قررت أن أحاول الحصول علي غرفة للعناية المركزة في خلال خمسة أيام.. اليوم الأول الاثنين.. استيقظت مبكرا.. وأخذت التقارير الطبية والأشعة .. دخلت مستشفي أم المصريين في تمام التاسعة.. وطلبت مقابلة أحد المسئولين عن قسم الرعاية, فقالت لي الممرضة بالنص: لو بتدور علي غرفة عناية مركزة فوت علينا بعد سنة! قلت لها: ليه؟ فأجابت ان المستشفي بجلالة قدره فيه خمسة أسرة فقط للعناية المركزة وعليها حجوزات تصل الي أكثر من عام.. كما أن مبني العناية المركزة الذي كان يضم5 غرف عناية مركزة تم هدمه منذ5 أشهر تقريبا, ولن يبدأ العمل به إلا بعد اعتماد ميزانية جديدة أي بعد ثمانية أشهر, وأضف سنة للتشغيل والتجهيز! الساعات مرة طويلة في الانتظار والمحاولة.. ذهبت في محاولة يائسة لمقابلة مدير المستشفي لكن دون جدوي, فالطابور أمام مكتبه طويل جدا, عدت مرة أخري الي قسم الرعاية حاولت الحديث الي الأطباء, الذين نصحوني بعد عراك طويل وأنا ألتمس لهم الأعذار.. أن أتوجه الي مستشفي الهرم فربما أجد هناك مكانا شاغرا. في اليوم الثاني, استجمعت ما تبقي لدي من قوة وذهبت الي مستشفي الهرم وكان غاية في الهدوء والروعة, الكل يستقبلك بابتسامة الي أن بادرت بالسؤال عن غرفة للعناية المركزة لحالة خطيرة أريد نقلها من مستشفي خاص وللقسم الاقتصادي, ما ان قلت هذا حتي تغير كل شيء وتبدل الهدوء وكأني فجرت قنبلة في وجه الجميع, كل واحد منهم بحث عن شيء يلهيه.. وقال لي أحدهم ان غرفة العناية المركزة بها طوابير في الانتظار ومنهم من يلقي حتفه قبل أن يصل إليه الدور, وأخذني لأري بنفسي بعدما أخبرته أنني قادم اليهم بكارت توصية من أحد وكلاء وزارة الصحة الذين قصدتهم لمساعدتي في الحصول علي غرفة للعناية المركزة, صحيح قال لي وكيل الوزارة ان هذا أمر صعب لكن خذ توصية وحاول أن تحصل بنفسك علي غرفة. ودخلت مع الشخص المتعاون الي غرفة العناية المركزة, ووجودنا الأسرة كلها مشغولة بحالات مختلفة, ووجدت من دونهم رجلا يجلس علي كرسي ويتلقي العلاج جالسا, فسألته: لماذا؟ فأخبرني أنه كانت هناك حالة صعبة جدا فقرر أن يضحي بسريره ويتلقي العلاج علي مقعد لان حالته أصبحت أفضل قليلا وترك السرير لصاحب الحالة الصعبة, وهذا نموذج من ضمن الحالات التي نقابلها يوميا, فهناك أزمة شديدة في غرف العناية المركزة, سكت الرجل قليلا, ثم التفت الي قائلا وأعطاني رقم تليفون أحد الأصدقاء في مستشفي خاص بالدقي ربما يستطيع أن يدبر لي سريرا منخفض التكاليف, اتصلت به إلا أن تليفونه كان غير متاح لفترات طويلة!! في بداية اليوم الثالث توجهت الي بعض المستشفيات الخاصة ومعي الاشاعات والأوراق, الي مستشفي خاص بالدقي, وسألتهم عن غرفة عناية فكانت الاجابة أسرع مما توقعت: أهلا وسهلا المريض مع سعادتك؟ وضغطت الممرضة علي زر الجرس.. وطلبت شخصا ما ليحضر سريرا بغرفة العناية بسرعة, فطلبت منها أن تتمهل قليلا, قلت لها أريد فقط أن أعرف الأسعار, فقال: ولا يهمك يا افندم أهم حاجة حياة المريض, فنحن نقدر قيمة الوقت خاصة في الحالات الحرجة, مش مهم الفلوس ادفع فقط10 آلاف جنيه تحت الحساب ونحن سوف نقوم بمراجعتك يوميا, فقلت معلهش هو بكام اليوم؟ قالت لو حضرتك تصر, اليوم للغرفة يبدأ من4 آلاف جنيه, حسب الحالة وممكن يوصل8 آلاف جنيه غير الأدوية والخدمات واشراف الأطباء والتمريض يعني اليوم من6000 الي10000 جنيه وكررت السؤال: هو المريض فين؟! انصرفت من أمامها دون أن أشكرها, لاني شعرت بأن هناك حالة تربص واستغلال للمرضي وظروفهم, خاصة أنه اذا كانت الحالة الحرجة التي ستدخل الرعاية المركزة ليس لديها ما يكمل علاجها سوف يلقون بها الي الشارع لتلقي مصيرا مجهولا. قررت أن أذهب الي مستشفي آخر حكومي في اليوم التالي معلنا عن شخصيتي الحقيقية لأنها الفرصة الأخيرة, ذهبت الي مستشفي6 اكتوبر بالدقي, وعلي الباب وجدت العشرات من المنتظرين للعلاج.. ومنهم4 حالات تبحث عن سرير الحياة في الرعاية المركزة, وصلت الي أطباء العناية المركزة وأخبرتهم بأنني أبحث عن سرير للعناية المركزة بعد ما أخبرتهم بأنني صحفي واحاول الحصول علي سرير لأحد أقاربي, فأجابوا علي الفور ونحن أيضا نبحث عن أسرة للعناية المركزة لأكثر من300 حالة شهريا, أرجوك ساعدنا في انقاذ آلاف من المصريين, فالامكانات ضعيفة للغاية, وعدد غرف العناية في مصر كلها قليل جدا بالنسبة لحجم المستشفيات وطاقتها فهذه مشكلة قومية وليست مشكلة وزارة الصحة, فلابد من فتح باب التبرعات لغرف العناية المركزة فورا, فلو كل شخص تبرع فقط بأربعة أو خمسة جنيهات وسوف نستطيع في كل عام اضافة100 غرفة عناية مركزة بها500 سرير في مختلف أنحاء مصر. انتهي اليوم الخامس للأسف دون أن أحصل علي سرير في غرفة عناية مركزة, لانقاذ حالة المفترض أنها تصارع الموت منذ الساعات الأولي في اليوم الأول, استخدمت كل الحيل المشروعة في الحصول علي غرفة عناية ولكنني قاربت علي الفشل, وفشل معي أيضا الآخرون. ذهبت الي الجريدة.. لكن قبل أن أختتم تجربتي نصحني أحد الأصدقاء بالاتصال بمركز الخدمات الطارئة والحالات الحرجة بوزارة الصحة علي رقم137.. العملية سهلة كل ما عليك أن تطلب الرقم, قررت أن أجرب بنفسي, اتصلت, ردت رسالة مسجلة, تفيد بأن المركز يسجل المكالمات وأنه في حالة المعاكسات سيتم الغاء خط التليفون وملاحقتك قانونيا, تعجبت من فكرة معاكسات الطوارئ, بعد دقيقة ردت فتاة مهنية, طلبت منها أن توفر لأحد أقاربي غرفة رعاية مركزة, ردت هي فين الحالة: قلت في مستشفي خاص, قالت لماذا ترغب في نقلها؟.. رددت طبعا لان المصاريف باهظة وان دخلي لا يسمح بذلك, قالت نريد أن يقوم طبيب الرعاية بالاتصال بنا ويشرح لنا الحالة, وبعدها سنقرر اذا كانت لدينا غرفة أم لا؟ فقلت لها ان طبيب الرعاية ربما لا يرغب في إجراء هذه المكالمة لإنه مستشفي خاص فهل من الممكن أن أحضر اليك تقريرا عن الحالة؟ فأجابت بالنفي لابد من مكالمة الطبيب! وقالت: انت لازم تكون عارف أن مستشفيات الحكومة امكاناتها ليست جيدة وأن هناك ضغطا شديدا علي غرف العناية المركزة, كما أن هناك حالات من الصعب أن نقبلها نهائيا مثل الحالات التي تحتاج الي تدخل جراحي أو تحتاج الي عمل منظار أو التي تحتاج الي غسيل كلوي.. فنحن ليس لدينا امكانية لذلك, أرجوك عد الي الطبيب في الرعاية واخبره بأن يتصل بنا لنقرر.. قلت لها وهل بعد الاتصال سننقل في نفس اليوم, قالت الله أعلم احنا بنعمل اللي علينا وربنا يسهل هتسيب بياناتك واحنا سوف نقوم بالاتصال بك فور توفر غرفة عناية مركزة. .. ربما تكون هذه هي بارقة الأمل الوحيدة في الحصول علي سرير الحياة لكنها في النهاية تحتاج الي ضربة حظ لتحصل عليه.. وتحتاج منا الي كثير من التبرع لتوفر لنا أسرة في الحياة المركزة.