سوف يذكر التاريخ بأحرف من نور, وكلمات من ذهب, وسطور من ضياء, جهد وصبر ومعاناة هذه الكوكبة الرائعة من رجال ونساء مصر الشرفاء, الذين يواصلون العمل الدءوب في الهيئة التأسيسية, لإعداد دستور مدني عصري يليق بمصر الحرة الناهضة. وسوف يذكر التاريخ كيف قام هؤلاء الأبطال العظام بهذا الإنجاز الرائع, وسط أجواء سياسية متوترة, وإعلامية فاسدة, وقانونية متربصة, دون أن يضعف ذلك من عزيمتهم وهمتهم, أو يؤدي إلي إحباطهم وفشلهم, بل يواصلون العمل بالليل والنهار, ويضحون بكل ما يستطيعون من وقت وجهد وعرق, ويشاركون بالعلم والخبرة والحوار والنقاش الجاد, في صياغة حلمنا القادم, وفاء لمصر وشعبها وأمتها وتاريخها وحضارتها ومستقبلها, وأملا في غد أكثر إشراقا للأجيال القادمة. هي إذن المرة الأولي في تاريخ مصر, التي يكتب فيها الشعب دستوره, من خلال الأعضاء المائة والخمسين, الذين فتحوا باب المشاركة أمام جميع الفئات والتيارات, بعد أن حاولت جهات كثيرة إعاقة إعداد دستور يشارك في صنعه الإسلاميون, علي الرغم من فوزهم بالأغلبية البرلمانية في أول انتخابات حرة, وضغط بقايا العلمانيين واليساريين وبعض مدعي الليبرالية, من أجل هدم التأسيسية أكثر من مرة, وكاد الأمر أن ينتهي إلي طريق مسدود يسلب الشعب إرادته, ولكن الله سلم. المسألة لم تكن في حقيقتها خلافا بين الإسلاميين وغيرهم علي ماهية الدستور أو أبوابه أو مواده, ولا علي النظام السياسي الذي يمكن أن نختاره لمستقبلنا, ولا علي الإبقاء علي مواد معينة أو إزالتها, ولكنها كانت إرهاقا في الإطار الشكلي, وإظهار الأمر إعلاميا كأن المشكلة هي في تعنت الإسلاميين, أملا في حدوث شيء ما, يمكن أن يقصيهم من المشاركة, ولعل الإسراع بحل مجلس الشعب قبل التفسير الصحيح لنص الحكم, كان جزءا من الحل, الذي سوغه هؤلاء للعسكر. كانت المؤامرة الفاشلة, التي استخدمت فيها أسلحة سياسية وقانونية وفئوية وسلطوية غير أخلاقية, تقضي بتشكيل لجنة تأسيسية أخري, يشارك فيها أناس مختارون بعناية, بعيدا عن إرادة الجماهير, بالطبع من رموز اليسار والعلمانيين ومدعي الليبرالية وداعمي النظام الفاسد, الذين لديهم الاستعداد التام للوقوف في وجه الإرادة الشعبية الحرة, والسطو علي حق أبناء الوطن في اختيار من يمثلهم ويعبر عنهم, ولكنها زالت بفضل الله, بزوال القوة الداعمة لها أو المستفيدة منها. وقبل أن ينتهي شهر سبتمبر الحالي بمشيئة الله, سوف يتاح للشعب المصري الحر أن يقرأ مشروع دستوره الجديد, وسوف يأخذ الجميع الفرصة كاملة للاطلاع عليه, قبل أن يقولوا رأيهم النهائي فيه بكل حرية في استفتاء رسمي عام, وساعتها سوف ندرك جميعا حجم الجهد المبذول فيه من قبل هؤلاء الأبطال المخلصين, وندرك أن عمليات التشويش وإثارة الغبار التي يقودها بدأب بعض الإعلاميين والسياسيين, فشلت تماما في تضليل الناس والكذب عليهم مهما يكن بريقها الزائف. تحية تقدير وإعزاز لكل أعضاء اللجنة التأسيسية, من كل التيارات الوطنية والكفاءات المهنية, والعلماء والدعاة الأجلاء, المشاركين في إعداد الدستور, ولكل الجهات المعاونة والداعمة لها, وعلي رأسها مجلسا الشعب والشوري, علي ما بذلوه من وقت وجهد وعرق, في صبر وإخلاص واحتساب وتجرد, لصنع مستقبل مصر الحرة, ولتحقيق أهداف ثورة الحرية والعزة والكرامة. وليكن إقرار الدستور الجديد هو البداية العملية لإطلاق مشروع النهضة الذي طال انتظاره, ونقطة الانطلاق الحقيقية لدفع طاقات الشعب المصري الإيجابية, من أجل صناعة الحلم الوطني, وبناء مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا, ورسم معالم مرحلة جديدة في تاريخنا, يشارك الجميع في صنعها, فالوطن والحاضر والمستقبل ملكنا جميعا.