أخشى أن يتسبب ما حدث ويحدث فى مضيق هرمز - بفعل إيران واستخدام جماعة الحوثيين التى ينطبق عليها الوصف علميا وقانونيا أنها ارهابية تنفذ مخططات أجنبية - فى إلهائنا عن المتابعة الجدية لما يجرى فى السودان ويمثل خطرا كبيرا، فالواقع أن مشكلة السودان لا تزال معقدة رغم التصريحات الوردية التى قيلت أخيرا عن حل الأزمة. ورغم -أيضا- الوسطاء الذين يتدخلون والموجودين فى الخرطوم، بل إنه بسبب هؤلاء وظروف أخرى يضطرب الحال فيما يجرى بالبلد الشقيق لأن أحدا لم يفهم الواقع بجذوره وتداعياته. ومن علامات تفاقم الأزمة أن الوفد الإثيوبى الذى جاء للوساطة عرض استئناف المباحثات بين المجلس الانتقالى العسكرى وبين قوى الحرية والتغيير بأديس أبابا غير أن هذا الاقتراح لم يلق أى قبول بل تم رفضه، بل إن ذلك فتح الباب لمناقشة هوية جماعة الحرية والتغيير وهل يمثلون شعب السودان كله وأكثر من ذلك، فقد بدأ البعض يشكل جماعات من القوى الحبيسة تطالب بأن يكون لها دور فيما يجري، كما تم أيضا رفض اقتراح المبعوث الامريكى الذى وصل إلى الخرطوم مع مساعد وزير الخارجية الامريكية للشئون الإفريقية يسبقه وفد من الخارجية والمخابرات الأمريكية، وأكد الجميع أن أى حل لابد أن يكون على أرض السودان وليس خارجها، وقد تداعت الآراء وتنوعت حول مقالنا بعنوان: السودان بين إشكالية الديمقراطية ومفاهيمها، المنشور يوم الاربعاء الموافق 12 يونيو 2019، واتضح مغزى المقال وهو استمرار المجلس العسكرى إلى حين إعادة ترتيب البيت السودانى بما يسمح وييسر إقامة أحزاب جديدة تعبر عن المثقفين والشباب والمرأة والقوة الحبيسة فى الاتحادات والنقابات وغيرها، لأنه إن جرت انتخابات فى الوضع الحالى فإن الغلبة ستكون للأحزاب التقليدية الموجودة وستبرز الأحزاب التى ترفع راية الإسلام, والذى هو بريء منها والمرتبطة بالتنظيم الدولى الذى تم تنصيب الرئيس التركى رئيسا له، ومن ثم فإنه وبالتعاون مع قطر ومخابرات دول إقليمية وأجنبية يسعى إلى فوز هذه الأحزاب ويدعمها بالمال (وربما بتسريب الأسلحة كما يفعل فى ليبيا ) وذلك انتقاما لسقوط وكشف الجماعة الارهابية التى كانت تحكم مصر ومحاولة إعادة السيطرة من جديد، ليس حبا فى الإسلام وإنما لإشعال المنطقة العربية والافريقية وتمييع هويتها. وهذا يحتم على مصر والعرب كلهم أن يتنبهوا إلى خطر المؤامرة التى تتعرض لها المنطقة والمرتبطة بدفع مركز اسرائيل للإمام فيما يسمى بصفقة القرن وغيرها .وخلال مناقشة واسعة مع نخب سودانية تساءل بعضهم: لماذا لم تعين القاهرة مبعوثا خاصا لمتابعة الموقف فى السودان. وأضافوا أننا نعلم أن القاهرة تتابع ما يجرى فى السودان بكل دقة حرصا عليه، وأن لا مطامع لها فيه، كما أنها تضم كوادر من الذين يفهمون المشكلة السودانية بحذافيرها. فلماذا إذن لم تعين هذا المبعوث لتكون لديه حرية الحركة ومرونة الاتصالات ويكون مشاركا فى الحل وليس مجرد وسيط. وأعترف بأننى فكرت فى هذا منذ اللحظات الأولى وأرى اليوم أنه من الضرورى تعيين هذا المبعوث وأبادر فأقترح أن يكون على مستوى رفيع مثل (وزير الخارجية الأسبق محمد العرابى) والذى أعلم دماثته واهتمامه بقضية السودان فى إطار العلاقات العربية والإفريقية والدولية. وأتصور أن هناك آخرين يمكن أن يساعدوه فى هذه المهمة. واتصالا فإننى أؤيد أن يشكل المجلس العسكرى الانتقالى حكومة فنية ( تكنوقراط) لتسيير شئون البلاد على أن تكون خالية من الاتجاهات الحزبية المتعصبة، وفى هذا أسمح لنفسى بترشيح شخصية سودانية وطنية ليس لها انتماء إلا للوطنية السودانية وأعنى بذلك الوزير السابق المثقف على شمو، وأعتقد أنه قادر بالتنسيق مع المجلس الانتقالى على اختيار بقية الأعضاء وقيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان. إن مصلحة السودان تحتم على المجلس العسكرى ورئيس الفريق أول عبد الفتاح برهان عبد الرحمن ونائبه فريق أول محمد حمدان وسائر الاعضاء أن يصمدوا فى مواقعهم لترتيب البيت من الداخل وإجراء محاكمات عادلة لمن أساء، وصياغة مستقبل أفضل لكيلا تعود البلاد إلى الدائرة الخبيثة، بل تنطلق فى إطار وادى النيل إلى التقدم والاستقرار والأمان . لمزيد من مقالات محمود مراد