مما لا شك فيه أن أمن الخليج هو أمن للمنطقة العربية كلها وقد أثبتت الأحداث الجسام التي مرت بها تلك المنطقة علي مدار العقود السابقة, وما شهدته من صراعات وصدامات علي غرار حربي الخليج الأولي والثانية, أن أحوال منطقة الخليج الأمنية والإستراتيجية تنعكس سلبا وإيجابا ليس علي العالم العربي فقط وإنما علي حالة الاستقرار الشاملة في منطقة الشرق الأوسط خاصة والعالم بصفة عامة. وبناء علي ذلك, يأتي التهديد لمنطقة الخليج العربي من خلال عدة أطراف دولية وإقليمية وداخلية. فعلي المستوي الدولي, تتصاعد المخاوف من أطماع الدول الكبري الدولية من ابتلاع ثروات الخليج بل وابتلاع الخليج العربي بأكمله بحكم تمتعه بميزة استراتيجية في موقعه تضاف إلي ثرواته محل الأطماع, وهو ما يبدو واضحا في صور عدة بدء من تهديد حدوده وتهديد ثرواته وعلي رأسها البترول وتعكير صفو أمنه وتكديره بإثارة القلاقل السياسية والمذهبية والإثنية لخلق مبررات وهمية وحجج باطلة للتدخل في شئون دوله الداخلية, الأمر الذي يثير علامات استفهام عديدة حول كيفية مواجهة تلك الأطماع الخبيثة في ظل الأهمية الإستراتيجية للخليج ومدي إمكانية نجاح التصدي لها خاصة في ظل التغيرات السياسية الحساسة التي تشهدها المنطقة. وعلي المستوي الإقليمي, كانت إيران وما زالت مصدر تهديد وعدوان علي منطقة الخليج العربي, بدءا بإيران الصفوية ومرورا بإيران الشاهنشاهية وانتهاء بإيران آيات الله, فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت علي حكم إيران كان يراودها حلم السيطرة علي منطقة ودول الخليج العربي. وتستغل التقارب المذهبي مع الشيعة في بعض بلدان الخليج, لإحداث قلاقل واضطرابات داخلية لا تحمد عقباها. وبالإضافة إلي ذلك تحتل ثلاث جزر إماراتية حتي هذه اللحظات, ولا تريد أن تفتح باب التفاوض حولها, كما ستكون منطقة الخليج في خطر حقيقي في حالة نشوب حرب بين إسرائيل وإيران أو توجيه ضربة عسكرية استباقية لتدمير البرنامج النووي الإيراني. أما علي المستوي الداخلي, فقد تمثل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة مصدر تهديد لا يقل عن المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية. كما يأتي التطرف الديني والمذهبي, وهو ما تعمل إيران علي تغذيته, وكلها سياسات تصب في جانب التفرقة والتفتيت خاصة في ظل تديين السياسة والحياة العامة ومحاولات استغلال الدين وتفسيراته لاغراض سياسية. ويضاف إلي التهديدات الداخلية, تلك المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي, فعلي الرغم من أن السعودية والكويت وقطر والإمارات من أغني دول العالم, لكن أكثر من90% من احتياجاتها الغذائية تستوردها من الخارج بحسب بيانات صادرة عن المؤسسة الفكرية البريطانية' رويال يونايتد سيرفيس'. وفي الواقع, يمكن مواجهة هذه التهديات عن طريق مسارات ثلاثة:* المسار الدولي, ويتمثل في إقامة علاقات دولية متوازنة مع جميع الأطراف, ليس فقط الولاياتالمتحدةالأمريكية, ولكن أيضا مع تلك القوي البازغة في النمو عالميا مثل الصين والمانيا واليابان وروسيا, مع التأكيد دائما علي أن دول المنطقة ليست طرفا في نزاع مع احد أو تقف مع طرف ضد طرف آخر. بمعني مغاير, تبني سياسة الحياد الإيجابي مع جميع الأطراف الدولية لتجنب الدخول في حسابات دولية معقدة. المسار الثاني يتمثل في التحرك إقليميا من خلال تأكيد ضرورة إقامة علاقة طبيعية وسلمية مع إيران شريطة عدم تدخل إيران في الشأن الداخلي العربي, وحل مشكلة الجزر الإماراتية, خاصة في ظل تنامي التعاون الاقتصادي الخليجي الإيراني. ومن جانب آخر التأكيد علي ضرورة حل مشكلة الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية فقط ومن خلال المنظمات الدولية. المسار الثالث, يتصل بالتهديدات الداخلية, والذي يحتم علي دول المجلس أن تبادر إلي تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل, والاهتمام بقطاعات الثقافة والتعليم, إذ أن دول الخليج بحاجة إلي نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قادر علي الخروج من الموروثات السلبية المؤثرة علي تماسك المجتمع, وطرح معطيات جديدة تتناسب مع مستوي التحولات التي تمر بها المنطقة.