من الثابت ان التعليم والصحة هما عماد تطور وتقدم لا بل وبقاء الشعوب. فإذا انهار هذان القطاعان انهارت معهما الامم, وقد لاحظنا في الآونة الاخيرة ازدياد ظاهرة تفتيش الوزراء الميداني علي بعض المدارس والمستشفيات. وكثر الجدل عن جدواها واثرها علي الاصلاح, ولكي نستعرض جدوي ذلك بموضوعية واسلوب علمي نتناول كيف وصلنا الي هذه المرحلة من تعدد المشاكل في هذين القطاعين؟ ماهو الدور الرئيسي للمسئول الاول عن القطاع؟ كيف يمكن تحقيق هدف الإصلاح باسلوب اكثر فاعلية وجذرية؟ يرجع السبب الاساسي لتراكم المشاكل في هذين القطاعين الي اننا فقدنا الهياكل الاساسية للنظم في القطاعات, بينما الدول الناجحة لديها هياكل اساسية من خلال: وضع وتطبيق خطط واستراتيجيات طويلة المدي يمكن تطويرها وليس إلغاؤها مع تغير الحكومات او الوزراء وذلك يحدث في دول كثير في اوروبا وآسيا. أو تباع معايير علمية لتخطيط البرامج ووضع السياسات المتطورة والمناسبة بقرارات جماعية وشعبية مثلما يحدث في امريكا الشمالية وغيرها. وبالنسبة لقطاعي التعليم والصحة وهما اكبر قطاعين من ناحية الاهمية وحجم العمالة فان المدرسة يفترض ان يعمل بها المدرس كل الوقت لتربية وتعليم الطلاب, وتخريج اجيال مؤهلة بالمعلومات والمهارات التي تحصل عليها اقرانهم في اغلب الدول المتقدمة والمتوسطة الدخل. يتراوح راتب هذا المدرس بين500 و700 جنيه شهريا في اغلب الاحوال وحتي مع الكادر الجديد, كذلك الطبيب الذي يفترض ان يقدم خدماته الصحية طبقا للاصول العالمية في الوقت والمكان الذي يحتاجه المواطن. وهذا الطبيب يتراوح راتبه بين500 و1000 جنيه شهريا ما بين الممارس العام والاخصائي. فالمدرس يقدر وكثير منهم يحصلون فعلا علي دخل بين5000 و10000 جنيه شهريا, وذلك بإهمال عمل المدرسة وتحويل الجهد الي الدروس الخصوصية. ومثله الطبيب عن طريق العيادة او ممارسة العلاج الخاص بأي وسيلة. هنا يجب ان نستعرض ما الذي يجب ان يشغل بال ووقت وجهد المسئول الاول عن قطاع التعليم او الصحة وكيف يقارن ذلك بعمل زيارات مفاجئة تليفزيونية وما هي جدواها وذلك في غياب التعامل مع المشاكل الاساسية. فالمشاكل الرئيسية التي يجب ان تشغل المسئول الاول عن التعليم هي: ما هي مخرجات التعليم العام والفني والمهني, وما هي المعلومات والمهارات التي يحصل عليها الخريج بالمقارنة مع اقرانه في الدول المتقدمة والمتوسطة؟ وكيف وصلنا الي هذه المرحلة الخطيرة لخريجي الثانوية العامة حيث تكون نسبة خريجي الشعبة الادبية اعلي من الشعبة العلمية او الرياضية, بخلاف جميع دول العالم وبعكس ما كانت مصر عليه حتي الستينيات من القرن الماضي؟ما هي وسائل تقييم الطالب بما فيها الامتحانات وكيف يجتازها اكثر من95% من الطلاب رغم ثبوت نقص معلوماتهم ومهاراتهم؟, ولماذا يلجأ الطلاب الي الدروس الخصوصية حتي في المدارس الخاصة ذات المصروفات الباهظة وكيف يمكن القضاء عليها جذريا؟ لذلك مع كل اللجان والمؤتمرات والاعلام, لماذا لم تتم مراجعة المناهج وتغيير النظام التعليمي من التلقين الي المعرفة والبحث والاستنتاج؟ هنا يتضح ان جهد ودور المسئول الاول لوضع الاستراتيجيات طويلة المدي والخطط المرحلية وتحقيق التمويل, التنفيذ ومتابعة المشروعات... الخ, كل هذا لن يسمح بضياع وقته في حملات التفتيش المفاجيء علي المدارس والتي يجب ان يقوم بها الرؤساء المحليون, بعد تدريبهم ووضع معايير علمية للتفتيش والتحقيق العادل للمخالفات ومنح الحوافز للمستحقين ومراقبة اداء المدير المحلي في هذا المجال. بالمثل فإن المسئول الاول عن الصحة يشغل باله الكثير من التحديات واهمها: الحالة الصحية للمواطنين والتي قاربت القاع في قائمة الدول متوسطة الدخل, خاصة ان معدل الوفيات والاصابة بامراض القلب والدورة الدموية والاصابة بالتهاب الكبد المزمن هي من اعلي المعدلات في العالم. التغطية الشاملة للتأمين الصحي وكيف يتم اصلاح وتطوير النظام الحالي جذريا, وهو الذي يغطي نظريا نصف السكان بميزانية تبلغ حوالي6% من التكلفة الصحية الشاملة للدولة. وكيف يتم الاصلاح قبل تعميم النظام علي النصف الثاني من السكان وهم الاكثر مرضا والاقل دخلا. كيف يتم وقف النزيف المستمر للموارد في مجال العلاج علي نفقة الدولة والذي تضاعف من200 مليون جنيه الي2 مليار جنيه سنويا, مما كلف الدولة حوالي10 12 مليار جنيه منذ انشائه, كان يمكن استخدامها لتطوير خمسين مستشفي عاما او تعليميا, او مركزا متخصصا بقيمة قدرها240 مليون جنيه لكل مركز او مستشفي, وهو ما يكفي لتجهيزها تماما وتحويلها لهيئة مستقلة غير ربحية لها لوائحها الخاصة مع تطبيق نظام الميزانية الشاملة او كود المجموعات المرضية مما يسمح بتوظيف اطباء واستشاريين متفرغين بأجر يناسبهم, وذلك سيؤدي الي وقف الاختلاط الضار بين الممارسة في القطاع العام مع الخاص. ترشيد بناء المستشفيات العامة وبالأخص المستشفيات الخاصة, وعدم منح تراخيص جديدة إلا في حدود الاحتياجات الفعلية لكل منطقة جغرافية, كما يحدث في جميع الدول المتقدمة. تغيير نظام ممارسة الاطباء لكي يتحقق الفصل بين الممارسة في القطاع العام والخاص, وتشجيع وتدريب مجموعات الاطباء علي الممارسة الجماعية والتعاقد مع الهيئات التأمينية والعلاجية بنظم العلاج الشامل بدلا من دفع مقابل لكل زيارة او عملية او فحص, مما سيحقق الجودة وحسن معاملة المريض والتنافس علي ذلك بين الاطباء. اخيرا ينبغي التنويه الي ان قطاع التعليم وكذا قطاع الصحة هما علي دراية كاملة بالمشاكل والصعاب المطروحة, ومعلوم ايضا انه لدي القطاعين مئات التقارير الفنية والخطط لحل هذه المشاكل المعقدة, لكن السبب في عدم حلها هو: اننا عادة نحاول وضع خطط عاجلة وسريعة لمشاكل تراكمية علي مدي عشرات السنين بدلا من خطط عملية وعلمية طويلة المدي.