة الي تغيير جذري يخرجها من البلادة الفكرية للنيوليبرالية والي مسار اقتصادي آخر يحقق التوازن بين مصالح رأس المال والقوي العاملة. المزيد من مقالات شريف دولار