مسؤول أمريكي: مقتل2 وإصابة 8 آخرين جراء إطلاق نار بجامعة براون    وزير الخارجية الأمريكي روبيو يحذر رواندا من إجراءات بسبب الكونغو    مصدر أمني ينفي ادعاءات إخواني هارب بوجود دعوات لتجمعات بالمحافظات    في دورته الثالثة.. محافظ المنيا يشهد ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح    استشهاد وإصابة 4 فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلى فى غزة والضفة    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    خطب قبلها 3 مرات والأخيرة طردته يوم كتب الكتاب، تفاصيل صادمة في مقتل «عروس المنوفية»    حفاظًا على صحة الأم والطفل.. الصحة تدعو للمباعدة «بين كل مولود وآخر»    فيلم فلسطين 36 يفتتح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية بحضور مخرجته وكامل الباشا    لميس الحديدي تشيد بفيلم «الست» وتدعو الجمهور لمشاهدته    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    الصحة: لقاح الإنفلونزا يقلل الإصابة بنسبة 60% ويخفف شدة الأعراض    خارجية كوبا تتهم لجنة نوبل بازدواجية المعايير    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    أوروبا.. تعاون مشروط وتحمل مسئولية الحماية    رئيس هيئة المتحف الكبير بعد تسرب مياه الأمطار للبهو العظيم: تمثال رمسيس فقط الموجود في المنطقة المفتوحة    الطفل المؤلف ندوة بمعرض جدة للكتاب    قلق وترقب حول الحالة الصحية لجليلة محمود بعد دخولها العناية المركزة    توروب: الشناوي وشوبير؟ لست هنا لأصنف الحراس.. وهذا موقفي من عبد الكريم وديانج    د.محمود مسلم عن استقبال السيسي لنتنياهو في القاهرة: مستحيل.. ومصر لن تقبل أي شيء على حساب الفلسطينيين    نائب وزير الصحة: نسبة الإصابات بكورونا لا تتجاوز ال 2% والإنفلونزا الأعلى 60%    مصرع شاب تناول حبه غله سامة لمرورة بضائقة ماليه في العدوة بالمنيا    وفاة حداد إثر سقوط رأس سيارة نقل عليه بالدقهلية    محامي عروس المنوفية: إحالة القضية للجنايات.. ووصف الجريمة قتل مقترن بالإجهاض    العثور على جثمان تاجر مواشي داخل سيارته بالشرقية    تحويلات مرورية بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي بسبب كسر ماسورة مياه    تراجع حاد في صادرات النفط الفنزويلية بعد مصادرة الناقلة والعقوبات الأمريكية    أخبار 24 ساعة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة عن شهر ديسمبر    وزراء رحلوا وسيرتهم العطرة تسبقهم    أخبار مصر اليوم: الاحتياطي الاستراتيجي من زيت الطعام يكفي 5.6 أشهر، بدء الصمت الانتخابي في 55 دائرة بجولة إعادة المرحلة الثانية من انتخابات النواب غدا، الصحة تكشف حقيقة انتشار متحور جديد    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إسلام عيسى: على ماهر أفضل من حلمى طولان ولو كان مدربا للمنتخب لتغيرت النتائج    الزراعة: التوعية وتغيير سلوكيات المجتمع مفتاح حل أزمة كلاب الشوارع    خالد لطيف ل ستوديو إكسترا: الكل مسئول عن تراجع الكرة المصرية    خلال ساعات نتيجة كلية الشرطة 2025    رئيس أريتريا يزور ميناء جدة الإسلامي ويطّلع على أحدث التقنيات والخدمات التشغيلية    طفل يلقي مصرعه خنقًاً.. ويُكشف عنه أثناء لعب أصدقائه بقرية اللوزي بالداقهلية    المصل واللقاح: الإنفلونزا هذا الموسم أكثر شراسة    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    محافظ المنيا يتابع مشروعات رصف الطرق ورفع كفاءة الشوارع    وزير العمل: الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يعيدان تشكيل خريطة الوظائف في مصر    الداخلية تعلن نتيجة القبول بكلية الشرطة غدًا    "الإسكان" تناقش استراتيجية التنقل النشط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومعهد سياسات النقل والتنمية    شعبة الدواجن: المنتجون يتعرضون لخسائر فادحة بسبب البيع بأقل من التكلفة    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    استعدادات مكثفة بمستشفى أبو النمرس تمهيداً لافتتاحه    الليجا على نار.. برشلونة يواجه أوساسونا في مواجهة حاسمة اليوم    بيراميدز أمام اختبار برازيلي ناري في كأس القارات للأندية.. تفاصيل المواجهة المرتقبة    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الكبير محمد ناجي علي سرير الشفاء في باريس‏:‏ثورة يناير أنهت نظام يوليو العسكري

بسبب الشاعرية التي تختفي وراء أقنعة الحكي في رواياته خلع عليه الروائي الكبير علاء الديب وصف شاعر الرواية وربما هذا ما اغراه عندما هاجمه المرض أن يعود الي سيرته الأولي عندما كان شاعرا يكتب القصيدة قبل حرب اكتوبر وقبل ان تختطفه الرواية بسبب خافية قمر. وفي كتابه تسابيح للنسيان لامس محمد ناجي- الذي يخضع حاليا لعلاج في احد مستشفيات باريس بعدما اجريت له عملية زرع كبد الشعر ربما لأن الشعر تميمة ضد الألم ولكن الروائي ما أن استراح قليلا حتي عاود الحكي وكتب رواية وبدأ في الأخري وأفرغ جعبته من النثر المشعور كما يسميه في كتاب ثالث هو ذاكرة النسيان يقول أنه تتمة لكتاب التسابيح, محمد ناجي قبيل ساعات فقط من دخول غرفة العمليات كان معي في هذا الحوار علي الإيميل وكتب شهادته في المشهد السياسي والثقافي المصري برؤية الروائي وواقعية الصحافي
كيف تعايش غربتي المرض والسفر؟
أدرك أنني لست المريض الوحيد في العالم, فهناك من يعانون أضعاف ما أعاني ولا يجدون فرصة للعلاج, وأعرف أن في الحياة محنا تتضاءل أمامها عذابات المرض, وأري أن المحنة قد تكون درسا بليغا وفرصة لتأمل الحياة والمصائر بشكل أعمق وأصدق. أنا أعايش متاعبي, وأحاول أن استغل الوقت المتاح في القراءة والكتابة وتطهير النفس. ولا أخفيك أن محبة أصدقائي تؤنسني كثيرا.
وها أنا أتابع العلاج في فرنسا, بعد أن أجريت لي عملية زرع كبد نتجت عنها تعقيدات أولها انسداد متكرر في القناة المرارية يستدعي كل مرة تركيب دعامة بالقسطرة و ثانيها قصور وظائف الكلي نتيجة جرعات الأدوية الكبيرة لتثبيت الكبد وثالثها وجود فتق بالبطن مكان العملية. أما عن موعد عودتي فذلك متروك للأطباء, الذين طلبوا أن أكون تحت تصرفهم حتي نهاية العام.
كيف تقرأ المشهد السياسي المرتبك في مصر بعد ثورة يناير؟.. وأي الاسئلة المطروحة الآن تستحق التوقف أمامها ؟
أظن أن المشهد ليس مربكا, بل إن الارتباك موجود في رؤي النخب السياسية وتعاملها مع الواقع. فلو نظرنا إلي ما تحقق بعد انطلاقة يناير الثورية لوجدنا الكثير: تم انهاء نظام يوليو, وجرت انتخابات رئاسية بعيدا عن أي ضغوط سلطوية قمعية, وتمت الانتخابات البرلمانية بحرية نسبية رغم ما شابها من ارتباكات قانونية وتوظيف لرأس المال والدين, وانطلقت طاقات الشباب لتنتزع مساحة أكبر للتعبير من خلال تكوين الأحزاب وتنظيم المظاهرات والاعتصامات والإضرابات.
طبعا هناك أهداف مهمة لم تتحقق ولم يتبلور نهج لإنجازها, منها العدالة الإجتماعية, وتحديد الإنحيازات الطبقية, وإعادة رسم السياسات تجاه الأمن القومي وقضايا المنطقة, ووضع سياسات اقتصادية تضمن تحرير الإرادة المصرية من الضغوط الإقليمية والدولية. يضاف إلي ذلك صياغة تصورات واضحة تضمن عدم إعادة انتاج منظومة الفساد المالي والإداري.
الشق الذي تحقق يمكن أن نعتبره بنية أساسية تمهد الطريق لتحقيق البقية, لكن حجم الإنجاز سيظل مرهونا بنضج القوي السياسية وتفاعلها مع حقائق الواقع, وبتبلور معارضة توحدها الرؤي والبرامج.
لكنني ألاحظ بأسي أن الحكم والمعارضة في حالة خصام لا حوار, وأن الصراع بينهما يجري عبر تعبئة شعبوية حول شعارات وليس حول خطط اوبرامج, وأن الإعلام الحكومي والخاص والمستقل يغذي حالة الخصام بتتبع زلات الكلام هنا أو هناك, وإثارة قضايا صغيرة تغطي بضجيجها علي القضايا الجوهرية. وألاحظ أيضا اختلاط الحابل بالنابل في الشارع السياسي مما يعطي لأعداء المطالب الثورية وحراس الفساد القديم فرصة لبلبلة الناس وخلط الشعارات.
ماذا تعني بإنهاء نظام يوليو؟ وكيف تفسر رفع الشباب في الثورة لصور عبد الناصر؟
نظام يوليو معروف: مفتتح قصير لمحمد نجيب, ثم عبد الناصر والسادات ومبارك. وبعيدا عن حسابات الإنجازات والسلبيات قام النظام علي رئيس عسكري تتجدد رئاسته بالاستفتاء, فيما عدا انتخابات مبارك الهزلية. وحزب واحد يديره الرئيس, ويتشكل منه البرلمان والمحليات, وإن تم تجميل الصورة بعد ذلك بأحزاب رضيت أو أجبرت علي أن يكون دورها ديكوريا. وانتخابات تصوغ نتائجها أجهزة الإدارة والشرطة.
النظام واحد, لكن الآدء اختلف من رئيس لآخر.وكان لكل واحد منهم رهان, وكل رهان أسفر عن نتائج حسب طريقة مواجهة التحديات:
= عبد الناصر.. طموح لتحرير الإرادة وتحقيق مستقبل أفضل, انحشر في مأزق النكسة.
= السادات.. خروج من المأزق العسكري, انتهي بمآزق أخري في السياسة والإقتصاد والأمن القومي.
= مبارك.. تفادي المآزق بشكل أسفر عن شلل في الحراك السياسي والإدراي والفكري والإبداعي.
الثلاثة لم تكن لهم اختيارات ايديولوجية, وإنما برامج عملية يتم ترتيبها وفق أولويات داخلية.
الشباب رفعوا صور عبد الناصر في الميدان لأنه يمثل رمزا لمعان افتقدوها في عهد مبارك: التحدي والإصرار, الطموح. وبعيدا عن الحديث عن السلبيات والعثرات سيظل عبد الناصر رمزا لأشياء يحبها المصريون. وهل يستطيع أحد أن يتجاهل معني أن يخرج الناس ليهتفوا له وهو مهزوم عام67 ؟
لماذا تستخدم تعبير انطلاقة يناير الثورية؟ وهل تعني أننا كتبنا مطلع القصيدة أما الرواية فلم تكتب بعد؟ هل سنكتب ملحمة الثورة أم سنقف عند حدود الأغنية ؟
أري أن ماحدث هو مجرد انطلاقة أما الثورة فمازالت رؤاها قيد التبلور في الحوار السياسي والمجتمعي. واكتمال الثورة لا يكون إلا بتحقيق أهدافها, أو علي الأقل ببلورة رؤية ممنهجة لها ووضع آليات لتنفيذها. مطالب النخب المعارضة قبل الثورة ركزت علي إفشال مخطط التوريث, وتداول الرئاسة, وكف يد الأجهزة القمعية عن تزييف إرادة الناس في الإنتخابات التشرييعية, وقد تحقق ذلك.
أما الجماهير التي خرجت إلي الشوارع في25 يناير فكانت لها مطالب إضافية أهمها العدالة الإجتماعية وهو في رأيي المطلب الأساسي, وتحقيقه هو الثمرة الحقيقية لشجرة الثورة, وبدونه نكون قد زرعنا وروينا شجرة زينة لا ثمار لها. وتحقيقه يتطلب إعادة رسم السياسات الداخلية والإقليمية والدولية وفق خطة متكامه.
و تحقيق المطالب مرهون بوضوح رؤي القوي السياسية, وفاعليتها, وقابليتها للتحاور, وقدرتها علي مواجهة بقايا النظام القديم المتجذرة في عالم المال ومؤسسات الدولة.
كيف تقرأ المشهد الثقافي في مصر حاليا ونضال المثقفين في الدفاع عن مدنية الدولة؟
نضال المثقفين هو في النهاية جزء من النضال العام, فالمشهد الثقافي لا ينعزل عما يدور حوله, وهو دائما جزء من النسق العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وطبيعي بل وحتمي أن يهب المثقفون للدفاع عن مدنية الدولة باعتبارها ركنا أساسيا في النضال العام في هذه المرحلة, وباعتبارها أيضا ضمانا لحرية الفكر والإبداع.
وهل تابعت الإبداع المصري عن ثورة يناير ؟
لم أتابع بشكل جيد الإصدارات الجديدة, بحكم صعوبة الحصول عليها في فرنسا. لكنني أتابع بدأب من خلال الانترنت الفعاليات الشعرية والغنائية والتشكيلية التي نزلت إلي الشارع والتحمت بالمطالب الثورية, مثل احتفاليات الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد, ونشاطات فرقة اسكندريلا والفنانين أحمد اسماعيل وحازم شاهين, ورسوم الجرافيتي. أتابع هذه الفعاليات بفرح, وأري أنها تمثل نقلة نوعية مهمة نحو تفعيل دور الإبداع وإطلاقه من سجون الكتب والندوات والمعارض الضيقة إلي فضاء الشارع المصري.
يري بعض المثقفين إن وصول الاسلاميين الي الحكم يقلص مساحات الحرية والتفكير; كيف تري ذلك ؟
** الإسلاميون لم يتمكنوا من الوصول للحكم إلا بفضل مساحة الحرية التي أتاحتها انطلاقة يناير الثورية, وأتصور أن الحفاظ علي هذه الحرية هو ضمان لهم قبل أن يكون ضمانا لغيرهم من أطياف العمل السياسي. وأي قفز علي هذه الحقيقة من جانبهم سيكون نوعا من الغباء السياسي المدمر للبلد.
أما بخصوص تعاملهم مع حرية الفكر والإبداع خلال وجودهم بالحكم فلابد أن تنتج عنه بعض المشاكل لأن لهم تصورات خاصة حول حدود تلك الحرية ولهم جمهور واسع يتحيز لتلك التصورات. لكن علينا أن نعي أن التاريخ لا يمضي هكذا إلي النهاية, وتفاعلات الفكر والابداع تفرض نفسها علي مساراته, ففي ظل دول وامبراطوريات اسلامية كان هناك شعراء ومفكرون لا تتوافق أفكارهم مع قناعات الحكام, بل كان بعضهم مقربين من البلاط أو عاملين فيه مثل أبو نواس, وابن الرازي الطبيب صاحب الرسائل الفلسفية المعروفة بمخالفتها للتصورات الاسلامية
يمر المجتمع المصري الآن بتحولات عميقة في البني الاجتماعية تتعرض فيه الطبقة الوسطي للتفكك, وهي الطبقة التي تحافظ علي قيم المجتمع وأمدت الرواية العربية بمواضيعها.. فهل ستتحول الرواية الي الهامش للبقاء في المشهد الابداعي؟.
اسمح لي أن أقول أنني اهتممت منذ روايتي الأولي بمشاكل الطبقة الوسطي وهمومها وانكساراتها وانهياراتها, وأري إن تحولاتها لم تبدأ بعد انطلاقة يناير الثورية, وإنما منذ أربعين عاما, فمع سداح مداح الانفتاح سقطت شرائح منها من قاع الطبقة, وهددتها ظروف معيشية بالغة القسوة, ولاعبها النظام بسياسة العصا والجزرة. انخرط البعض في منظومة الفساد, ورضي بدور المسوق الإعلاني لسياسات النظام, وهاجر البعض, وبحث البعض عن حلول شخصية في هامش البيزنس.
مصر نزفت عرق سواعدها وعصارة فكرها خارج الحدود علي مدي أربعين سنة, وعاملت البشر المصريين باعتبارهم عبئا أو سلعة زائدة عن الحاجة تسعي لتصديرها, وتستورد بتحويلاتهم الدولارية اللحوم المجمدة.
طبعا لا أستطيع أن أتجاهل نضالات بعض أفراد الطبقة الوسطي من خلال النقابات المهنية والحركات المستقلة والتي مهدت لانطلاقة يناير, وبعد الانطلاقة بدأت شرائح الطبقة الوسطي كلها تستنهض همتها لتستعيد دورها, لكنها ما زالت مسكونة ببعض شوائب الفترة السابقة.
أما عن آفاق الرواية فلابد أن مساراتها ستكون غير الأمس, فالأحداث الجارية ستفرض الاهتمام بموضوعات وشخصيات وأفكار تختلف عما سبق, ولابد للروائي أن يبحث عن أشكال وآليات للسرد تناسب موضوعه الجديد
هل لا تزال الكتابة حرفة قلق لا تمرد كما قلت ذات يوم؟ أم أن الثورة ستدفع الكتابة الي معايشة التمرد؟
ستظل الكتابة عندي صنعة قلق, بمعني إعادة فحص القناعات المستقرة علي ضوء المعطيات المستجدة والأحلام المتجددة. ليست فاعلية المبدع في أن يرضي أو يصفق, ولا في أن يكون مكملا غذائيا لسلطة حاكمة أو لاتجاه سياسي, وإلا أصبح دوره إعلاميا لا ثقافيا. دوره الحقيقي أن يسكن المساحة التي لم تتحقق من الحلم, وأن ينبه ويحذر. هذا القلق الخلاق هو الذي يقود في النهاية الي التمرد الخلاق إذا اقتضت الضرورة ذلك
في روايتك ليلة سفر تعرضت لموضوع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين, وإذا تجاوزنا شخوص الراوية ورمزيتها; كيف تري العلاقة الآن بين المسلمين والمسيحيين؟
في الدولة المدنية لا يوجد مسلم ومسيحي, وإنما مواطن مصري أيا كان دينه ومذهبه, ومحاولات أشعال الفتنة الطائفية هي أخطر ما يهدد الدولة المدنية وأمن البلد ومستقبله. وأظن أن الفيلم الأخير عن الرسول كان يستهدف ذلك وفي مصر تحديدا
الفيلم كان اختبارا لصلابة التكوين المصري, وجاءت النتيجة مثيرة للتفاؤل, فكان موقف الكنيسة وأقطابها رائعا, ورد فعل المسلمين في عمومه متزنا ومتفهما للمسئولية, فيما عدا بعض التجاوزات الفردية مثل تمزيق الإنجيل والتي يجب محاسبة مرتكبيها قضائيا.
محاولات بث الفتنة مدمرة طبعا, لكنني لا أميل إلي وصفها بالزلزال, فهي ليست عنصرا أصيلا في التكوين الطبيعي المصري, وإنما هي أشبه بتفجير نووي معادي يأتي غالبا من خارج الحدود.
في كتابك الاخير تسابيح للنسيان تحول إلي الشعرية, هل هو الشعر يندهنا في ساعات التعب؟.. أم هي الشاعرية التي تسكن تحت جلد الحكي في رواياتك؟ ولماذا الاصرار علي تسمية الكتاب نثرا مشعورا وليس قصيدة نثر؟
لا يشغلني أمر تصنيف الكتاب, فتلك وظيفة النقاد. يهمني فقط أن يكون ما أكتبه جميلا. ولهذ الكتاب ظرف خاص, إذ كتبته في فترة احتدام المرض, وضمنته تأملاتي في الحياة والموت والأقدار والمصائر والزيف والصدق والقوة والضعف, ولأن الموضوع عاطفي وذو شجن خاص فقطعت سطور الكتاب علي نحو شعري, لتساعد الوقفات والسكتات علي تأمل المعاني.
هل كان ما كتبته نثرا أم شعرا؟.. ذلك أمر يخص النقاد. وأذكر أن الناقد والأديب الدكتور أحمد الخميسي وصفه بأنه كتاب توافرت فيه خبرة الشعر وخبرة الرواية, بينما قال المفكر والناقد المتخفي نبيل عبد الفتاح أنه متتالية سردية شعرية في نشيد ملحمي.
أما اطلاقي تسمية نثر مشعور عليه فكان من باب الدعابة, وهربا من التورط في النقاش الدائر حول قصيدة النثر وإذا سألتني ما هو الشعر سأقول لك: لا أعرف.
كيف لا تعرف وقد بدأت شاعرا قبل ان تخطفك الرواية ؟
دعني أتذكر معك الحكاية من أولها.
سكنني الإيقاع مبكرا, واكتشفت منذ طفولتي قدرتي علي النظم. ربما نما في ذلك مع سماع أخوتي الكبار وهم يرددون أناشيدهم وقصائدهم المدرسية ليحفظوها. تنبهت لذلك أختي فاطمة رحمها الله, و ساعدتني وأنا في الصف الثاني الابتدائي علي نظم قطعتين زجليتين; الأولي عن جمال عبد الناصر منقذ الأوطان, والثانية عن الأم التي حملتني في بطنها. أظن أنها كتبت أغلب السطور, لكنها ظلت في ذاكرتي مجرد مساعدة, أنا المؤلف.
قدمت المقطوعتين إلي مدرسي, الذي سحبني من يدي وقدمني بلطف إلي ناظر المدرسة. كان الناظر زجالا موهوبا يشهد له الناس. وكان لا يخجل من موهبته, بل يباهي بها ويستعرضها بطيبة وظرف, يتوقف في الشارع أمام مقهي أو متجر ليعلق بالزجل علي مشهد رآه, أو يداعب رجلا بفكاهة زجلية. تصرفات لا تناسب وضعه كناظر مدرسة, لكن ذلك لم يقلل من هيبته. كان الجميع يعاملونه باحترام ويطلبون مداعباته, وكانو يلقبونه السمباتيك المحبوب, ولا أعرف معني ذلك.
المهم; فرح بي حضرة الناظر; السمباتيك المحبوب السيد أمين أيوب. أجلسني علي كرسي, وأعاد تقويم القطعتين بصوت عال. أظن أنه حذف وأضاف الكثير, لكنه ظل في ذاكرتي مجرد مساعد, أنا المؤلف.
قدمت المقطوعتين بعد ذلك في حفل مدرسي كبير, وشاركت في تمثيلية لعبت فيها دورمصر بشكل رمزي, وهي تحمل شعلة الحرية وسط ضباطها الثوار.
في المرحلتين الاعدادية والثانوية أصبحت خطيب المدرسة وشاعرها, لا يفوتني منبر طابور الصباح يوما. ما زلت أحتفظ بأشعاري في تلك الفترة, فيها غزليات لحبيبات وهميات وقصائد مناسبات. كلها تجارب مصطنعة, لكنها منظومة بشكل جيد وتراعي قواعد العروض والقافية. وفي تلك الفترة بدأت كتابة القصة والرواية, ومازلت أحتفظ برواية عنوانها ابن الخادمة كتبتها بخطي المنعكشفي ثالثة إعدادي.
في نها ية المرحلة الثانوية تعرفت علي أشعار السياب وعبد الصبور والبياتي وحجازي وغيرهم من أقطاب شعر التفعيلة, ومع انتقالي للجامعة في القاهرة انفتحت أمامي آفاق ثقافية أرحب وكتبت قصائد تخصني; لا اصطناع فيها ولا محاذاة لأي شاعر آخر حتي من المحدثين.
بعد النكسة التي وافقت عامي الثالث في الجامعة; أصبحت قصائدي أكثر انشغالا بالهم العام, وحين دخلت الخدمة العسكرية أصبحت أكثر اهتماما بالبشر الواقع المعقد الذي أعقب حرب أكتوبر التحريرية أنضج إحساسي بالدراما, فكتبت مسرحية شعرية بعنوان ليلة الملك, ولم أنشرها. وخطوة بعد خطوة اصطادتني الرواية.
يقول بعض النقاد ان المبدع يكتب نصا واحدا طوال حياته, وما الروايات الكثيرة او الدواوين إلا تنويعات علي لحن وحيد. هل تؤمن بهذه المقولة
دعني أتعامل مع هذه المقولة من منطلق أن الكاتب تكوين خاص متفاعل مع واقع اجتماعي ووقائع زمان ومكان محددين. هذه المعادلة بين البيولوجي والاجتماعي والوقائعي هي التي تنتج الكاتب وتشكل اهتماته. تتعدد خبرات الكاتب علي مدي العمر, وتتبدل أحاسيسه واهتماماته وأفكاره لكنه يظل نفس التكوين, وكتاباته المتعددة هي نبض مسارات هذ التكوين.
من هنا أميل للموافقة علي أن أعمال الكاتب الواحد هي جدارية ضخمة, وأن أعماله المتعددة المذاقات والأشكال والأساليب تفاصيل في تلك الجدارية. هنا البطن, وهناك العين, والغريزة, والوردة التي يشمها.. لكل تفصيلة تكوين, كما أن لكل كتاب مذاق, لكن اللوحة تتكامل بكل تفاصيلها.
استفدت من عملك الصحافي في بنية الرواية, ولكن العمل الصحافي التهم أوقاتا كثيرة كان ممكنا ان تخصص للحكي والشعر.. كيف تري علاقة الصحافة بعملك الابداعي؟
أعتقد أن الصحافة أفادتني كثيرا, فهي مهنة تضعك في بؤرة الحياة, تجبرك علي متابعة الأحداث بتركيز شديد, فتقرأ وتدرس وتحلل.
وقد أحدث ذلك عندي توازنا بين الإنغماس في الواقع, وبين تأملات الفكر ذات الطابع الفلسفي المجرد وتهويمات الخيال. ولا تنسي أن الصحافة هي في النهاية كتابة وقدرة علي توصيل المعاني بدقة وبأقل عدد من الكلمات. لكنني كنت طوال الوقت حريصا علي ألا تجذبني أضواؤها بعيدا عن اهتماماتي الأدبية, أو تتلف لغتي الأدبية بلغتها المباشرة, أو تشغلني بطبيعتها العملية عن حسي التأملي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.