لعبت كرة القدم وما زالت تلعب دورا مهما في الترفيه عن الشعوب, ونشأ لها اتحاد دولي يطلق عليه البعض دولة الفيفا لما لهذا الاتحاد من نفوذ. وقد عملت دولة الفيفا علي تدعيم مركزها عن طريق العديد من الأنشطة حتي انتشرت الثقافة الكروية في أنحاء الكرة الأرضية حتي أصبحت جماهير كرة القدم تعي جيدا قانون اللعبة بمفرداته الفنية واللفظية, من هذه المفردات العرقلة من الخلف وهو خطأ يلجأ إليه المدافعون ليعرقلوا المنافس حتي يمنعوه من الوصول إلي مرماهم وبصفة خاصة إذا كان هذا المنافس سينفرد بحارس المرمي وقد يسجل هدفا يؤثر في النتيجة النهائية للمباراة. وعقوبة هذه المخالفة في قانون كرة القدم أن يخرج الحكم الكارت الأحمر ليطرد اللاعب خارج خطوط الملعب. تذكرت هذا وأنا استعرض تطورات المشهد السياسي في بلادنا وأحسست أن ثمة مشاركين في الحياة السياسية يلجأون إلي المخالفة نفسها فمنذ استفتاء شهر مارس2011 حول التعديلات الدستورية والتي حظيت بموافقة ثلاثة أرباع المشاركين في الإستفتاء والذي كان الإقبال الجماهيري عليه كثيفا بشكل غير مسبوق, تابع الكثيرون موقف معظم وسائل الإعلام التي لم تعجبها النتيجة وأبرزت بشكل واضح آراء الرموز التي قالت لا, وكان سطحيا أن تتهم هذه الوسائل الإعلامية الذين قالوا نعم والذين روجوا لها بأنهم استغلوا العاطفة الدينية لدي الشعب المصري لتنتزع منهم الموافقة بنعم, رغم أن نعم كانت تعني وقتها المضي قدما في إنشاء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية التي انهارت بعد ثورة25 يناير. هناك أحزاب وقوي سياسية تنتمي في مجملها إلي التيار الإسلامي تعمل بجد ونشاط بين الجماهير, ليس الآن فحسب بل منذ سنوات وأثمر هذا الجهد أكثرية أو أغلبية في عدد المقاعد التي فازت بها تلك الأحزاب في الانتخابات البرلمانية السابقة, وبينما هم مشغولون بذلك تتكون أحزاب أخري وتحالفات تعلن صراحة أنها تسعي لعرقلة الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي, وبعضها يقول بعبارات صريحة سوف نكون معارضة قوية, والمتأمل في المسلكين( محاولة العرقلة وتكوين معارضة قوية) يجد نفسه مباشرة أمام أحزاب وقوي سياسية تعترف صراحة أنها لن تستطيع الحصول علي أغلبية برلمانية تتيح لها تشكيل الحكومة فاكتفت بأحد المسلكين السابقين, وعلي الرغم من أن عرقلة المنافسين سياسيا من أجل الوصول إلي الحكم مشروعة, فإن ذلك يتحقق بأعمال ملموسة تضمن إلتفاف الجماهير حول برامج الأحزاب لكن الذي يحدث وأنتقده هو إثارة الدخان في الحياة السياسية دون تقديم أو المساهمة في إيجاد حلول بديلة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري. وإذا استعرضنا أعمال الهيئة التأسيسية لإعداد الدستور المصري الجديد وجدنا جهودا مخلصة تعمل بجدية من أجل وفاق وطني علي مواد الدستور, وفي الوقت ذاته نجد من يعمل جاهدا أيضا لعرقلة هذا المشروع الوطني الجاد ويحار المرء حينما يجد أن جهود العرقلة تأتي من تيارات متعددة تحاول أن تغرقنا في تفاصيل مكانها الطبيعي هو القانون وليس الدستور, بل إن الأمر تطور إلي أن أعلنت إحدي العضوات استقالتها بعد أن ملئت لجان الجمعية بالجدل تارة والهجوم علي الآخرين تارة أخري حتي وصل الأمر إلي الاستخفاف بهم مما حدي المستشار الجليل حسام الغرياني رئيس الهيئة التأسيسية أن يخاطب الأعضاء قائلا: اسمحوا لي أن أشكرها علي تقديم هذه الاستقالة. عندما أحال السيد الرئيس كلا من المشير محمد حسين طنطاوي والفريق أول سامي عنان إلي التقاعد منهيا بذلك سيطرة المؤسسة العسكرية علي الوضع السياسي في البلاد في خطوة لاقت ارتياحا شعبيا في الداخل و إعجاب بعض قادة الدول في الخارج, وإذا بالبعض ينتقد هذه الخطوة المهمة بزعم أن هذا يعد خروجا مهينا وجرحا لكرامة القوات المسلحة, رغم أن ذاكرة الشعب تتذكر أن المجلس العسكري حاول هو الآخر أن يعرقل الرئيس المنتخب وأصدر قبل جولة الإعادة إعلانا دستوريا مكملا وصف آن ذاك بالمكبل لا المكمل, وإمعانا في محاولة العرقلة تم تعيين كبيرا للياوران ورئيس للشئون المالية والادارية برئاسة الجمهورية وكان ذلك أيضا قبل اعلان نتائج انتخابات الرئاسة. وعلق آخرون علي قرار الاحالة إلي التقاعد بأنه يعد خروجا آمنا رغم الأخطاء التي تستوجب المساءلة, وحار المرء بين الفريقين, لكن الحيرة تزول حينما نستحضر المعني الكامن وراء محاولات العرقلة من الخلف. وتجلت هذه المحاولات إثر زيارة السيد الرئيس لإيران وإلقاء خطاب أمام قمة عدم الإنحياز وقف فيه بشكل مباشر مع الشعب السوري الجريح مناديا بوقف نزيف الدم علي أرض سوريا الحبيبة, وإذا بنا نفاجأ بقول بعض المنتقدين إن هذا يعد استفزازا للإيرانيين في عقر دارهم متذكرين الآن- والآن فقط- الحرص علي علاقاتنا مع إيران والتي تدهورت خلال أكثر من ثلاثين عاما مضت, في الوقت الذي تعد فيه هذه الزيارة صفحة جديدة ومبشرة في ملف العلاقات المصرية الإيرانية. في الأزمات اليومية التي يعاني منها المواطن المصري وبصفة خاصة في الوقود ورغيف الخبز نجد أن موظفين محسوبين علي النظام القديم كبارا وصغارا يتلاعبون ويتاجرون فتحدث الأزمات ويصبح فاعلوها معاول هدم وقد كان مأمولا- بحكم مناصبهم- أن يكونوا في خدمة هذا الشعب الذي عاني كثيرا ولا يزال يعاني. وحسنا سمعنا أنه تم القبض علي اثنين من كبار العاملين بوزارة البترول كانا يتاجران في2 مليون لتر من الوقود خارج منظومة التوزيع التي تكفل وصول هذه السلع الحيوية إلي المواطنين. كل هذا الحشد من المواقف يمكن تفسيره علي أنه محاولات مستمرة للعرقلة من الخلف التي تستوجب الكارت الأحمر, وحتي لا يسيء أحد فهم هذه العبارة فإن الحكم الذي معه الكروت الحمراء والصفراء هو الشعب المصري الواعي الذي هو بحق الحارس الأمين لهذا الوطن ولثورته المجيدة التي غيرت ولا تزال تغير من شكل الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.