مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    بيان عاجل من «الزراعيين» بعد التعدي على مسؤول حماية الأراضي في سوهاج (تفاصيل)    إيبارشية بني سويف تحتفل بعيد حلول الروح القدس بقداس مهيب    تطوير شامل ل 6 شوارع بحي المنيرة الغربية ضمن خطة تحسين البنية التحتية بالجيزة    وزير الزراعة يطمئن على حالة مسئول حماية الأراضي بسوهاج بعد الاعتداء عليه خلال حملة إزالة تعديات    بعد زيادة سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الأحد 8-6-2025 صباحًا للمستهلك    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    بعد بيان وزارة المالية.. موعد صرف مرتبات يونيو 2025 للموظفين والزيادة الجديدة    الداخلية توزع مساعدات على سكان المناطق الحضارية الجديدة بالعيد..فيديو    الدفاع الروسية: نقلة جثث 1212 عسكريا أوكرانيا إلى الحدود خلال ساعة    نشر 2000 من أفراد الحرس الوطنى الأمريكي للسيطرة على اضطرابات لوس أنجلوس    كولومبيا.. إصابة مرشحًا رئاسيًا بين أنصاره خلال تجمع انتخابي    «لا يحترم منصب الرئيس».. ترامب: علاقتي ب إيلون ماسك انتهت    ريبيرو: الأهلي جاهز لمواجهة باتشوكا ونستعد جيدا لمونديال الأندية    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا والقناة الناقلة    مانشستر يونايتد يستهدف رافائيل لياو وسط أزمة هجومية حادة    العيد أحلى.. مراكز شباب بني سويف تستقبل أهالى القرى للاحتفال باليوم الثالث بعيد الأضحى.. صور    تفاصيل جديدة تقرب زين الدين بلعيد من الزمالك    أنس أسامة: مصممون على إحراز بطولة ال«BAL» لإثناء «مصيلحي» عن استقالته    النيابة تطلب تقرير المعمل الجنائي حول حريق شقة بالتجمع    مقتل شاب في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بالمحلة    مصرع شاب تحت عجلات القطار في الحوامدية    وفاة شاب متأثرًا بإصابته في حادث انقلاب دراجة بخارية بقنا    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مواعيد امتحانات الميدتيرم، الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026 بالجامعات    افتتاح مركز زوار قلعة قايتباي بالإسكندرية بعد الانتهاء من تجهيزه    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    بعد زواجه من أسما شريف منير.. معلومات عن أحمد شامل عزمي    موعد ومكان جنازة وعزاء الموزع الموسيقي نوار البحيري (تفاصيل)    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بالمجان ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    فحص 11.1 مليون مواطن بالمجان ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    إقبال كبير على شواطئ ومعالم الإسكندرية احتفالا بثالث أيام عيد الأضحى    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    أغاني طربية واستعراضات.. ثقافة جنوب سيناء تحتفل بعيد الأضحى    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بشمال سيناء    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    ريستارت «تامر حسنى»    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون مطالبين باتفاق تبادل أسرى ووقف الحرب    بالقانون .. للعامل مثل أجر اليوم الذى عمله في الأعياد الرسمية أو يوم عوضا عنها    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    استمرار خروج مصر من القائمة السوداء يعكس التزامًا دوليًا بالإصلاحات    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    انقطاع التيار الكهربائي في ضواحي كييف وغارة روسية بصاروخ كروز على أوديسا    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البابا شنودة يشهد لصالح الإسلام
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 10 - 2012

في‏11‏ أكتوبر سنة‏1977‏ م‏,‏ وأمام الرئيس أنور السادات‏,‏ وفي مناسبة وضع حجر الأساس لمستشفي مارمرقس بالقاهرة ألقي البابا شنودة خطابا‏,‏ تجلت فيه ثقافته التاريخية الواعية‏. حتي لقد جاء شهادة من هذا الحبر الكبير للتاريخ الإسلامي في الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.. بل وشهادة للقرآن الكريم في السماحة والإنصاف للنصاري..
ولأن الكثير من وسائل الإعلام تركز الأضواء علي عوامل الشقاق, وتتجاهل عوامل الوفاق ومنها هذه الشهادة المهمة للبابا شنودة لزم التنبيه علي عناصر هذه الشهادة, ليقرأها المسلمون والمسيحيون جميعا, وليتعلموا الاحتفاء بأقوال العقلاء, بدلا من أقوال الدهماء.. ولزم التقديم لمعالم هذه الشهادة, وبالنصوص الحرفية لصاحبها.
ففي هذا الخطاب الوثيقة شهد البابا شنودة بأن القرآن قد وضع اليهود الذين أشركوا في ناحية ووضع النصاري في ناحية أخري, مميزا بينهم وبين المشركين.. وأن القرآن حينما يتكلم عن المسيحيين من أهل الكتاب إنما يطلب أن تكون المجادلة بينهم بالتي هي أحسن..
وفي هذه الشهادة أثني البابا شنودة علي تاريخ الإسلام في السماحة والعيش المشترك بين المسلمين والنصاري, وقدم الصور الرائعة لواقع هذا التاريخ ووقائعه منذ صدر الإسلام وعبر مراحل هذا التاريخ.. ومما قاله هذا الحبر الكبير علي سبيل المثال : في تلك العصور نجد تمازجا قد حدث بين المسلمين والمسيحيين, وظل هذا التمازج ينمو شيئا فشيئا حتي وصل إلي حالة من الوحدة.. فلنا في التاريخ الإسلامي صداقات كثيرة بين حكام المسلمين وبين المسيحيين, ونراهم قد اعتمدوا عليهم في ميادين عدة لعل من أبرزها التعليم والطب والهندسة والأمور المالية.
فالتاريخ الإسلامي بشهادة البابا شنودة قد صنع نسيجا واحدا, امتزج فيه المسلمون والمسيحيون.. ووصلت علاقات الحكام المسلمين بالنصاري إلي درجة الصداقة, وليس فقط القبول.
وتحدث البابا شنودة عن عمر بن الخطاب(40 ق.ه 23 ه584 644 م) الذي تعرض تاريخه لافتراءات أهل الشقاق فقدمه كنموذج مثالي للسماحة الإسلامية, فقال: لقد رأينا في التاريخ الإسلامي أمثلة واضحة للسماحة الإسلامية.. نذكر منها أن الخليفة عمر بن الخطاب حينما اقترب من الموت أوصي من يأتي بعده في الخلافة من جهة أهل الكتاب بأمرين: الأمر الأول: وفاء العهود التي أعطيت لهم.. والأمر الثاني قال فيه: ولا تكلفوهم فوق ما يطيقون.
ثم يمضي البابا شنودة في الحديث عن عمر بن الخطاب, فيقول: في إحدي المرات, حينما كان الوليد بن عقبة واليا علي بني تغلب ومن فيهم من النصاري.. رأي عمر أن الوليد هدد هؤلاء الناس وتوعدهم, عزله عمر من الولاية حتي لا يلقي بهم شرا.. وهناك قصة طريفة تروي عن عمر بن الخطاب, أنه حينما كان خليفة للمسلمين, اختلف علي بن أبي طالب مع رجل يهودي, وجاء الاثنان أمام الخليفة عمر, فقال عمر لعلي: يا أبا الحسن اجلس إلي جوار خصمك لنبحث الأمر, فجلس علي وقد تأثر قليلا .. وبعد أن قضي بينهما, قال عمر لعلي: هل استأت أني أجلستك إلي جوار خصمك؟ فقال له علي: كلا.. أنا استأت لأنك ناديتني بكنيتي يا أباالحسن.. وفي هذا نوع من التعظيم, خفت أن يشعر معه اليهودي بأنه لا يوجد عدل بين المسلمين.. فلم لم تساو بيننا, وإنما رفعتني عنه بأن ناديتني بكنيتي؟.
ثم يعقب البابا شنودة علي هذا العدل الذي جسده عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب, فيؤكد أن ذلك إنما كان خلقا عاما وسائدا في الحكم الإسلامي, ويقول: هكذا كان المسلمون يسلكون في العدل بين رعاياهم, أيا كان مذهبهم.
ثم يؤكد البابا شنودة أن هذا العدل الإسلامي لم يقف عند دولة الخلافة الراشدة, وإنما امتد روحا سارية وسنة مرعية عبر تاريخ الإسلام, فيقول: لقد انتهت حياة عمر بن الخطاب علي الأرض, وانتهت مدة خلافته, ولكن الخير الذي عمله لم يمت بموته إطلاقا.. ولايزال حيا الآن يملأ الآذان ويملأ الأذهان.. ويحيا مع الناس علي مدي الأزمان.
ثم يمضي البابا شنودة فيضرب الأمثال علي استمرار السماحة الإسلامية والعدل مع النصاري علي امتداد التاريخ الإسلامي, فيقول عن معاوية بن أبي سفيان(20 ق. ه 60 ه603 680 م) وعن الدولة الأموية: لقد كان الطبيب الخاص للخليفة معاوية نصرانيا.. واختار رجلا مسيحيا لكي يؤدب ابنه زياد.. وزياد هذا اختار كاهنا مسيحيا لكي يؤدب ابنه خالدا.. والخليفة عبدالملك بن مروان(26 68 ه646 705 م) كان يأخذ يوحنا الدمشقي(55 122 ه675 740 م) مستشارا له.. وقد اختار رجلا معلما مشهورا اسمه( أطانا سيوسي) لكي يؤدب أخاه عبدالعزيز.. ولما صار عبدالعزيز بن مروان حاكما لمصر أخذ( أطانا سيوسي) معه كمستشار له.. ونجد أن الأخطل(19 90 ه640 708 م) كان من الشعراء المسيحيين المشهورين, واندمج في مجموعة متلازمة مع( جرير)(28 110 ه640 728 م) و(الفرزدق)(110 ه728 م) واشتهرت هذه المجموعة في العصر الأموي.. وكان الأخطل المسيحي حينما يدخل إلي مساجد المسلمين يقوم المسلمون له إجلالا لعلمه وأدبه كما يروي التاريخ الإسلامي.
كذلك يشهد البابا شنودة للخليفة الأموي هشام بن عبدالملك(71 125 ه690 743 م) فيقول: إنه ابتني للبطريرك في أيامه بيتا إلي جوار قصره, وكان يستمع منه إلي صلواته وعظاته..
ويشهد البابا شنودة لعدل الإسلام في العصر العباسي, فيقول عن الخليفة أبوجعفر المنصور(136 158 ه753 774 م): إن طبيبه الخاص كان مسيحيا اسمه جرجس بن بختيشوع.. وكان الخليفة هارون الرشيد(149 193 ه766 809 م) يقول للناس: من كان منكم له حاجة عندي فليكلم فيها جبرائيل, لأني لا أرد له طلبا.. وكان يوحنا مشهورا من أيام الرشيد إلي أيام المتوكل(206 247 ه821 861 م).. وكان هؤلاء الخلفاء يدعونه إلي موائدهم, وما يأكلون شيئا إلا في حضرته.. وكان حنين بن إسحق(192 259 ه808 873 م) من أشهر الأطباء في العصر الإسلامي, حتي قيل عنه إنه أبوقراط عصره وجالينوس دهره.. وحنين بن اسحق هذا تعلم كذلك اللغة والفقه علي يد الإمام أحمد بن حنبل(164 241 ه780 855 م) وعلي يد سيبويه(148 180 ه765 796 م) ونبغ في اللغة العربية نبوغا عظيما.
وفي شهادة البابا شنودة لعدل الإسلام والتاريخ الإسلامي مع غير المسلمين حيث امتزجوا أمة واحدة, وثقافة واحدة, عرج الرجل علي التاريخ المصري والعدل الإسلامي مع الأقباط.. فتحدث عن انتشار اللغة العربية في مصر, التي تعلمها وأتقنها أقباط مصر, فكانت هذه اللغة مجالا كبيرا للتوحيد بين الناس.
وتحدث عن أحمد بن طولون(220 270 ه835 884 م) الذي كان من المحبين للأقباط كثيرا, وقد اختار مسيحيا لكي يبني له مسجده.. واختار مسيحيا لكي يبني القناطر وكثيرا من منشآته.. وكان يذهب كثيرا لزيارة دير القصير, وكان علي صلة وثيقة برهبانه هناك.. فلقد كانت الأديرة المصرية دائما مجالا لالتقاء الخلفاء والولاة, وكانوا يحبونها, ويقضون فيها الكثير من الوقت, ويصادقون رهبانها وأساقفتها.
وتحدث البابا شنودة عن عدل الإسلام مع أقباط مصر في ظل الدولة الإخشيدية والدولة الفاطمية.. فمحمد بن طنج الإخشيد(268 334 ه882 946 م) كان يبني الكنائس بنفسه, ويتولي ترميمها.. وكنيسة أبي سرجة في مصر القديمة اهتم ببنائها الخلفاء المسلمون.. وكنيسة أبي سيفين.. القديس مارقريوس بمصر القديمة تولي الاهتمام بها الخليفة الفاطمي العزيز بالله(365 386 ه975 996 م).. ولا أستطيع أن اذكر مقدار اهتمام الخلفاء الفاطميين بالكنائس وبنائها وترميمها.. وإنما أترك ذلك لعالمين كبيرين من علماء الإسلام, هما المقريزي(766 845 ه1365 1441 م) في( الخطط) والمسعودي(346 ه957 م) في( مروج الذهب).. كما تولي الخلفاء والحكام إقامة الوحدة الوطنية ورعايتها.
هكذا شهد الحبر الكبير البابا شنودة لعدل القرآن الكريم مع النصاري.. ولعدل التاريخ الإسلامي مع المسيحيين, منذ عمر بن الخطاب.. وكيف أن عدل عمر لم ينقض بموته, وإنما استمر عبر التاريخ الإسلامي.. وبعبارة البابا شنودة: فإن الخير الذي عمله عمر لم يمت بموته إطلاقا, ولايزال حيا الآن يملأ الآذان ويملأ الأذهان, ويحيا مع الناس علي مدي الأزمان.
إنها شهادة بل وثيقة تحتاج إلي أن تقرأ مرات ومرات.. لتتحول إلي دعامة للتماذج الوطني, وإلي سلاح نصد به كيد الأعداء وجهالات الغوغاء.
المزيد من مقالات د. محمد عمارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.