درجات حرارة مرتفعة حتى آخر يوم بعيد الأضحى والقاهرة 37    رفع درجة الاستعداد القصوى ومتابعة محطات المياه خلال أيام العيد فى سوهاج    البنك المركزي وضرورة تطوير منظومة إدارة الاحتياطي النقدي    رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: مقترح ويتكوف منحاز بشكل فاضح ضد حماس    مواعيد مواجهات العين الإماراتي في كأس العالم للأندية 2025    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    «الذبح مجانا».. انتظام العمل بمجازر البحر الأحمر في أول أيام عيد الأضحى    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    أيمن بهجت قمر يعلق على انضمام زيزو للنادي الأهلي "زيزو في الأهلي"    النجم العالمى جيمى فوكس يشارك في إنتاج فيلم happy birthday ل نيللى كريم    محافظ الإسماعيلية يتفقد المجمع الطبى بحى ثالث فى أول أيام عيد الأضحى    القناة 12 العبرية: مقتل جندي إسرائيلي في مواجهات بجنوب غزة    في ليلة العيد.. "المشروع X" يتربع على المركز الأول في شباك التذاكر    زيزو رقم 14.. ماذا قدم نجوم الزمالك بعد انتقالهم ل الأهلي؟    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    ياسر جلال يحتفل بالعيد مع الفنان مصطفى أبو سريع بفيديو كوميدي    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    المجمعات الاستهلاكية تواصل عملها في أول أيام عيد الأضحى    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    جاسمين طه زكي: نشأت في بيت سياسي ودخولي الإعلام قوبل باستهجان    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    حمزة العيلي يكشف تأثير فيلم «إكس لارج» على الجمهور وأجره المتواضع في العمل    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يلتقي نظيره البرازيلي في جنيف    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    مراسلة "القاهرة الإخبارية": المصريون يقبلون على الحدائق العامة للاحتفال بعيد الأضحى    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    السياحة تشكل غرفة عمليات لتلقي الشكاوى خلال إجازة عيد الأضحى    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى من حديقة الميريلاند    عيد الأضحى في حديقة الأزهر.. 15 صورة توثق بهجة العائلات والأطفال    طريقة تنظيف الممبار وتقديمه فى أيام العيد    صحة الأقصر تتابع سير أعمال مستشفى الحميات فى أول أيام اجازة العيد    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    إيطاليا تلتقي النرويج في مباراة حاسمة بتصفيات كأس العالم 2026    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    تعرف على سعر الدولار فى البنوك المصرية اليوم الجمعه 6-6-2025    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    المثلوثي: جمهور الزمالك نمبر 1.. وناصر منسي: سنبني على تلك البطولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الكبير محمد ناجي علي سرير الشفاء في باريس‏:‏ثورة يناير أنهت نظام يوليو العسكري

بسبب الشاعرية التي تختفي وراء أقنعة الحكي في رواياته خلع عليه الروائي الكبير علاء الديب وصف شاعر الرواية وربما هذا ما اغراه عندما هاجمه المرض أن يعود الي سيرته الأولي عندما كان شاعرا يكتب القصيدة قبل حرب اكتوبر وقبل ان تختطفه الرواية بسبب خافية قمر. وفي كتابه تسابيح للنسيان لامس محمد ناجي- الذي يخضع حاليا لعلاج في احد مستشفيات باريس بعدما اجريت له عملية زرع كبد الشعر ربما لأن الشعر تميمة ضد الألم ولكن الروائي ما أن استراح قليلا حتي عاود الحكي وكتب رواية وبدأ في الأخري وأفرغ جعبته من النثر المشعور كما يسميه في كتاب ثالث هو ذاكرة النسيان يقول أنه تتمة لكتاب التسابيح, محمد ناجي قبيل ساعات فقط من دخول غرفة العمليات كان معي في هذا الحوار علي الإيميل وكتب شهادته في المشهد السياسي والثقافي المصري برؤية الروائي وواقعية الصحافي
كيف تعايش غربتي المرض والسفر؟
أدرك أنني لست المريض الوحيد في العالم, فهناك من يعانون أضعاف ما أعاني ولا يجدون فرصة للعلاج, وأعرف أن في الحياة محنا تتضاءل أمامها عذابات المرض, وأري أن المحنة قد تكون درسا بليغا وفرصة لتأمل الحياة والمصائر بشكل أعمق وأصدق. أنا أعايش متاعبي, وأحاول أن استغل الوقت المتاح في القراءة والكتابة وتطهير النفس. ولا أخفيك أن محبة أصدقائي تؤنسني كثيرا.
وها أنا أتابع العلاج في فرنسا, بعد أن أجريت لي عملية زرع كبد نتجت عنها تعقيدات أولها انسداد متكرر في القناة المرارية يستدعي كل مرة تركيب دعامة بالقسطرة و ثانيها قصور وظائف الكلي نتيجة جرعات الأدوية الكبيرة لتثبيت الكبد وثالثها وجود فتق بالبطن مكان العملية. أما عن موعد عودتي فذلك متروك للأطباء, الذين طلبوا أن أكون تحت تصرفهم حتي نهاية العام.
كيف تقرأ المشهد السياسي المرتبك في مصر بعد ثورة يناير؟.. وأي الاسئلة المطروحة الآن تستحق التوقف أمامها ؟
أظن أن المشهد ليس مربكا, بل إن الارتباك موجود في رؤي النخب السياسية وتعاملها مع الواقع. فلو نظرنا إلي ما تحقق بعد انطلاقة يناير الثورية لوجدنا الكثير: تم انهاء نظام يوليو, وجرت انتخابات رئاسية بعيدا عن أي ضغوط سلطوية قمعية, وتمت الانتخابات البرلمانية بحرية نسبية رغم ما شابها من ارتباكات قانونية وتوظيف لرأس المال والدين, وانطلقت طاقات الشباب لتنتزع مساحة أكبر للتعبير من خلال تكوين الأحزاب وتنظيم المظاهرات والاعتصامات والإضرابات.
طبعا هناك أهداف مهمة لم تتحقق ولم يتبلور نهج لإنجازها, منها العدالة الإجتماعية, وتحديد الإنحيازات الطبقية, وإعادة رسم السياسات تجاه الأمن القومي وقضايا المنطقة, ووضع سياسات اقتصادية تضمن تحرير الإرادة المصرية من الضغوط الإقليمية والدولية. يضاف إلي ذلك صياغة تصورات واضحة تضمن عدم إعادة انتاج منظومة الفساد المالي والإداري.
الشق الذي تحقق يمكن أن نعتبره بنية أساسية تمهد الطريق لتحقيق البقية, لكن حجم الإنجاز سيظل مرهونا بنضج القوي السياسية وتفاعلها مع حقائق الواقع, وبتبلور معارضة توحدها الرؤي والبرامج.
لكنني ألاحظ بأسي أن الحكم والمعارضة في حالة خصام لا حوار, وأن الصراع بينهما يجري عبر تعبئة شعبوية حول شعارات وليس حول خطط اوبرامج, وأن الإعلام الحكومي والخاص والمستقل يغذي حالة الخصام بتتبع زلات الكلام هنا أو هناك, وإثارة قضايا صغيرة تغطي بضجيجها علي القضايا الجوهرية. وألاحظ أيضا اختلاط الحابل بالنابل في الشارع السياسي مما يعطي لأعداء المطالب الثورية وحراس الفساد القديم فرصة لبلبلة الناس وخلط الشعارات.
ماذا تعني بإنهاء نظام يوليو؟ وكيف تفسر رفع الشباب في الثورة لصور عبد الناصر؟
نظام يوليو معروف: مفتتح قصير لمحمد نجيب, ثم عبد الناصر والسادات ومبارك. وبعيدا عن حسابات الإنجازات والسلبيات قام النظام علي رئيس عسكري تتجدد رئاسته بالاستفتاء, فيما عدا انتخابات مبارك الهزلية. وحزب واحد يديره الرئيس, ويتشكل منه البرلمان والمحليات, وإن تم تجميل الصورة بعد ذلك بأحزاب رضيت أو أجبرت علي أن يكون دورها ديكوريا. وانتخابات تصوغ نتائجها أجهزة الإدارة والشرطة.
النظام واحد, لكن الآدء اختلف من رئيس لآخر.وكان لكل واحد منهم رهان, وكل رهان أسفر عن نتائج حسب طريقة مواجهة التحديات:
= عبد الناصر.. طموح لتحرير الإرادة وتحقيق مستقبل أفضل, انحشر في مأزق النكسة.
= السادات.. خروج من المأزق العسكري, انتهي بمآزق أخري في السياسة والإقتصاد والأمن القومي.
= مبارك.. تفادي المآزق بشكل أسفر عن شلل في الحراك السياسي والإدراي والفكري والإبداعي.
الثلاثة لم تكن لهم اختيارات ايديولوجية, وإنما برامج عملية يتم ترتيبها وفق أولويات داخلية.
الشباب رفعوا صور عبد الناصر في الميدان لأنه يمثل رمزا لمعان افتقدوها في عهد مبارك: التحدي والإصرار, الطموح. وبعيدا عن الحديث عن السلبيات والعثرات سيظل عبد الناصر رمزا لأشياء يحبها المصريون. وهل يستطيع أحد أن يتجاهل معني أن يخرج الناس ليهتفوا له وهو مهزوم عام67 ؟
لماذا تستخدم تعبير انطلاقة يناير الثورية؟ وهل تعني أننا كتبنا مطلع القصيدة أما الرواية فلم تكتب بعد؟ هل سنكتب ملحمة الثورة أم سنقف عند حدود الأغنية ؟
أري أن ماحدث هو مجرد انطلاقة أما الثورة فمازالت رؤاها قيد التبلور في الحوار السياسي والمجتمعي. واكتمال الثورة لا يكون إلا بتحقيق أهدافها, أو علي الأقل ببلورة رؤية ممنهجة لها ووضع آليات لتنفيذها. مطالب النخب المعارضة قبل الثورة ركزت علي إفشال مخطط التوريث, وتداول الرئاسة, وكف يد الأجهزة القمعية عن تزييف إرادة الناس في الإنتخابات التشرييعية, وقد تحقق ذلك.
أما الجماهير التي خرجت إلي الشوارع في25 يناير فكانت لها مطالب إضافية أهمها العدالة الإجتماعية وهو في رأيي المطلب الأساسي, وتحقيقه هو الثمرة الحقيقية لشجرة الثورة, وبدونه نكون قد زرعنا وروينا شجرة زينة لا ثمار لها. وتحقيقه يتطلب إعادة رسم السياسات الداخلية والإقليمية والدولية وفق خطة متكامه.
و تحقيق المطالب مرهون بوضوح رؤي القوي السياسية, وفاعليتها, وقابليتها للتحاور, وقدرتها علي مواجهة بقايا النظام القديم المتجذرة في عالم المال ومؤسسات الدولة.
كيف تقرأ المشهد الثقافي في مصر حاليا ونضال المثقفين في الدفاع عن مدنية الدولة؟
نضال المثقفين هو في النهاية جزء من النضال العام, فالمشهد الثقافي لا ينعزل عما يدور حوله, وهو دائما جزء من النسق العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وطبيعي بل وحتمي أن يهب المثقفون للدفاع عن مدنية الدولة باعتبارها ركنا أساسيا في النضال العام في هذه المرحلة, وباعتبارها أيضا ضمانا لحرية الفكر والإبداع.
وهل تابعت الإبداع المصري عن ثورة يناير ؟
لم أتابع بشكل جيد الإصدارات الجديدة, بحكم صعوبة الحصول عليها في فرنسا. لكنني أتابع بدأب من خلال الانترنت الفعاليات الشعرية والغنائية والتشكيلية التي نزلت إلي الشارع والتحمت بالمطالب الثورية, مثل احتفاليات الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد, ونشاطات فرقة اسكندريلا والفنانين أحمد اسماعيل وحازم شاهين, ورسوم الجرافيتي. أتابع هذه الفعاليات بفرح, وأري أنها تمثل نقلة نوعية مهمة نحو تفعيل دور الإبداع وإطلاقه من سجون الكتب والندوات والمعارض الضيقة إلي فضاء الشارع المصري.
يري بعض المثقفين إن وصول الاسلاميين الي الحكم يقلص مساحات الحرية والتفكير; كيف تري ذلك ؟
** الإسلاميون لم يتمكنوا من الوصول للحكم إلا بفضل مساحة الحرية التي أتاحتها انطلاقة يناير الثورية, وأتصور أن الحفاظ علي هذه الحرية هو ضمان لهم قبل أن يكون ضمانا لغيرهم من أطياف العمل السياسي. وأي قفز علي هذه الحقيقة من جانبهم سيكون نوعا من الغباء السياسي المدمر للبلد.
أما بخصوص تعاملهم مع حرية الفكر والإبداع خلال وجودهم بالحكم فلابد أن تنتج عنه بعض المشاكل لأن لهم تصورات خاصة حول حدود تلك الحرية ولهم جمهور واسع يتحيز لتلك التصورات. لكن علينا أن نعي أن التاريخ لا يمضي هكذا إلي النهاية, وتفاعلات الفكر والابداع تفرض نفسها علي مساراته, ففي ظل دول وامبراطوريات اسلامية كان هناك شعراء ومفكرون لا تتوافق أفكارهم مع قناعات الحكام, بل كان بعضهم مقربين من البلاط أو عاملين فيه مثل أبو نواس, وابن الرازي الطبيب صاحب الرسائل الفلسفية المعروفة بمخالفتها للتصورات الاسلامية
يمر المجتمع المصري الآن بتحولات عميقة في البني الاجتماعية تتعرض فيه الطبقة الوسطي للتفكك, وهي الطبقة التي تحافظ علي قيم المجتمع وأمدت الرواية العربية بمواضيعها.. فهل ستتحول الرواية الي الهامش للبقاء في المشهد الابداعي؟.
اسمح لي أن أقول أنني اهتممت منذ روايتي الأولي بمشاكل الطبقة الوسطي وهمومها وانكساراتها وانهياراتها, وأري إن تحولاتها لم تبدأ بعد انطلاقة يناير الثورية, وإنما منذ أربعين عاما, فمع سداح مداح الانفتاح سقطت شرائح منها من قاع الطبقة, وهددتها ظروف معيشية بالغة القسوة, ولاعبها النظام بسياسة العصا والجزرة. انخرط البعض في منظومة الفساد, ورضي بدور المسوق الإعلاني لسياسات النظام, وهاجر البعض, وبحث البعض عن حلول شخصية في هامش البيزنس.
مصر نزفت عرق سواعدها وعصارة فكرها خارج الحدود علي مدي أربعين سنة, وعاملت البشر المصريين باعتبارهم عبئا أو سلعة زائدة عن الحاجة تسعي لتصديرها, وتستورد بتحويلاتهم الدولارية اللحوم المجمدة.
طبعا لا أستطيع أن أتجاهل نضالات بعض أفراد الطبقة الوسطي من خلال النقابات المهنية والحركات المستقلة والتي مهدت لانطلاقة يناير, وبعد الانطلاقة بدأت شرائح الطبقة الوسطي كلها تستنهض همتها لتستعيد دورها, لكنها ما زالت مسكونة ببعض شوائب الفترة السابقة.
أما عن آفاق الرواية فلابد أن مساراتها ستكون غير الأمس, فالأحداث الجارية ستفرض الاهتمام بموضوعات وشخصيات وأفكار تختلف عما سبق, ولابد للروائي أن يبحث عن أشكال وآليات للسرد تناسب موضوعه الجديد
هل لا تزال الكتابة حرفة قلق لا تمرد كما قلت ذات يوم؟ أم أن الثورة ستدفع الكتابة الي معايشة التمرد؟
ستظل الكتابة عندي صنعة قلق, بمعني إعادة فحص القناعات المستقرة علي ضوء المعطيات المستجدة والأحلام المتجددة. ليست فاعلية المبدع في أن يرضي أو يصفق, ولا في أن يكون مكملا غذائيا لسلطة حاكمة أو لاتجاه سياسي, وإلا أصبح دوره إعلاميا لا ثقافيا. دوره الحقيقي أن يسكن المساحة التي لم تتحقق من الحلم, وأن ينبه ويحذر. هذا القلق الخلاق هو الذي يقود في النهاية الي التمرد الخلاق إذا اقتضت الضرورة ذلك
في روايتك ليلة سفر تعرضت لموضوع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين, وإذا تجاوزنا شخوص الراوية ورمزيتها; كيف تري العلاقة الآن بين المسلمين والمسيحيين؟
في الدولة المدنية لا يوجد مسلم ومسيحي, وإنما مواطن مصري أيا كان دينه ومذهبه, ومحاولات أشعال الفتنة الطائفية هي أخطر ما يهدد الدولة المدنية وأمن البلد ومستقبله. وأظن أن الفيلم الأخير عن الرسول كان يستهدف ذلك وفي مصر تحديدا
الفيلم كان اختبارا لصلابة التكوين المصري, وجاءت النتيجة مثيرة للتفاؤل, فكان موقف الكنيسة وأقطابها رائعا, ورد فعل المسلمين في عمومه متزنا ومتفهما للمسئولية, فيما عدا بعض التجاوزات الفردية مثل تمزيق الإنجيل والتي يجب محاسبة مرتكبيها قضائيا.
محاولات بث الفتنة مدمرة طبعا, لكنني لا أميل إلي وصفها بالزلزال, فهي ليست عنصرا أصيلا في التكوين الطبيعي المصري, وإنما هي أشبه بتفجير نووي معادي يأتي غالبا من خارج الحدود.
في كتابك الاخير تسابيح للنسيان تحول إلي الشعرية, هل هو الشعر يندهنا في ساعات التعب؟.. أم هي الشاعرية التي تسكن تحت جلد الحكي في رواياتك؟ ولماذا الاصرار علي تسمية الكتاب نثرا مشعورا وليس قصيدة نثر؟
لا يشغلني أمر تصنيف الكتاب, فتلك وظيفة النقاد. يهمني فقط أن يكون ما أكتبه جميلا. ولهذ الكتاب ظرف خاص, إذ كتبته في فترة احتدام المرض, وضمنته تأملاتي في الحياة والموت والأقدار والمصائر والزيف والصدق والقوة والضعف, ولأن الموضوع عاطفي وذو شجن خاص فقطعت سطور الكتاب علي نحو شعري, لتساعد الوقفات والسكتات علي تأمل المعاني.
هل كان ما كتبته نثرا أم شعرا؟.. ذلك أمر يخص النقاد. وأذكر أن الناقد والأديب الدكتور أحمد الخميسي وصفه بأنه كتاب توافرت فيه خبرة الشعر وخبرة الرواية, بينما قال المفكر والناقد المتخفي نبيل عبد الفتاح أنه متتالية سردية شعرية في نشيد ملحمي.
أما اطلاقي تسمية نثر مشعور عليه فكان من باب الدعابة, وهربا من التورط في النقاش الدائر حول قصيدة النثر وإذا سألتني ما هو الشعر سأقول لك: لا أعرف.
كيف لا تعرف وقد بدأت شاعرا قبل ان تخطفك الرواية ؟
دعني أتذكر معك الحكاية من أولها.
سكنني الإيقاع مبكرا, واكتشفت منذ طفولتي قدرتي علي النظم. ربما نما في ذلك مع سماع أخوتي الكبار وهم يرددون أناشيدهم وقصائدهم المدرسية ليحفظوها. تنبهت لذلك أختي فاطمة رحمها الله, و ساعدتني وأنا في الصف الثاني الابتدائي علي نظم قطعتين زجليتين; الأولي عن جمال عبد الناصر منقذ الأوطان, والثانية عن الأم التي حملتني في بطنها. أظن أنها كتبت أغلب السطور, لكنها ظلت في ذاكرتي مجرد مساعدة, أنا المؤلف.
قدمت المقطوعتين إلي مدرسي, الذي سحبني من يدي وقدمني بلطف إلي ناظر المدرسة. كان الناظر زجالا موهوبا يشهد له الناس. وكان لا يخجل من موهبته, بل يباهي بها ويستعرضها بطيبة وظرف, يتوقف في الشارع أمام مقهي أو متجر ليعلق بالزجل علي مشهد رآه, أو يداعب رجلا بفكاهة زجلية. تصرفات لا تناسب وضعه كناظر مدرسة, لكن ذلك لم يقلل من هيبته. كان الجميع يعاملونه باحترام ويطلبون مداعباته, وكانو يلقبونه السمباتيك المحبوب, ولا أعرف معني ذلك.
المهم; فرح بي حضرة الناظر; السمباتيك المحبوب السيد أمين أيوب. أجلسني علي كرسي, وأعاد تقويم القطعتين بصوت عال. أظن أنه حذف وأضاف الكثير, لكنه ظل في ذاكرتي مجرد مساعد, أنا المؤلف.
قدمت المقطوعتين بعد ذلك في حفل مدرسي كبير, وشاركت في تمثيلية لعبت فيها دورمصر بشكل رمزي, وهي تحمل شعلة الحرية وسط ضباطها الثوار.
في المرحلتين الاعدادية والثانوية أصبحت خطيب المدرسة وشاعرها, لا يفوتني منبر طابور الصباح يوما. ما زلت أحتفظ بأشعاري في تلك الفترة, فيها غزليات لحبيبات وهميات وقصائد مناسبات. كلها تجارب مصطنعة, لكنها منظومة بشكل جيد وتراعي قواعد العروض والقافية. وفي تلك الفترة بدأت كتابة القصة والرواية, ومازلت أحتفظ برواية عنوانها ابن الخادمة كتبتها بخطي المنعكشفي ثالثة إعدادي.
في نها ية المرحلة الثانوية تعرفت علي أشعار السياب وعبد الصبور والبياتي وحجازي وغيرهم من أقطاب شعر التفعيلة, ومع انتقالي للجامعة في القاهرة انفتحت أمامي آفاق ثقافية أرحب وكتبت قصائد تخصني; لا اصطناع فيها ولا محاذاة لأي شاعر آخر حتي من المحدثين.
بعد النكسة التي وافقت عامي الثالث في الجامعة; أصبحت قصائدي أكثر انشغالا بالهم العام, وحين دخلت الخدمة العسكرية أصبحت أكثر اهتماما بالبشر الواقع المعقد الذي أعقب حرب أكتوبر التحريرية أنضج إحساسي بالدراما, فكتبت مسرحية شعرية بعنوان ليلة الملك, ولم أنشرها. وخطوة بعد خطوة اصطادتني الرواية.
يقول بعض النقاد ان المبدع يكتب نصا واحدا طوال حياته, وما الروايات الكثيرة او الدواوين إلا تنويعات علي لحن وحيد. هل تؤمن بهذه المقولة
دعني أتعامل مع هذه المقولة من منطلق أن الكاتب تكوين خاص متفاعل مع واقع اجتماعي ووقائع زمان ومكان محددين. هذه المعادلة بين البيولوجي والاجتماعي والوقائعي هي التي تنتج الكاتب وتشكل اهتماته. تتعدد خبرات الكاتب علي مدي العمر, وتتبدل أحاسيسه واهتماماته وأفكاره لكنه يظل نفس التكوين, وكتاباته المتعددة هي نبض مسارات هذ التكوين.
من هنا أميل للموافقة علي أن أعمال الكاتب الواحد هي جدارية ضخمة, وأن أعماله المتعددة المذاقات والأشكال والأساليب تفاصيل في تلك الجدارية. هنا البطن, وهناك العين, والغريزة, والوردة التي يشمها.. لكل تفصيلة تكوين, كما أن لكل كتاب مذاق, لكن اللوحة تتكامل بكل تفاصيلها.
استفدت من عملك الصحافي في بنية الرواية, ولكن العمل الصحافي التهم أوقاتا كثيرة كان ممكنا ان تخصص للحكي والشعر.. كيف تري علاقة الصحافة بعملك الابداعي؟
أعتقد أن الصحافة أفادتني كثيرا, فهي مهنة تضعك في بؤرة الحياة, تجبرك علي متابعة الأحداث بتركيز شديد, فتقرأ وتدرس وتحلل.
وقد أحدث ذلك عندي توازنا بين الإنغماس في الواقع, وبين تأملات الفكر ذات الطابع الفلسفي المجرد وتهويمات الخيال. ولا تنسي أن الصحافة هي في النهاية كتابة وقدرة علي توصيل المعاني بدقة وبأقل عدد من الكلمات. لكنني كنت طوال الوقت حريصا علي ألا تجذبني أضواؤها بعيدا عن اهتماماتي الأدبية, أو تتلف لغتي الأدبية بلغتها المباشرة, أو تشغلني بطبيعتها العملية عن حسي التأملي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.