مقارنة ظالمة تلك التى تعقد بين الآداب الأجنبية الشهيرة التي تناولت الحروب وأجواءها شأن "الحرب والسلام لتولستوي" وداعا للسلاح " لهمنجواي، والدون الهادئ لشولوخوف. وبين أدب حرب أكتوبر بخاصة، حتى تردد أن كل ما كتب عن أكتوبر المجيد كان دون مستوى الأدب والإبداع الحقيقي، وأن أغلبها كان يعتمد على الطابع التسجيلي والوثائقي، وحتى ما كتبه كبار الكتاب أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ كان مجرد ردود أفعال وقتية ظهرت في صورة مقالات قصيرة، ولكن لا يمكن أن نظلم هذه الكتابات ونضعها جميعا في سلة واحدة، ثم نتوجه باللوم إلى المؤسسات التي حاولت تشجيع الكتاب والمبدعين بتخصيص مسابقة خاصة بأدب أكتوبر، لتصبح هذه المسابقات سببا رئيسيا في ظهور كتابات على قدر محدود من الإبداع، وكلها لصغار الكتاب والمبتدئين دخلوها بغرض الشهرة والمكسب المادي وليس لتوثيق مشاعر الحرب والانتصار أو تداعياتها الاجتماعية، فى حين أن كتابات كبار الكتاب أمثال "جمال الغيطانى، يوسف العقيد، مجيد طوبيا"، التي كانت بشهادة العصر من أفضل الكتابات لأدب حرب أكتوبر، فأنها لم تلاق نقدا بناء من النقاد، بل كان مجرد تشجيع باعتبارها تمثل توجها ونموذجا جديدا للكتابة، فقد جاءت هذه الأعمال علي مستوى الحدث الكبير وهو أول انتصار حقيقي للعرب بعد أربع هزائم متوالية، فتعد من أعظم الحروب العربية الحديثة التي رفعت قامة المواطن العربي وحققت له حلمه في اقتحام حصون العدو وتحديه وقهره، لهذا كانت تستحق حرب أكتوبر اهتماما أكبر لتوثيقها فى أعمال أبداعية، ولا أعنى الكم بقدر ما أقصد الكيف، فهناك بالفعل أعمال لا تنسى، شأن الغريب لجمال الغيطانى، وأبناء الصمت لمجيد طوبيا، ويوميات فى بر مصر ليوسف العقيد وغيرها، حتى أن أغلبها تحول إلى أفلام سينمائية أثرت السينما المصرية والعربية، لكن قد يكون ما أثير من لغط حول أدب حرب أكتوبر يكشف عن عدم استغلالها بشكل جيد فى أعمال أدبية تستحقها، وخصوصا فى وجود اعتقاد بأنه يشترط أن يكون الأديب مشاركا بشكل أو بآخر فى الحرب لكى يستطيع أن يكتب عنها بصدق، وهذا قول مغلوط فلو أخذنا مثالا لجمال الغيطانى باعتباره محررا عسكريا، وهو أكثر من تناول حرب أكتوبر فى كتاباته، فهناك مجيد طوبيا مثلا برائعته "أبناء الصمت" التي تناولت فترة حرب الاستنزاف وجزئية صغيرة جدا تتعلق بانحسار بعض الجنود في ثغرة، فليس كل ما يكتبه الأديب يتعايش معه ويعايشه، ولكن على الأقل يكن جزءا من حياته ويؤثر به انفعاليا وعاطفيا.. المزيد من مقالات ناهد السيد