الشعب يسأل الي متي سنظل في دوامة لعبة التفسيرات القانونية والدستورية وكلام خبراء الدستور والقانون المتعارضة والمتصادمة, فكل من هب ودب أصبح خبيرا دستوريا وقانونيا يفتي ويفسر أحكام الدستور والقانون علي هواه بعلم وبغير علم, تماما كما واجه الرئيس أنور السادات قبل حرب أكتوبر فتاوي خبراء الاستراتيجية العسكرية, لدرجة أن الشعب كله أصبح يتحدث في المسائل العسكرية بما لا يعرف أو يفهم, وعاشت البلد في ضباب الي أن فاجأ السادات الكل بنصر أكتوبر المجيد. ونقول الآن الي متي سيظل الوطن في ارتباك سياسي وصراع قانوني ودستوري وسياسي بسبب رجال القانون واتجاهاتهم المتضاربة والمتصادمة, والكل يفسر القانون والدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا, علي هواه, وبأغراض لا تهدف إلا للسيطرة علي الواقع السياسي وعلي تحقيق أغراضه السياسية. وقد أصبح ترزية القوانين وما أكثرهم من كل الاتجاهات يفصلون القوانين حسب أهوائهم ومصالحهم, فدخلنا في متاهة لا نعرف كيفية الخروج منها قبل أن يصدر الدستور الجديد الذي يضع الأمور والحقائق الواضحة أمام الشعب. لقد ظهر للأسف نوع جديد من ترزية القوانين وهواة التفسير والتحليل, التي لا ترقي الي وضع الأمور علي الطريق السليم, وتفوق هؤلاء علي ترزية قوانين ما قبل الثورة الذين انتجوا قوانين سيئة السمعة مما أدي الي الكوارث التي عجلت بقيام ثورة25 يناير. والمثير أن ترزية القوانين الجدد, غير مدركين لأهمية التشريع وأصوله وخطورته علي الحياة السياسية والاقتصادية بدأوا يلعبون أدوارهم في تفصيل قوانين مشبوهة أبطلتها المحكمة الدستورية العليا لمخالفتها لأبسط قواعد التشريع, مما أغرق البلاد في جدل قانوني كنا في غني عنه, فكان عدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب الذي صدر حكم المحكمة الدستورية بحله, لان الانتخابات جرت في ظل قانون معيب وغير دستوري كبد الدولة والمرشحين أموالا طائلة, ومازلنا في حالة ارتباك وتوهان في محاولة علاج الموقف الذي أوقعنا فيه ترزية القوانين الجدد, ثم فوجئنا بالقرار الذي أصدره رئيس الجمهورية المنتخب بعودة مجلس الشعب المنحل بالمخالفة لاحكام المحكمة الدستورية العليا, وما نجم عن هذا القرار من نتائج صادمة واتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور وإهدار الأحكام القضائية, واستتبع ذلك قرار بعودة مجلس الشعب المنحل للانعقاد لجلسة واحدة, أحال المجلس بعدها حكم المحكمة الدستورية الي محكمة النقض علي الرغم من أنها غير مختصة, وقضت محكمة النقض بعدم الاختصاص, وأكدت المحكمة الدستورية العليا صحة قرارها السابق بحل المجلس, مما أدي الي احراج رئيس الجمهورية واهتزاز صورته أمام الشعب نتيجة الأفعال التي أوقعنا فيها ترزية القوانين الجدد دون علم أو خبرة قانونية ولأهواء شخصية. وتباينت الآراء القانونية بشأن أحقية رئيس الجمهورية في إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري بعد حل البرلمان, وقبل تنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا, وقال الدكتور إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري إنه لا يحق لرئيس الجمهورية إصدار أو إلغاء أي إعلانات دستورية وأنه عليه الانتظار لحين وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه, وأضاف الدكتور درويش أن الدكتور محمد مرسي استقوي بجماعة الاخوان المسلمين وانصاع لتعليمات مكتب الإرشاد حتي بدت مصر وكأنها تحكم من مكتب الجماعة, فضلا عن سوء اختياره لمستشاريه القانونيين الأسوأ من ترزية قوانين الحزب الوطني المنحل, وشدد الدكتور درويش علي أن الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري, يحرم رئيس الجمهورية من إصدار قوانين أو إعلانات دستورية مكملة, أو إلغاء اعلانات دستورية سبق وأن أقرها المجلس العسكري, بينما أكد المستشار محمود الخضيري رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب حق الرئيس في إصدار إعلان دستوري وإلغاء الاعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري, وقال الخضيري إن الرئيس يحق له إصدار إعلان دستوري مدللا علي ذلك بقوله لا يوجد صاحب حق سوي اثنين, رئيس الدولة باعتباره منتخبا, والشعب لأنه صاحب السلطات, وقال إن المجلس العسكري لا يملك أي حقوق قانونية خاصة عقب انتخاب رئيس الجمهورية, وقال المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض الأسبق يومها, ان الرئيس مرسي وعد في بيانه عقب حكم المحكمة الدستورية العليا بوقف تنفيذ قراره الرئاسي بعودة البرلمان للانعقاد, وأنه سيبحث الأمر مع القوي السياسية والمؤسسات ومجلس القضاء الأعلي لإيجاد مخرج للوضع الحالي, وأشار المستشار مكي الي أن القوانين نوعان أولهما قانون القوة والسيف, والأخير قانون ارادة الشعب, قائلا قانون القوة والسيف هو قانون كل من ليس له سند شعبي. ونقول: حمي الله مصر من ترزية القوانين ووفق ولاة أمورها الي القرار السليم.