الزوبعة التي حدثت بعد إعلان د.ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية اتصاله بالفريق أحمد شفيق قبيل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية سواء كان الاتصال تليفونيا أو مباشرا كانت أمرا طبيعيا في إطار الرؤية الضبابية التي تفرض نفسها علي حياة المصريين نتيجة اختلاط كثير من الأمور. فالدكتور ياسر برهامي رجل دين أراد أن يمارس السياسة كما ينبغي أن تمارس, فالسياسة هي فن الوصول للممكن بأي طريقة, و بمعني آخر الغاية تبرر الوسيلة, ومنطق السياسي ان نبل الغاية يبرر له اتخاذ الوسيلة الملائمة لتحقيقها حتي لو كانت غير نبيلة. من هذا المنطلق أعلن د.برهامي أن اتصاله بالفريق أحمد شفيق كان هدفه حضه علي عدم إقصاء التيار الاسلامي حال فوزه في الانتخابات برغم تأكيده المسبق له عدم دعمه في السباق الرئاسي, وفي المقابل أعلن عن اتصاله بمجموعة من الإخوان للتنسيق معهم, وكان ردهم انهم نسقوا مع المجلس العسكري, ولم نعرف من الذي نسق, وما هو إطار ومضمون التنسيق! وقبل مغادرة هذه النقطة كنت أتمني من الدكتور برهامي أن يطلب من الإخوان نفس ما طلبه من الفريق شفيق, وهو عدم إقصاء التيار المنافس لهم حال فوزهم, فقد فسر بعض مؤيدي الفريق شفيق قراري إحالته لمحكمة الجنايات تفسيرا سلبيا تصفية حسابات ومع العلم ان مقدم البلاغ الخاص بالفساد المالي بالمطار هو أحد نواب مجلس الشعب السابقين عن حزب النور, وهوما ينفي ذلك التفسير السلبي! ولكن في علم السياسة لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك تنسيق ما بين الإخوان والسلفيين علي تبادل في الادوار مقابل منافع مستقبلية رغم الاختلاف الفكري بينهم ؟ فالإخوان يمتلكون من الخبرة السياسية ما يجعلهم يجيدون اللعب بالعديد من الاوراق المتاحة لديهم, والدليل أنه مع إنكار الإخوان عقد اي لقاءات بين اي منهم وشفيق أعلن الإخواني البارز حسن مالك مقابلته لأحمد شفيق وعلي الرغم من مفاجأة الأمر لبعض المتابعين, فإنه سيمر مرور الكرام لحرفيتهم في التعامل مع مثل هذه المواقف, و لن نسمع عن أي أزمات يمكن ان تواجه حزب الحرية والعدالة مثلما حدث مع حزب النور لامتلاكهم المهارات السياسية والأدوات اللازمة لتحقيق اهدافهم وعلي رأس تلك الادوات قوة التنظيم. الزخم الذي أصاب المجتمع السياسي أحد أهم أسبابه الصخب والضجيج الحادث في حزب النور الذي بدأ يجذب اهتمام الناس بانتخاباته الداخلية في إطار من الشفافية, وفجأة نسمع عن أخبار تفتتات وانقسامات داخلية, هل السبب قلة الخبرة السياسية, أم لقاء د.برهامي ود.ثابت بالفريق شفيق, وهل كان هذا اللقاء مبادرة فردية دون تنسيق حزبي؟ ليس من المستغرب ان نسمع مستقبلا أن الاضطرابات الداخلية بحزب النور كانت بفعل خارجي من أجل إضعافه شعبيا, خاصة أن الانتخابات البرلمانية علي الأبواب! ومن ثم يكون من المنطقي أن نعرف قريبا ماهية التنسيق الذي تم بين الإخوان و المجلس العسكري إبان الفترات الماضية التي سبقت الانتخابات الرئاسية, وهل ذلك التنسيق له علاقة بما يسمي بالخروج الآمن للمجلس العسكري من سدة الحكم دون ملاحقة سياسية أو جنائية أمر آخر شديد الأهمية يجعلني أضع علامة تعجب أمام اتصال د.برهامي بالفريق شفيق في ذلك التوقيت, فكل الدلائل طبقا لمؤشرات الفرز التي بدأت فور انتهاء عملية التصويت علي الانتخابات الرئاسية حسب تصريحات جهات عديدة منها الإخوان الذين أعلنوا عن فوزهم بعد بدء الفرز بساعات, خاصة ان الفرز كان يتم داخل اللجان الفرعية وعلي الهواء في بعض الفضائيات تشير إلي فوز الدكتور مرسي, فما الذي أدخل الشك لقلب د.برهامي من صدق كل تلك المؤشرات وجعله يخشي فوز الفريق شفيق ولذلك سعي للاتصال به وتحذيره من إقصاء التيار الإسلامي حال فوزه! أخيرا لا يمكن أن أوجه أي لوم للدكتور برهامي علي اتصاله بالفريق شفيق من منطلق حرصه علي مصلحة التيار الذي يمثله, ولكن من وجه اللوم له هم من نظروا إليه علي أنه الداعية السلفي الكبير, وهنا تظهر خطورة أن يمارس رجال الدين بما يمثلونه من قدوة حسنة في نظر محبيهم أدوارا سياسية ذات الطبيعة البراجماتية و التي تخالف الطبيعة الدينية ذات المفاهيم الثابتة, و التي تختلف مع مفهوم الغاية تبرر الوسيلة! من ثم تأتي أهمية فصل الدين عن السياسة فالجمع بينهما يفرض علي الناس حالة من الالتباس الشديد, وبناء عليه إذا كان حزب النور سياسيا فقط و ليس دعويا يمارس السياسة أو العكس فلا يوجد أي خطأ ارتكبه أحد أعضائه بالاجتماع بالفريق شفيق في أي وقت حتي لو كان الآن, و كذلك الأمر بالنسبة لحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين, لابد أن يكون حزبا سياسيا فقط لا دخل له بالدعوة الدينية, ولأعضائه فقط حق العمل السياسي أو الحديث فيها, إنها أحكام السياسة والتي لابد من العمل وفقا بها! المزيد من مقالات عماد رحيم