هذه اليوميات التي كتبها المصور الإيطالي كارمينيه كارتولانو باللغة العامية تثير دهشتك وإعجابك وضحكاتك أيضا بكلماتها البسيطة البريئة التي تحمل مع ذلك عمقا وتأملا ليس بالقليل. وكارمينيه الذي يقوم بتدريس اللغة الإيطالية هنا في القاهرة قرر أن يكتب يومياته بطريقته الخاصة جدا. ليس بعين سائح أوروبي يزور القاهرة حاملا فوق أكتافه كاميرا يلتقط بها الصور هنا وهناك ويدردش مع أهلها بلكنة أوروبية مدعومة ببعض الكلمات العربية, بل بعين رجل إيطالي عاش في مصر.. أحبها واقترب من أهلها وناسها.. وتعرف علي طباعهم وخصالهم وعاداتهم. في جمل بسيطة وقصيرة. وكلمات معدودة.. استطاع هذا الرجل أن يعبر عن أحلام المصريين.. ويجسد كذلك آلامهم ومشاكلهم وكل تلك الأشياء الصغيرة التي تعتمل في صدورهم.. تفاصيل الحياة اليومية تجدها هنا في هذه اليوميات. مصر وأهلها وناسها البسطاء هنا بين السطور والكلمات. ابتسم واضحك للقفشات السريعة التي يسجلها هذا المصور الإيطالي.. يا ألهي.. كيف استطاع أن يقتحم كل هذه( الخصوصيات) المصرية ويصبح( واحدا مثلنا)؟! بدا لي وكأنه قد القي بعيدا بكاميرا السائح بل وتخلي عنها نهائيا وأمسك بفرشاة وأخذ يرسم رسومات كاريكاتيرية تجسد معها الشخصية المصرية بكل تفاصيلها وأبعادها وتناقضاتها. فعل ذلك بحب وتلقائية. فدخلت كلماته القلب مباشرة. هكذا دون مصطلحات أو نظريات أو عبارات معقدة يستخدمها الخبراء والمنظرون في تحليلاتهم ودراساتهم نجح كارمينيه في أن يقدم لنا( مشهدا) مصريا خاصا جدا, حيث تلتقي عبره الثقافتان المصرية والإيطالية فتكسبه مزيدا من الثراء والعمق. يتأمل الكاتب هنا كلمات المصريين ولغتهم اليومية الدارجة في فصل بعنوان أبجدية المصريين: أهلا وسهلا في كل مكان وطول الوقت. أهلا وسهلا حتي لو مش أهلا وسهلا لو حد بيقول لك ثانية وحدة بس أحسن تقفل التليفون أو تمشي وتجرب في وقت تاني. لما المصري ما يقدرش يساعدك هيقول لك ربنا معاك وإنت هترد عليه بد ربنا يخليك بالرغم من كل ده المشكلة هتفضل موجودة. أتفضل شاي أحلي عزومة هي بتاعة سواق التاكسي اللي بيعزمك علي الشاي الكشري بتاعه وهو بيشربه في وسط الزحمة بكرة وإن شاء الله وربنا يسهل يعني لا. ماشي وكله تمام مع إن ما فيش حاجة تمام وما فيش حاجة ماشية. كل سنة وانت طيب من غير مناسبة وفي أي وقت.. ويمضي كارمينيه في رسم ملامح الشخصية المصرية بريشته الخاصة الساخرة والعاشقة في الوقت نفسه للمصريين: الشخصية الفهلوية التي تتبرع لك بمعلومات مضللة. لاستعراض العضلات أو حتي لمجرد ألا تقول معرفش الضحك علي السائحين وخداعهم وأحيانا سبهم اعتمادا علي أنهم لا يفهمون اللغة العربية, الطيبة والسماحة والجدعنة والشهامة المصرية المعروفة. يسجل أيضا الكاتب حواراته مع سائقي التاكسي وذلك( الجدل) الذي يدور حول( ثمن) التوصيلة والعداد الذي لا يعمل دائما والحوار الذي يسبق أي مشوار يقول: في مصر سواق التاكسي بيختار الزبون مش الزبون اللي بيختار التاكسي. ولأن كارمينيه مدرس للغة الإيطالية للطلبة المصريين, يلجأ اليه البعض لاستعارة( جملة غزل إيطالية) لزوم معاكسة حسناء إيطالية, في فصول بالكتاب بعنوان كازانوفا يقدم الكاتب( إسكتشات) لمواقف ضاحكة يصيغها بلغته الساخرة والثاقبة والتي دائما تترك خلفها ابتسامة علي الشفاة. مصريانو.. يوميات ايطالي في حب مصر ومشاهد حقيقية لناسها وشعبها وأهلها البسطاء الطيبين.. صادرة عن دار العين.