إضراب الأطباء الأخير ألقى الضوء على أوضاع الصحة فى مصر، خاصة فى المستشفيات العامة. الوحدة الصحية الريفية فى أساس الهرم الصحى فى مصر، والمفروض أنها تتكفل بعلاج كل المرضى باستثناء الحالات الحرجة والخاصة، التى يتم تحويلها إلى مستشفيات «التكامل». مستسشفى التكامل مرحلة متوسطة بين الوحدة الريفية والمستشفى المركزى، لكن الواقع جعلها تقوم بدور الوحدة الصحية، وبدورها تحول الحالات الصعبة إلى المستشفى المركزى. فى أعلى الهرم الصحى نجد المستشفى الجامعى، المؤهل لاستقبال أى حالة مهما كان تعقيدها، لكن الزحام وظروف عمل الأطباء الصعبة وقلة الإمكانيات أحيانا تحول دون ذلك. إضراب الأطباء وضع «تحسين أوضاع المستشفيات» على رأس المطالب، وهنا رحلة مع أحد المرضى نكشف من خلالها عن حقيقة ما يجرى داخل أروقة هذه المستشفيات للمريض، وللطبيب أيضا. فى المدخل كانت البوابات مفتوحة على مصراعيها أمام الساحة الكبيرة التى توسطت المكان، دخلت «سميحة» تحمل يد والدها المريض على كتفها، ذراعها الضعيفة لم يقو على إسناد العجوز الهزيل قبل أن يسقط على الأرض من شدة الاعياء، تركته جانبا وانطلقت مسرعة تبحث عن كرسى متحرك تنقل عليه طريح الأرض إلى أقرب طبيب. اللون الأصفر الذى صبغ وجه الابنة من الخوف، لم يغيره عثورها على الكرسى المتحرك ولا دخولها تلك الردهة الطويلة التى تسمى «الاستقبال»، إنما ظل محتلا ملامحها طوال رحلة بحثها عن طبيب، فكلما ألقت نظرة داخل الغرف الضيقة المتراصة فى الاستقبال والمكدسة نوعا ما بالمرضى، ازداد وجهها اصفرارا. على الكرسى المتهالك جلس «عم ابراهيم»، ومن خلفه وقفت «سميحة»، التى ما إن اصطدمت برجل يرتدى بالطو أبيض، نادته على الفور «الحقنى يا دكتور»، نظر الطبيب إلى يد العجوز المتورمة، والجرح السطحى عليها وسأل ابنته «إيه اللى حصل؟»، روت له الابنة كيف وجدت أباها المدخن الشره ملقى على كرسى البيت غير قادر على التنفس وقد تورمت يده اليمنى بشكل جعلها تشك أن جلطة أصابته. وعن الجرح قالت «ما قدرتش اشيله فسقط على الأرض وجرحت يده»، نادى الطبيب الشاب على الممرض وأخبره أن المريض يحتاج إلى بعض التحاليل السريعة وتتطلب حالته جهاز تنفس صناعيا وعناية مركزة. مستشفى التكامل مع ذكر العناية المركزة تلاحقت دقات قلب سميحة وامسكت بيد والدها، لأن وقع الكلمة جعلها تتذكر ما قالته لها طبيبة مستشفى التكامل التابعة لقرية «بطرة». «يا ستى المستشفى هنا مفيهاش وحدة عناية مركزة وانا ماقدرش اتحمل مسئولية حالة أبوك، روحى على المركزى». لم تستوعب سميحة وقتها رد الطبيبة، ولم يتفهم عقلها عدم إمكانية مستشفى ليس صغيرا، يخدم قرية كبيرة، يتهرب من مسئوليته تجاه مريض. لكن الواقع فرض على سميحة وعلى مستشفى «بطره» أن يكون «مستشفى تكامل»، أى أنها فى مرحلة متوسطة وفق تقسيم وزارة الصحة بين الوحدة الصحية والمستشفى المركزى، فلا يستقبل سوى حالات بسيطة للغاية لا ترتقى لمستوى حالة عم إبراهيم. مستشفى طلخا المركزى كبير نوعا ما، ردهاته واسعة بما لا يتناسب مع ضيق غرفه التى لا تتسع الواحدة منها سوى لثلاث أسرة، لا توجد بينها فواصل للخصوصية، غرفة العناية المركزة بها مجهزة بشكل متوسط، لكن المفاجأة التى يصطدم بها أى مريض هو أنه أيضا لا يستقبل سوى حالات معينة خاصة بأمراض القلب فقط، لكنها غير مستعدة لحالات طارئة من نوعية فشل الجهاز التنفسى أو الجلطات. المستشفى المركزى تجهيز المستشفى المركزى المحدود هو العقبة الجديدة التى واجهت سميحة ووالدها، فوزارة الصحة لا تعترف بتلك المستشفيات على اتساعها وموقعها الجغرافى الذى يخدم عددا لا بأس به من القرى المحيطة، على أنها مستشفيات يمكنها معالجة الحالات الحرجة أو الطارئة وبالتالى فإن تجهيزها محدود، وعلى المتضرر اللجوء للمستشفى التعليمى أو الجامعى. المسافة بين مستشفى طلخا والآخر الجامعى ليست كبيرة لكنها معقدة وطويلة بزحام مرورى شديد، لأن الأخير يقبع فى قلب مدينة المنصورة تقريبا، فالطريق الذى يستغرق عشر دقائق مشيا على الأقدام، يحتاج بالسيارة إلى أكثر من ساعة إلا ربع، إذا كانت الحالة المرورية منتظمة بعض الشىء، أما غير ذلك وفى الغالب فقد يمكث المتجه إلى مستشفى الطوارئ ساعة ونصف الساعة، تموت فيها أرواح وتحيا أخرى. فى اللحظة التى واجه فيها الطبيب سميحة بحقيقة وضع والدها الصحى، ووضع المستشفى المتراجع، ظهرت الصورة سوداء مظلمة أمام عينيها، فالمظهر العام لها وللعم ابراهيم ينبئ بما لا يدع مجالا للشك بالحالة المادية المتدنية التى يعانون منها. «سميحة» لا تملك بين يديها سوى «شبشب» قديم يخص والدها الممدد على سرير الاستقبال، لا تقدر على تحمل تكاليف العلاج وربما يكون من الصعب عليها نقله للمستشفى الجامعى. خوف الابنة الفطرى على والدها ورغبتها فى إنقاذه وضيق ذات اليد وعدم تجهيز المستشفى، كانت الدوافع وراء انفجارها فى الطبيب الذى حاول المساعدة بأقصى الامكانيات، «هوه الغلبان فى البلد دى يموت يعنى؟ ربنا ينتقم منكم. انتم مش دكاترة». سيل من الإهانات والدعوات على الطبيب، جعلته يتركها ويغيب بين صفوف المرضى، لأنه فى النهاية «ما بيده حيلة». ولأنها كانت أمام خيارين كلاهما مر، إما أن تتبع الطريق الرسمى فتحصل على ورقة تحويل من المستشفى، وتنتظر قدوم سيارة إسعاف من أقرب نقطة نجدة قد يستغرق وصولها ساعتين دون أن يقدم المستشفى معدوم الامكانيات لوالدها شيئا، أو تتجه هى مباشرة للمستشفى وليس معها إلا الله. عادت سميحة وحيدة مع والدها الذى بدأ يغيب عن الوعى شيئا فشيئا، بعد أن استغرقت رحلته حتى تلك اللحظة أكثر من 7 ساعات، فى خارج المستشفى نظرت اليه وراحت تحدثه حتى لا يذهب بعيدا، أسندته إلى كتفها ثانيا لأنها غير مسموح لها الخروج بالكرسى المتحرك، وراحت تبحث عن وسيلة مواصلات سريعة تنقلها للمستشفى الجامعى. ساعدها عدد من أولاد الحلال المقيمين والعاملين بجوار المستشفى، دبروا لها سيارة تنقلها ل«مستشفى الطوارئ جامعة المنصورة»، لكن الزحام كان شديدا، فمظاهرة أمام مديرية أمن الدقهلية أوقفت المرور ساعات وحولت الطرق وأحدثت ارتباكا شديدا. أصوات هتافات أمناء الشرطة المتظاهرين أمام المديرية تطالب بالعدل والحق، ونظرة لعم ابراهيم الراقد بجوارها يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، فجروا دموع «سميحة» التى طال بها مشوار نجدة والدها. ما يقرب من ساعة ونصف اعتذر خلالها سائق السيارة التى تقل المريض من كل من حوله آلاف المرات، على الحركات الاكروباتية التى حاول بها الخروج من الزحام لإنقاذ من معه، ليتوقف أخيرا أمام المستشفى الجامعى. المستشفى الجامعى على باب المستشفى المغلق وقف رجل أمن يحول دون دخول المتجمهرين أمامه، «المريض ومعاه مرافق واحد بس»، هكذا كان يصرخ فيهم مؤكدا أنه لو سمح بدخولهم جميعا لن يصبح مستشفى، سمح بمرور عم ابراهيم مستندا على ذراع ابنته، لتصعد به السلالم المؤدية للاستقبال وتبدأ رحلة جديدة فى البحث عن طبيب. زحام جديد فى عيادات الاستقبال لكنه زاد على الحد هنا، عدد من الأسرة خارج غرف الكشف، كل منها عليه مريض منتظر، ضاقت به الغرفة شديدة الضيق التى لا تسع سوى سريرين فقط، فاضطر الثالث للبقاء خارجها. استلقى عم إبراهيم على كرسى، لكن سميحة سئمت الانتظار، تركته وراحت تدخل الغرف بلهفة وتتحدث إلى كل من يرتدى بالطو أبيض. «أبويا عيان أوى وقالولى لازم يدخل عناية مركزة». لا أحد يجيبها، اضطرت للامساك بطبيبة شابة كانت تتجول بين المرضى. العدد الكبير المتواجد بالعيادات أصبح منطقيا لسميحة وللحالات التى على شاكلتها، فالمستشفيات المركزية التى لا تختلف كثيرا عن مستشفيات التكامل أو الوحدات الصحية بالقرى، تقوم بتحويل أغلب الحالات إلى المستشفى الجامعى لأن إمكانياتها لا تسمح بعلاجها، غير أن عددا آخر من المقيمين فى نطاق المستشفى يتوجه اليها مباشرة، بالإضافة إلى آخرين لا يثقون أصلا فى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بالمقارنة مع المستشفيات الجامعية، وهذا ما يفسر حالة الضغط الشديدة التى تعانى منها المستشفى وأطباؤها. شكل الغرف الضيقة والمرضى بخارجها أعاد إلى ذاكرة سميحة ذلك اليوم الذى اضطرتها فيه الظروف لدخول العيادات الخارجية بمستشفى أجا المركزى، كانت تعانى من آلام بالقولون، وفى غرفة لا تتعدى مساحتها 8 أمتار مربعة، بسرير واحد ومكتبين ومروحة سقف تعمل بالكاد، وستارة تغطى نصف سرير الكشف المتهالك والممزق، وطبيبة تستقبل حالتين معا، ولا تكتب فى تذكرة الكشف سوى بعض أدوية الصداع والكحة المتوافرة فى العلاج المجانى، سألت الطبيبة «آخد الدوا ده بس يا دكتورة؟»، وبنبرة منخفضة أجابتها «لو تقدرى تجيبى غيره اكتبه لك»، ولأنها لا تقدر استخدمت دواء للمغص. بسماعة حول العنق توجهت الطبيبة إلى حيث يجلس والد سميحة، استمعت إلى نبضه، وإلى كلام الابنة المتدفق فرحا بالحصول على الطبيبة، الا أن رد الأخيرة اوقف ذلك التدفق «أنا هاجيب لك دكتور». قاطعتها قبل أن تكمل: أمال انتى إيه؟. ردت الشابة وهى تغادر المكان بسرعة «أنا امتياز». لم تفهم سميحة معنى الامتياز ولن تدرك يوما أن ذلك الامتياز هو طبيب فى السنة النهائية بالكلية، وأنه بدلا من أن يكون قادرا على تطبيق ما درسه طوال السنوات الماضية لا يمكنه سوى قياس الضغط للمريض كأى ممرض بالمستشفى. لحقت بالطبيبة متسائلة «رايحة فين يا دكتورة الحقى أبويا اعملى معروف»، طمأنتها وقالت «أنا هاجيب لك دكتور رعاية حالا». بعد أن استمع نائب الرعاية المركزة لشرح الحالة من الابنة، وكشف مبدئيا على العجوز، طلب من ممرض إحضار سرير لنقل عم ابراهيم عليه، وإمداده بالتنفس الصناعى، وسأل سميحة وهو متوقع الاجابة «تقدروا تدفعوا مبلغ تحت الحساب؟»، أجابته «احنا ناس غلابة يا دكتور»، أومأ برأسه متفهما ثم قال «ياريت نلاقى له سرير فاضى فى العناية المجانية». العناية المجانية 15 سريرا هى قوة غرفة العناية المركزة المجانية، تحتلها حالات لا تملك ما تدفعه للعلاج، وحالات مشابهة كثيرة لا تجد مكانا، راجع الطبيب كل الأسرة فاكتشف أنه من حسن حظ سميحة خلا سرير واحد بوفاة صاحبه، فحجزه الطبيب لعم إبراهيم. حالة غرفة العناية المجانية تختلف تماما عن الاقتصادية، فبين الأسرة البالية والأجهزة قليلة العدد وضيق الغرفة نسبيا بحيث لا تتوافر معها الخصوصية، أصبحت العناية المركزة أشبه بحجرات الاستقبال، لكن الجميع ينظر اليها فى النهاية بمبدأ ليس فى الإمكان أفضل مما كان فالغرفة مجانية. «التذكرة ب25 جنيها»، كررت سميحة رد موظف الاستقبال عندما سألته عن مصروفات الدخول للمريض المجانى على نفسها، وبقيت الأسئلة بلا اجابات، من أين تأتى بالمبلغ وبيتها الآن أصبح على بعد ساعات طويلة من المستشفى؟، وهل بالبيت مبلغ مشابه؟. كيف تتصرف وحالة أبيها لا تحتمل تأجيل دخوله؟. ولماذا يحكم عليها القدر بأن توضع فى هذا الموقف وهى من عاشت مرفوعة الرأس رغم عسر الحال؟. قبل أن تبحث عن حلول، فوجئت بيد ممدودة لها بالتذكرة وصوت هو الأفضل عندها فى تلك اللحظة يقول «روحى الاستقبال وكملى البيانات». كانت طبيبة الامتياز الشابة بعد أن جمعت لها المبلغ من زملائها. الدواء من الخارج التشخيص المبدئى لعم ابراهيم كما كتبه نائب العناية المركزة، صدمة تسممية أدت إلى فشل فى وظائف الجسم وخصوصا الكبد، وهو ما يفسر تورم ذراعه بسبب ارتفاع نسبة السيولة فى الدم، وتحتاج حالته لجهاز تنفس صناعى وأجهزة أخرى لضخ الدواء بنسب معينة، و3 أمبولات فى اليوم ثمن الواحدة يزيد على 100جنيه. القاعدة تقول إن العلاج فى مصر مجانى، والدكتور سمير رضوان وزير المالية أكد أن ميزانية وزارة الصحة زادت نصف مليار جنيه لمجانية الدواء، لكن الواقع مختلف تماما، فالعلاج الذى يحتاجه عم ابراهيم أو غيره من الحالات التى تتطلب أدوية يزيد ثمنها على 20 جنيها لا تدخل ضمن الدواء المجانى، لذلك فإن أهل المريض متواضع الحال يكون أمامهم خياران، الأول وهو ما يحدث غالبا أن تصرف له المستشفى دواء بديل أقل تكلفة وأقل فاعلية، والثانى أن يشترى الدواء اللازم على نفقته الخاصة إذا كانت لديه نفقة. فى حالة سميحة ووالدها فإن الخيار الأول هو المتاح ولا بديل عنه، فإذا كانت طبيبة الامتياز استطاعت تدبير 25 جنيها من زملائها، فمن يستطع تدبير أكثر من 300 جنيه يوميا، ولا أحد يعرف متى سيخرج عم إبراهيم، وما المدة التى سيستغرقها العلاج؟ «الدوا ده هيجيب نتيجة يا دكتور؟»، بيأس تسأل الطبيب، وباليأس ذاته وإشارة إلى أن العلم عند الله يجيبها دون كلام، تجلس القرفصاء خارج غرفة الرعاية المركزة، لأن المقاعد المتاحة للزائرين لا تكفى، فى انتظار ميعاد الزيارة التالى، تدخل لتطل عليه وتقف بجواره وتهمس له «ياما قلت لك يا ابا كفاية تدخين حرام عليك صحتك أنا ماليش غيرك ماسمعتش كلامى، عرفت بقى أن الغلبان فى البلد دى يموت»، تظل تذكره بأن كثرة تدخينه هى السبب وأنه ألقى بنفسه وبها الى التهلكة، لكنها تعود لتعذره، «أنت كنت معذور الحالة كانت ضنك والعيشة بالكاد كنت بتخرج همك فى السيجارة». تدعو له بالشفاء وهى متيقنة أنه فى عالم آخر، خصوصا بعد أن أكد لها الطبيب أن نسبة النجاة فى تلك الحالة مع توافر الرعاية الصحية المتميزة لا تتعدى 50%، تضع كل آمالها وأحلامها فى قبلة على يديه وقبل ان تستعد للخروج تباغتها ضغطة من يد والدها الرقيقة التى أعياها الزمن والفقر والمرض على يدها لتعيد لها الأمل. ادّعاء الحكومة الكاذب حذر مركز الأرض لحقوق الإنسان فى تقرير بعنوان «الوضع الصحى فى الريف المصرى»، من أن الحكومة تأخذ من نصيب الوحدات والمراكز الطبية الحكومية المسئولة عن علاج الفقراء، لتنفق على ما تسميه العلاج على نفقة الدولة، فيتحمل الفقراء جميعا تكلفة علاج نسبة من الفقراء، وتتركهم يعانون من معدلات النقص الشديد فى مستلزمات الخدمة الصحية فى الوحدات الريفية. وفى التقرير ذاته حذر المركز مما سماه «ادعاء الحكومة الكاذب» الذى تروجه عبر وسائل إعلامها، بأنه فى إطار برنامج وزارة الصحة للاصلاح الصحى، تؤكد دائما أنها توسعت فى علاج غير القادرين على نفقة الدولة، إلا أن معدلات النقص فى مستلزمات الخدمة الصحية من أدوية ومعدات واخصائيين توضح مصدر ما تنفقه الحكومة على علاج غير القادرين، بل وعلاج الشخصيات العامة التى ترسلها للخارج ضمن نفس البرنامج، وتكسب الحكومة عن طريق ذلك الكثير من الدعاية لنفسها كراع للحق فى الرعاية الصحية. فى صحة مصر فى بلد هو الأول عالميا فى نسبة الاصابة بفيروس C، ويحتل مكانة عالية بين الدول فى نسبة مرضى الكبد، والسرطان، بالإضافة إلى منافسته القوية فى معدلات الاصابة بالفشل الكلوى وأمراض السكر والضغط والقلب والشرايين التاجية، تأتى ميزانية الصحة فيها كل عام على نحو مثير للدهشة، حيث لا تتجاوز نسبة 4% من إجمالى الموازنة العامة، لتظل مصر فى المركز 66 على مستوى الصحة فى العالم وفق منظمة الصحة العالمية. اعتبر تقرير لمركز الأرض عن الوضع الصحى فى مصر، أن الدولة تخلت عن دورها فى كفالة الحق فى الرعاية الصحية، وهو ما أوضحه قدر الإنفاق العام على الصحة، حيث بلغ 1.8% عام 2004، ونقص عام 2006 إلى 1.3%.. وأكد التقرير أن تراجع الميزانية أدى إلى تدهور نوعية الخدمة الصحية فى المراكز والوحدات الصحية الحكومية، رغم توفرها، حيث بلغت نسب النقص فى مستلزمات الخدمات الصحية فيها: - نقص الأدوية: 52% فى الحضر، 82% فى الريف - نقص المعدات: 51% فى الحضر، 70% فى الريف - نقص الاخصائيين: 36% فى الحضر، 80% فى الريف وأكد التقرير أن تلك المعدلات الكبيرة من النقص بالإضافة الى عوامل أخرى مثل انخفاض مستوى الأداء، وعدم وجود أجور حافزة على العمل، والسلوك السلبى للقائمين على وحدات العلاج الحكومية، هو ما أدى إلى انصراف المستفيدين من الخدمة الصحية عن المراكز والوحدات الطبية الحكومية، إلى وحدات الخدمات الصحية التى توفرها الجمعيات الأهلية فى المساجد والكنائس. وشدد التقرير على ارتفاع معدلات الاصابة بالسرطان فى مصر وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، حيث تمثل نسبة الإصابة بالمرض فى مصر حوالى 150 حالة لكل 100 ألف نسمة سنويا، وتتراوح بين 100 و110 آلاف حالة سنويا. من جانبها رصدت منظمة الصحة العالمية رقم 42 ألف شخص سنويا، للذين يموتون بالسرطان فى مصر، بنسبة تصل إلى 11.3% من عدد المصريين، وهو ما اعتبرته المنظمة مهددا بكارثة على وضع مصر الصحى بحلول عام 2020. 54 مليون مريض هو عدد المترددين على المستشفيات الحكومية خلال عام 2010 وفق إحصائية الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، 16 ألف مواطن على مستوى الجمهورية يصابون بالسل أو الدرن سنويا حسب البرنامج القومى لمكافحة السل.