الأحداث الساخنة التى تدور حاليًا فى الخليج، والمتمثلة فى ضرب ناقلات البترول، لاينبغى النظر إليها بمعزل عن محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة العربية، وهو هدف تتلاقى فيه رغبة الصهاينة مع أطماع أمريكا وطموحات إيران، ولا يهم فى سبيل تحقيقه أن يتمزق الخليج وتشتعل المنطقة. وعدم إعلان أى طرف مسئوليته عن هذه الأحداث، يكشف بجلاء أن هناك جسًا للنبض وعدم ثقة فى القدرات لدى الفرقاء الثلاثة، بدليل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يبد منها أى رد فعل، باستثناء تحرك غير فاعل لبعض قطعها البحرية، فتصريحات ترامب العنيفة المزلزلة هى بالدرجة الأولى موجهة للاستهلاك المحلي، لكنه عمليًا حريص على ألا يخوض حربًا تكلفه أرواحًا جديدة، وتسبب خسائر للاقتصاد الأمريكي، الذى يعانى مشكلات عدة أبسطها الصدام الاقتصادى مع الصين. وفى تقديرى أن ترامب سوف يفكر ألف مرة قبل أن يخوض حربًا ضد طهران، والأرجح أنه سوف يستغل الأحداث الأخيرة لدفع إيران إلى مواقف أكثر مرونة مع الطلبات الأمريكية، مثل وقف تسليح حركة حماس فى غزة وحزب الله اللبناني، لتأمين الحدود الجنوبية والشمالية للكيان العنصرى فى فلسطينالمحتلة، والتخلى عن دعم الحوثيين فى اليمن، بما يتيح لقوات التحالف إعلان انتصارها وإنهاء الحرب، التى أكلت الأرواح والأخضر واليابس. بالتأكيد أمريكا لن تحارب فقد أخذت درسًا من سقوطها فى مستنقع العراق، وترامب يدرك أن الأمريكيين ليسوا على استعداد لخسارة أرواح أخرى فى حرب جديدة، ولا يختلف وضع نيتانياهو عن موقف ترامب المتردد، فهو يعانى اتهامات بالفساد ولا يملك أغلبية تتيح له اتخاذ القرار، والأهم أن إسرائيل ليست مستعدة لمواجهة مسلحة مباشرة مع إيران، وتدرك أن أى حرب معها سوف تسبب خسائر كبيرة فى الأرواح، وهو ثمن باهظ بالنسبة لدولة قليلة السكان. وإيران بدورها تدرك حقيقة الموقفين الأمريكى والإسرائيلى ولا تريد حربًا، فهى منقسمة إلى أجنحة متصارعة، وتعانى أوضاعًا داخلية صعبة ويعيش اقتصادها ظروفًا قاسية، لذا سوف تسعى للاستفادة من الموقفين: الأمريكى والصهيونى فى الخروج بمكاسب ولو محدودة الأثر، أقلها إنهاء عزلة إيران الإقليمية والحصار المفروض عليها الذى يضيق الخناق على اقتصادها. بعد كل هذا ما هو الموقف العربي؟ إن الأطراف الثلاثة لايعنيها العالم العربى فى قليل أو كثير، فهى تعلم حالة التشرذم التى عليها العرب، وتدرك أنهم سوف يقفون موقف المتفرج، منتظرين أن تقرر الدول المتصارعة, برعاية من القوى الكبري, وضع الدول العربية وحدودها، على ضوء صفقة القرن التى يسعى كوشنر صهر ترامب لفرضها فى نوفمبر المقبل، والتى لا تلبى الحد الأدنى من المطالب العربية المشروعة. إن ما يحدث اليوم فى الخليج من معاناة دوله وفزاعة إيران،هو ثمرة ترك العراق القوى ينهار. لمزيد من مقالات أسامة الألفى