"بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    أسعار الذهب اليوم في مصر.. تراجع مفاجئ وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا وسط ترقب السوق    زيلينسكي: لا مؤشرات على استعداد روسيا لإنهاء الحرب    الاحتلال يعتدي على فلسطينيين ومتضامنين أجانب في خربة ابزيق شمال طوباس    برلين تدين الهجمات الإسرائيلية على الصحفيين في غزة    صفعة جديدة على وجه الاحتلال.. قرار صندوق الثروة السيادية النرويجى بسحب استثماراته من إسرائيل إشارة لتغير ميزان الموقف الأوروبى مستقبلا.. حظر الأسلحة على الكيان ضربة موجعة يجب استثمارها دوليا    حقيقة رفض الأهلي عودة وسام أبو علي حال فشل انتقاله إلى كولومبوس    المصري يتعاقد مع الظهير الأيسر الفرنسي كيليان كارسنتي    الأهلي مهدد بخسارة نجميه أمام فاركو    ديانج ينتظر موقفه مع ريبيرو ويؤجل ملف التجديد    منتخبا مصر للناشئين والناشئات يحققان الفوز في ثاني أيام البطولة العربية لكرة السلة    الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات لأعضاء الرياضة في مصر ضمن الاستراتيجية القومية    تضم 14 متهما.. حبس شبكة دعارة داخل نادٍ صحي بالعجوزة    حجز عامل نظافة بتهمة التحرش بسيدة داخل مصعد في الشيخ زايد    دنيا سمير غانم: "أول مرة أقدم أكشن كوميدي وسعيدة بوجود كايلا"    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    الآن رسميًا.. موعد فتح تقليل الاغتراب 2025 وطريقة التحويل بين الكليات والمعاهد    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    رسميًا بعد الانخفاض الجديد. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استبعاد مصطفى شوبير من تشكيل الأهلي أمام فاركو.. سيف زاهر يكشف مفاجأة    طلبات جديدة من ريبيرو لإدارة الأهلي.. وتقرير يكشف الأقرب للرحيل في يناير (تفاصيل)    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    متطرف هاجمته الخارجية المصرية.. 22 معلومة عن وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    تبين أنها ليست أنثى.. القبض على البلوجر «ياسمين» بتهمة نشر فيدوهات خادشة للحياء العام    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    عليك التحكم في غيرتك.. حظك اليوم برج الدلو 12 أغسطس    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    بدأت حياتها المهنية ك«شيف».. 15 معلومة عن لارا ترامب بعد صورتها مع محمد رمضان    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. دعم أوروبي للخطوات الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا.. الأمم المتحدة: مستشفيات غزة تكتظ بالمرضى وسبل النجاة من المجاعة منعدمة.. واستشهاد 13 بينهم 8 من منتظري المساعدات    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    التنسيق يكشف الخطوة التالية ل364946 ترشحوا بالمرحلتين الأولى والثانية 2025    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    نظير عياد يستقبل مفتي القدس والديار الفلسطينية    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    8 سبتمبر نظر دعوى حظر تداول "جابابنتين" وضمه لجداول المخدرات    الشاي الأخضر.. مشروب مفيد قد يضر هذه الفئات    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقه المياه وضرورة التجديد

لايزال فقهاؤنا المعاصرون يقصرون فقه المياه علي مسائل الطهارة والوضوء وغسل الموتي‏,‏ ونري أنهم مقصرون في القيام بواجبهم الشرعي في بيان احكام المياه التي تؤثر بضراوة علي صحة الانسان‏,‏ وسلامته العامة من جراء مشكلات تلوث المياه وناقلات الأمراض التي تسبح فيها وتهدد حياة الإنسان‏,‏ كما تؤثر علي أمنه واستقراره الاقتصادي والاجتماعي من جراء الأعاصير والفيضانات والجفاف‏,‏ أو من جراء قيام شركات متعددة الجنسيات بإنتاج واحتكار المياه الصحية وبيعها لمن يقدر علي دفع ثمن المياه الصحية ليقي نفسه وأهله من الأمراض‏,‏ أو من جراء الحروب والمنازعات المسلحة التي تندلع‏,‏ أو ستندلع في المستقبل القريب بسبب المياه‏.‏
نقول هذا بمناسبة انتهاء اجتماع دول حوض النيل في شرم الشيخ الثلاثاء‏13‏ ابريل‏,‏ والمؤكد أن هذا الاجتماع انفض دون أن يتطرق إلي المباديء الشرعية‏/‏ الفقهية الخاصة بحقوق دول الحوض في المياه‏,‏ أو القواعد التي تضبط استخداماتها‏,‏ أو تأثير المياه وأساليب إدارتها علي البيئة وحقوق الأجيال القادمة فيها‏,‏ أو أهمية الالتزام بأخلاقيات السلوك المائي للأفراد والحكومات‏,‏ وعن خطورة تحويل المياه الي سلعة للضغط علي إرادات الشعوب علي المستويات الوطنية أو الإقليمية‏,‏ وللضغط أيضا علي المجموعات والأفراد علي المستويات المحلية‏.‏ ولم يخطر علي بال أحد من المشاركين أن يتطرق إلي المسائل المطروحة للمناقشة المحلية‏.‏ من منظور فقهي‏/‏ شرعي‏;‏ ليس فقط لغياب هذا المنظور عن أذهانهم‏,‏ وإنما لأن موضوعات المياه ومسائلها ومشكلاتها غائبة تماما عن اهتمامات الفقه الإسلامي الحديث والمعاصر‏,‏ وتخلو منها جميع قرارات المجامع الفقهية الإسلامية علي طول العالم الإسلامي وعرضه‏,‏ ولا تتناولها فتاوي دور الإفتاء الرسمية في أي بلد من بلداننا‏,‏ ولا حتي بيانات وفتاوي مجالس واتحادات العلماء المسلمين‏,‏ داخل الأوطان الإسلامية وخارجها في أوطان المهجر الأوروبي أو الأمريكي‏.‏
حتي لو خطر علي بال أحد المشاركين في ذلك الاجتماع أن يلجأ إلي الفقه ليدعم رأيا له‏,‏ أو موقفا لبلده‏,‏ أو اقتراحا يقرب وجهات النظر بين المختلفين‏,‏ فلن تسعفه مدونات المجامع الفقهية أو الفتاوي الرسمية وغير الرسمية‏,‏ أو الموسوعات الفقهية ذات الأحكام الهائلة‏,‏ وبينما تغص هذه المصادر بأحكام مياه الطهارة‏,‏ وشروط صلاحية الماء للوضوء‏,‏ ومتي يستعاض عنه بالتيمم‏,‏ وما حكم مياه البئر التي سقط فيها فأر هل تجزيء في الوضوء أم لا؟ أو مياه الإناء الذي ولغ فيه الكلب‏,‏ أو حكم التصرف في سؤر المؤمن‏...‏ وغير ذلك من مسائل مياه العبادات‏,‏ وشروط صحتها‏,‏ ولكننا نجد تلك المصادر جافة تماما من فقه المياه في مجال المعاملات‏,‏ وما يهم صحة الأبدان والبيئة والحياة من أساسها‏,‏ وأحوال السلم والحرب المرتبطة بمصادر المياه‏.‏
لم نسمع يوما فقهيا معاصرا يدلي برأي فقهي أصيل في قضايا تلوث المياه والمسئولية الجنائية التي يرتبها الشرع علي الذين يتسببون في هذا التلوث الذي يحصد أرواح كثيرين من الأبرياء‏,‏ وأغلبهم من الفقراء والمهمشين الذين لا يستطيعون الحصول علي مياه صالحة للشرب‏,‏ ولا حتي للاستعمال الآمن في الزراعة أو في المنزل‏.‏
لم يجتهد فقيه واحد‏,‏ ولا مجمع فقهي واحد في حدود علمنا في بيان حكم بناء السدود علي مجاري الأنهار في بلد‏,‏لحرمان بلد أو بلدان أخري من المياه أو لإرغامها علي تسديد فاتورة باهظة لقاء الحصول علي حصة عادلة من المياه تكفي احتياجاتها‏.‏ ولم يجتهد أحدهم ليبين نوع العقوبات التي يرتبها الشرع علي الحكومات والمسئولين الذين يقصرون في صون مصادر المياه‏,‏ وتطهيرها‏,‏ وتوفيرها بالقدر الكافي لجميع المواطنين علي قدم المساواة باعتبار ان الناس شركاء في ثلاثة‏:‏ الماء‏,‏ والكلأ‏,‏ والنار‏.‏ وما الواجب فعله إذا تسببت سياسات حكومية عامة او محلية في إهلاك الأنفس‏,‏ ومن ثم إهدار مقصد عام من مقاصد الشريعة‏,‏ بسبب انتشار البلهارسيا‏,‏ والملاريا‏,‏ وحمي الضنك التي أثبتت البحوث العلمية أنها وليدة المياه الملوثة بملوثات صناعية أو طبيعية‏,‏ وما التدابير الاستثنائية التي يجوز للدولة اتخاذها اذا شعرت بأن مصادر المياه باتت مهددة بخطر داخلي او خارجي؟ وما حكم احتكار الشركات الخاصة‏,‏ والاجنبية لانتاج المياه وبيعها بأسعار مرتفعة لايقدر عليها إلا ذوو الثراء؟ وما حكم استهلاك آلاف الأمتار المكعبة من المياه الصالحة للشرب في ري ملاعب الجولف التي أنشأتها الطبقات المترفة في المدن الجديدة حول كثير من العواصم العربية‏,‏ بينما الفقراء يموتون عطشا‏,‏ او يقعون صرعي الأمراض الفتاكة بسبب المياه الملوثة التي يشربونها‏..‏ الخ‏.‏
المصادر الفقهية الحديثة والمعاصرة تحديدا خالية من أي اجتهادات تتعلق بالقضايا الكبري للمياه في عالمنا المعاصر‏,‏ وما تتسبب فيه المياه من منازعات وحروب تهلك الحرث والنسل‏,‏ وتقضي علي أغلب مقاصد الشريعة المفترض أن تكون حاضرة بكثافة علي جدول أعمال المجامع الفقهية‏,‏ والمجتهدين من العلماء‏:‏ ليستخرجوا في ضوئها اجتهادات يضعونها أمام صناع القرار والمسئولين ويضغطوا عليهم كي يأخذوها في حسابهم وهم يتصرفون في مصالح الناس‏,‏ أو وهم يرسمون السياسات العامة التي تؤثر في مصائر الشعوب والأجيال المقبلة‏.‏
أما المصادر الفقهية القديمة‏,‏ فما فيها من اجتهادات بشأن المياه قد فات أغلبه الزمن‏,‏ ولم يعد صالحا لمخاطبة مشكلات الواقع المعاصر‏.‏ في الفقه القديم إلي جانب باب الطهارة وأحكام المياه في العبادات نجد تفرقة بين ماء الخراج وكان يقصد به الأنهار والقنوات التي حفرها الناس‏,‏ وماء العشر ويقصد به الأنهار التي أجراها الله سبحانه‏,‏ مثل دجلة والفرات والنيل‏..‏ الخ‏.‏ ونجد تأصيلا فقهيا رصينا لما كانوا يسمونه ماء السلطان في مصر مثلا‏,‏ وقصدوا به بلوغ فيضان النيل ستة عشر ذراعا‏,‏ وعندها يجب فتح بوابات الخليج المصري‏(‏ حاليا منطقة أثرية بمصر القديمة‏)‏ ويكون للإدارة أن تحصل الخراج علي الأرض التي ترتوي منه‏,‏ وتسلمه لخزينة السلطان‏,‏ ومن هنا كان سبب تسميته ماء السلطان‏.‏
في الفقه القديم أيضا نجد ما يؤكد أن اجتهادات الفقهاء سايرت تطور الحالة الحضارية‏,‏ وخاصة عندما زاد ارتباط الماء بالعمران المدني‏.‏ وثمة مبادئ عامة يمكن تجديد الفقه المعاصر في ضوئها ومن ذلك أن الأصل في الماء أن يكون ملكية عامة بالنسبة لجميع مصادره السطحية الانهار والبحار والبحيرات وفروعها وقد ألقي الفقهاء علي الدولة المسئولية الأولي في توفير المياه والتكفل بجميع نفقاتها‏,‏ أو بأغلبها‏,‏ حتي تكون متاحة لمواطنيها بالقدر المناسب لاحتياجاتهم‏,‏ وبالنوعية الصحية التي تحقق مصالحهم‏,‏ وتحافظ علي بيئتهم وصحتهم العامة‏.‏ واستقر الفقه القديم أيضا علي مبدأ أساسي هو أن حق الانتفاع من الماء أوسع من حق ملكيته ويلخص هذا المبدأ الرؤية الاسلامية بشأن تنظيم وإدارة واستغلال المياه وتوزيعها بعدالة‏,‏ باعتبارها مرفقا حيويا‏.‏
وبلغ حرص فقهائنا القدامي علي عدالة توزيع المياه الي إنشاء محكمة خاصة للفصل في منازعات المياه‏,‏ وغير معروفة في تجارب الحضارات الأخري‏,‏ سماها الفقاء محكمة المياه وهي كان أول ظهورها في مدينة بلنسية للأندلس في عهد عبدالرحمن الناصر سنة‏318‏ ه ولا تزال آثارها باقية‏.‏
في دراسة قدمتها لندوة‏(‏ فقه العمران‏/‏ مسقط‏3‏ 2010/6)‏ عن فقه إدارة المياه وحماية البيئة في نظام الوقف الإسلامي انتهيت إلي أن الفقه الإسلامي القديم بمختلف مذاهبه قد أدي ما عليه وزيادة في هذا الموضوع‏,‏ وانتهيت أيضا الي أن الفقه الإسلامي الحديث والمعاصر لم يؤد ما عليه في موضوع المياه وقضاياها‏:‏ منذ القرن الثالث عشر الهجري‏/‏ التاسع عشر الميلادي‏,‏ الي اليوم ونحن في مطلع القرن الخامس عشر الهجري‏/‏ الحادي والعشرين الميلادي‏.‏
فقه المياه بتطبيقاته الواسعة غائب عن اجتهادات الفقهاء المعاصرين‏,‏ والمجامع الفقهية المعاصرة‏,‏ وعن الدراسات الشرعية في المعاهد والكليات الجامعية‏,‏ والعيب كل العيب أن يستمر هذا الغياب أكثر من ذلك‏.‏ وعلي أساتذة الشريعة والفقه بالأزهر أن يبادر بعضهم بتعليم انفسهم وبعض تلامذتهم فن السباحة في بحور فقه المياه‏,‏ خارج الحوض الضيق لفقه مياه العبادات‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.