في غمرة الإنشغال بالأحداث المتتابعة علي الساحة بمصرنا المحروسة يبدو الطرح الخاص ببرنامج المائة يوم الأولي في الأداء الرئاسي وكأنه بسبيله للانحسار أو الظهور الباهت في خلفية المشهد السياسي الآني و الذي يوافق بلوغ المنتهي المئوي المزعوم. ومما لاشك فيه أننا في غمرة حالة اليأس المتمكن منا سنين عددا قد غالينا في رد فعل عكسي في التعلق بأهداب برنامج الأيام المائة أملا في الخلاص من مشكلات بلغت من تكلسها حدا دفع البعض لمعالجتها بأسلوب التشكيل أو إعادة الصياغة علي طريقة صخرة أبو الهول ما دامت الإزالة مستعصية علي الحل. الواقع فإن قلة النضج السياسي من جانب و المغالاة في الاتكاء علي العصا الحريرية في توجيه المجتمع باسم الدين قد أوقعت أطراف المعادلة جميعهم في لغط ما كنا ببالغيه لو وضعنا الأمور في نصابها دون تهوين أو تهويل. إذ إنه من المعروف بداءة أن المحددات الزمنية للإنجاز تمثل ركنا أصيلا في الوعود الإنتخابية علي أساس أن التكوين النفسي للناخب دائما ما تستهويه المكتسبات القريبة التحقق علي الأطروحات الإستراتيجية بعيدة المدي, و لما كانت مصر قد بلغت فيها المشكلات حدا يستوجب المسارعة في الحل منعا للتفاقم أو الإحتقان, فقد ارتكنت قطاعات عريضة من المجتمع علي الأمل الذي داعب مخيلتها في حلول من خلال برنامج المائة يوم الأولي سواء فيما يتعلق بالمرور كأحد مفردات المنظومة الأمنية أو النظافة كمدخل طبيعي للوقاية توفيرا للعلاج أو الوقود بأنواعه المختلفة و بإنعكاس أزمته علي مناحي الحياة برمتها مثالا لا حصرا. بيد أن واقع الأمر قد إتجه بالدفة لمنعطف آخر بعيدا عن المستهدف بالوعد في المائة يوم علي المستوي التنفيذي و التشريعي و القضائي فضلا عن التسويغ الإعلامي, إذ نجح الرئيس في القضاء علي إزدواجية السلطة المؤرقة للمعنيين بالمشهد السياسي بحكم خطورة تداعياتها علي القرار السياسي داخليا و خارجيا, كما استخدم حقه التشريعي في إلغاء الإعلان الدستوري التكميلي في حين ترك قضية دستورية المجلسين النيابيين و التأسيسية في ساحة القضاء, و بقدر ما حققت هذه التوجهات من شعبية لشخص الرئيس بقدر ما جاء الأداء التنفيذي في ضوء البرنامج المئوي مخيبا للآمال, إذ لم يشعر المرء بأية حلول بادية في الأفق لا سيما بعدما جاءت المطالبة بالمشاركة الشعبية تحت شعار( وطن نظيف) بأثر عكسي عندما شعر المواطن و كأن الحكومة تحمله جزءا من أعبائها بدلا من أن ترفعها عن كاهله, وفي ذات الوقت فقد جاء التسويغ الإعلامي علي درجة من السطحية السياسية في الطرح ليزيد الطين بلة, إذ يعلن تارة أن المائة يوم تبدأ بتولي الحكومة الجديدة مهامها ثم يأتي إعلان آخر بأن المئوية المنشودة إنما تهدف لطرح منطلقات الحلول دون الحل في ذاته وهكذا دونما إدراك لخطورة مثل هذه التصريحات علي مصداقية النظام الجديد برمته أو علي إنحسار الشعبية الرئاسية المكتسبة. حتي نصل إلي كلمة سواء نقول لبني الوطن أن الإسراف في التفاؤل مصيره عكسيا الإستغراق في التشاؤم, كما أن إنتظار المن و السلوي مردود عليه بأن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة, ومن ثم سيظل الأعبد فينا من بات كالا من عمله و عرف أن اليد المجهدة من مشقة العمل يد يحبها الله, أما الذين توسدوا إمرة العباد و أصبحوا مستأمنين علي مقدرات الوطن فليدركوا جيدا أن توليهم سدة الحكم بإسم كتاب الله قد ضاعف عبء المهمة لكون الإبطاء في الإنجاز قد يأتي بأثر عكسي علي البعد الديني في الثقة المكتسبة من جانب فضلا عن إهتزاز الرهان في ترسيخ الإستمرار بعد كسب معركة الإستقرار من جانب آخر, و من ثم فما الضير من الإستفادة من تجربة المائة يوم الأولي بتبني مائة ثانية تستهدف التركيز علي مشكلة بعينها بغض النظر عن قضية الأولويات لكون كل مشكلاتنا ذات أولوية تعادلية, الأمر الذي من شأنه أن يعمق الثقة بين المواطنين والحكام ويستنهض الهمم للعمل مادام الوعد قد تحقق أملا في مئوية تالية, إذ إن الناس كانوا و سيظلون دوما علي دين ملوكهم. كلية الآداب- جامعة الإسكندرية المزيد من مقالات د. حسن السعدي