رحلة طويلة قطعها الشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، منذ نشر أولى قصائده عام 1982، وقد تنوعت إبداعاته التي جمعت بين الشعر والنقد الأدبي والكتابة المسرحية، مما أبعده لفترات طويلة عن الشعر، لانشغاله بالدراسات الأكاديمية، والكتابة السياسية أحيانا، والاهتمام بالشأن الثقافي بشكل عام.. حول أعماله الشعرية والنقدية الأخيرة وحول الظروف السياسية الراهنة كان هذا الحوار... * لماذا اتجهت إلى النقد الأدبي، وتلاحقت كتبك ومقالاتك النقدية حتى غلبت عليك صفة الناقد، وغابت إلى حد ما صفة الشاعر، التي عرفت بها في وقت مبكر؟ بالنسبة لي فقد تعاملت مع النقد على أنه بتعبيرات الفقه الإسلامي "فرض كفاية" حيث رأيت أنه من الضروري أن يكون هناك من يتابع إبداعات أبناء جيلي من شعراء الثمانينيات، فنسيت نفسي وتخلصت من أنانية الشاعر، ورغبت في أداء هذا الدور الذي لن أتخلى عنه في حدود طاقتي. * ما علاقة الشعر بالنقد؟ وهل تمارس دور الناقد على ما تكتبه من شعر؟ علاقة الشعر والنقد علاقة عضوية، فالشاعر ليس صوتا صارخا في البرية، بل يستهدف قارئا، ويسعى إلى تغيير ذائقته، والعملية الإبداعية ذاتها لا تكتمل إلا بوجود قارئ منتج لدلالتها. أما ممارستي لدور الناقد على ما أكتبه من شعر، فهذا أمر طبيعي وليس جديدا، ففي العصر الجاهلي كانت هناك مجموعة من الشعراء عرفوا بعبيد الشعر، لأنهم كانوا يعاودون النظر في قصائدهم مرات قبل أن يذيعوها بين الناس. * كان من المتوقع أن تكون أطروحتك للدكتوراه حول الشعر، لكنك فضلت أن تكون أطروحتك عن الرواية؟ المسألة ليست تفضيل، فقد كانت رسالتي للماجستير عن (الحداثة الشعرية في مصر من 1945إلى 1973)، وأعتقد أنني قدمت فيها جهدا طيبا، رغم أنني كتبتها في العشرينيات من عمري، وكان من المفروض أن أختار للدكتوراه موضوعا في قوتها، فاخترت (الرواية السياسية في مصر) التي نشرت تحت عنوان (الرواية والسلطة)، وكان ذلك قبل أن تشيع مقولة (زمن الرواية). * بالمناسبة ما رأيك في أننا نعيش في زمن الرواية؟ مقولة (زمن الرواية) أراها صحيحة لكن ليس على حساب الشعر، الذي يشهد هو الآخر تنوعا لافتا، ويرجع ازدهار الرواية في تصوري إلى عدم وجود قيود على التجريب الروائي، وإلى انفتاح الرواية على كافة الأجناس الأدبية والفنية، ولأنها تمثل ديوان العرب المعاصرين كما يقول د.علي الراعي. أما الشعر الحديث ومنذ بدء مدرسة شعر التفعيلة، فإنه يخرج من اتهام ليدخل في اتهام آخر، وقد وصلت هذه الاتهامات، حد التشكيك في وطنية الشعراء وعقيدتهم الدينية. ومازلنا حتى الآن نناقش هل قصيدة النثر تدخل في جنس الشعر أم لا؟ فكيف يزدهر فن وسط هذه الاتهامات والمحاذير والقيود؟ * على ذكر التشكيك في عقيدة الشعراء، كيف ترى حال الإبداع في ظل تصاعد الإسلام السياسي في مصر؟ أرى إن مصر سوف تشهد مدا أصوليا وسلفيا متزمتا، ذلك التزمت الذي يرى وجه المرأة وصورتها عورة، كما أرى إن ما حدث مع رواية (وليمة لأعشاب البحر) سوف نشهد تكرارا مشابها له، والمخيف حقا أن التكفير يتم لأوهى الأسباب، فلازلت أذكر تكفير أحد أساتذة الشريعة لجورج غرداق لقوله: (صدفة أهدت الوجود إلينا)، حيث فسر هذا الشطر على أن الشاعر يؤمن أن خلق الكون أو الوجود عن طريق الصدفة، دون أن ينتبه أن القصيدة غزلية، وأن الشاعر يتحدث عن الصدفة التي أتاحت لقاءه بحبيبته، ومن هنا لنا أن نتخيل عدد الكافرين. ولا أرى كشفا لهذه الغمة إلا بتوضيح الوجه الحضاري للإسلام، وإحياء علمانيته ومدنيته. * كتبت أربع مسرحيات في الثلاث سنوات الأخيرة، لماذا الاتجاه إلى المسرح وهل تصنف ما تكتبه تحت مسمى المسرح الشعري؟ ظل المسرح حلما يخايلني منذ قرأت مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور، ولم يكن عمري قد تجاوز السادسة عشر، لكنني لم أمتلك جرأة كتابته إلا في السنوات القليلة الماضية، وقد فازت المسرحية الثانية (زيارة ابن حزم الأخيرة) بجائزة اتحاد الكتاب، وكنت قد كتبت قبلها (رقصة الحياة)، وبعدها كتبت (وجوه التوحيدي) وأخيرا كتبت نصا من نسعة مشاهد بعنوان: (السفينة) عن ثورة 25 يناير. أما عن التصنيف، فأنا أرى أن ما أكتبه مسرح شعري، رغم عدم التزامه بالتفعيلة، فالشعر أوسع من العروض، وينبغي أن نتعامل مع المسرح بالمنطق الذي تعاملنا به مع قصيدة النثر.