الأولى على الإعدادية بالفيوم: القرآن وأمي سر تفوقي.. وأمنيتي أن أصبح طبيبة أسنان    بالصور.. محافظ الجيزة يفتتح معرضًا للحرف التراثية والمنتجات اليدوية    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس هيئة التنشيط السياحي    مجلس حكماء المسلمين يدين التفجير الإرهابي بكنيسة في دمشق: ينافي كل الشرائع السماوية    وزير خارجية تركيا: بإعلان إسطنبول أسمعنا صوت العالم الإسلامي للجميع    الزمالك يعلن إطلاق أكاديمياته في الإمارات    مشاجرة بسبب خلافات سابقة تنتهي بقتيل في عين شمس    حفل محمد حماقي بموازين.. تلقى هدايا أبرزها العلم المغربي وتيشيرت وكرة الاتحاد    الداخلية السورية: داعشي فجر نفسه في كنيسة مار إلياس بدمشق    عواصف ترابية متوسطة بالوادي الجديد    وزير المالية يكرم مجموعة طلعت مصطفى وكيانات اقتصادية بارزة لدعم جهود تحديث المنظومة الضريبية (فيديو)    بحضور وزير التعليم العالي.. تفاصيل الجلسة العامة لمجلس الشيوخ اليوم| صور    كرة القدم فى زمن ترامب وإنفانتينو!    البنك المركزي: تعطيل العمل بالبنوك الخميس 3 يوليو بمناسبة ذكرى ثورة 30 يونيو    خبير استراتيجي: إيران لن تجلس على مائدة المفاوضات وهي مهزومة    قرار وزارة جديد يُوسع قائمة الصادرات المشروطة بتحويل مصرفي مُسبق عبر البنوك    وزارة النقل: جار تنفيذ 17 محورا مروريا على نهر النيل    رياضة القليوبية تناقش ضوابط انعقاد الجمعيات العمومية بمراكز الشباب    «مبقاش تحليل.. ده خناقة».. الغندور ينتقد سيد عبدالحفيظ وميدو بسبب لاعبي الأهلي    بسباق الصناعة النظيفة.. الحزام الصناعي الجديد بالأسواق الناشئة يتجه لتجاوز أكبر اقتصادات العالم    مزاح برلماني بسبب عبارة "مستقبل وطن"    المشدد 5 سنوات ل عامل هدد فتاة بنشر صورها على «فيسبوك» بالقليوبية    جثة ومصاب سقط عليهما سور حمام سباحة فيلا بالرحاب    وظائف خالية اليوم.. المؤسسة القومية لتنمية الأسرة تطلب أفراد أمن وسائقين    «ميدان ملك القلوب».. وزير الصحة يشهد حفل الإعلان عن تدشين تمثال السير مجدي يعقوب    تأملات فى رواية «لا تدعنى أرحل أبدًا»    خبير للحياة اليوم: الضربات الأمريكية عكست جديتها فى عدم امتلاك إيران للنووى    5 أبراج تحب الليل والهدوء.. هل أنت منهم؟    محمد شاهين برفقة الطفل على من تكريم أبطال لام شمسية ويعلق عليها: روح قلبي    الأزهر للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك محرم يهدر الحقوق ويهدم تكافؤ الفرص    عميد قصر العيني يعلن إصدار مجلة متخصصة في طب الكوارث    للتوعية بالموت القلبي المفاجئ.. وزير الصحة يشهد إطلاق مبادرة "بأيدينا ننقذ حياة"    دراسة صادمة: أضرار غير متوقعة للقهوة سريعة التحضير على العين    جوارديولا يكشف عن وجهته المستقبلية    "اشتروا هدوم وكوتشيات".. رسالة قوية من شوبير على خروج لاعبي الأهلي من المعسكر    مشوار استثنائي حافل بالإنجازات .. ليفربول يحتفي بمرور 8 سنوات على انضمام محمد صلاح وبدء رحلته الأسطورية    بدء أعمال جلسة الشيوخ لمناقشة ملفات التنمر والتحرش في المدارس    رئيس "الشيوخ" يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة -تفاصيل    "حماة الوطن": اختيار المعلمين المؤهلين ضرورة لبناء جيل قادر على تطوير مصر    رئيس جامعة الأقصر تزور الجامعة الألمانية بالقاهرة    إيرادات السبت.. "ريستارت" الثاني و"في عز الضهر" بالمركز الثالث    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع الأمين العام للاتحاد الافريقي    محمد علي مهاجمًا محمد حسان بسبب إقامته عزاء لوالدته: تراجع عما أفتيت به الناس في الماضي    "انفجار أنبوبة غاز السبب".. النيابة تحقق في حريق سوق فيصل    23 أغسطس.. الحكم على 19 مسؤولا بشركة طيران كبرى في قضية اختلاس أموال وتزوير    ضبط المتهمين بتسلق طائرة هيكلية في الشرقية    وزير التعليم العالي ومجدي يعقوب يشهدان بروتوكول بين جامعة أسوان ومؤسسة أمراض القلب    هيئة الرعاية الصحية تطلق برنامج "عيشها بصحة" لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    الكهرباء تحذر: 7 عادات يومية ترفع فاتورة الكهرباء في الصيف.. تجنبها يوفر الكثير    خامنئي يبدأ مسار تسليم الراية.. كيف تختار إيران مرشدها الأعلى؟    "حياة كريمة" تقترب من إنجاز مرحلتها الأولى بتكلفة 350 مليار جنيه.. أكثر من 500 قرية تم تطويرها و18 مليون مستفيد    غسلو 90 مليون جنيه.. سقوط شبكة خطيرة حاولت تغطية جرائمها بأنشطة وهمية    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    وزير الخارجية الإيراني: واشنطن انتهكت القانون الدولي وإيران تحتفظ بحق الرد    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقود رمز وليست سلعة

تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بقدرته علي التعامل مع البيئة المحيطة من خلال الرموز‏.‏ ففي رحلة البشرية التاريخية اكتشف العقل البشري عددا من الرموز التي زادت من كفاءته في التعامل مع هذه البيئة مع تعميق التعاون بين أفراد الجماعة البشرية‏.‏ لعل أول وأهم هذه الرموز هو ظهور اللغة. فاللغة هي, في نهاية الأمر, مجموعة من الأصوات, ولكنها رموز تعبر عن معان وأحاسيس يمكن أن تنتقل بين الأفراد والجماعات. فهذه الرموز الصوتية هي أداة للتواصل الاجتماعي. واللغة ليست مجرد أصوات غريزية, كما هو الحال فيما تصدره الحيوانات من أصوات للتعبير عن احتياجات بيولوجية, ولكن اللغة هي تعبير مجتمعي متطور وتختلف من مجتمع لآخر, كما تزداد غني وثراء مع التقدم في كل مجتمع.
لكن المجتمعات لم تتوقف في تطورها عند اكتشاف اللغة, إذ لم تلبث أن إكتشفت الكتابة التي هي رموز من الخطوط والرسوم لترجمة هذه اللغة المنطوقة. ومع إكتشاف الكتابة خطت البشرية خطوات وقفزات إلي الأمام بتسجيل ذاكرة المجتمعات ومن ثم حفظ تجارب الأجيال وخبراتها المتراكمة. وفي داخل اللغة وضع الإنسان لغة منطقية علمية مما مكنه من خلال علوم الرياضة (وهي رموز منطقية) من وضع أسس الثورة العلمية والتي دفعت بدورها إلي التقدم البشري في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية.
لا يقل أهمية عما تقدم ما اكتشفه الإنسان من رموز للتعامل الاقتصادي, وذلك من خلال ظهور مفهوم النقود ومن ورائها الأصول المالية. وكغيرها من الرموز, فإن النقود لم تظهر فجأة وبشكل كامل, ولكنها تطورت ولاتزال لتأخذ أشكالا جديدة أكثر كفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة. ولعل من أوائل ما واجه الإنسان في رحلته التاريخية للتقدم الاقتصادي هو اكتشافه أهمية التعاون مع الآخرين بالأخذ بنوع من التخصص وتقسيم العمل. ومادمنا نتحدث عن التخصص وتقسيم العمل فلابد وأن تظهر ظاهرة المبادلة. وجاءت النقود لتسهيل التبادل بين الأفراد. فالنقود هي وسيط يحصل بها البائع علي كمية من النقود مقابل سلعته لكي يستخدمها في المستقبل لشراء سلعة أخري. ولكن القضية لم تقتصر علي التبادل المكاني بين مختلف الأفراد, وإنما ظهرت أهمية التبادل في الزمان. فأنت تدخر جزءا مما توفره من حاصلات بعد الحصاد لكي تستهلكه في فترات لاحقة. وهكذا ظهر مفهوم الادخار. ومع التطور وظهور أهمية أدوات الإنتاج اتضحت فكرة الاستثمار بتصنيع الآلات والأدوات لزيادة الإنتاج. وهكذا أصبح التعامل الاقتصادي يتطلب المبادلة في المكان بين الأفراد من ناحية, والمبادلة في الزمان بتوظيف المدخرات ووضعها تحت تصرف المستثمرين من ناحية أخري.
قد تطلبت احتياجات التبادل في المكان أو في الزمان إلي ظهور رموز متعددة للتعامل الاقتصادي تساعد في هذه العمليات. وقد أخذت هذه الرموز شكل النقود ثم أضيف إليها العديد من الأصول المالية من أوراق تجارية أو أوراق المالية. وبذلك ظهر إلي جانب الاقتصاد العيني الذي يتعامل مع السلع والخدمات, قطاع جديد من الاقتصاد المالي الذي ينطوي علي رموز تساعد علي تداول الموارد الاقتصادية فيما بين الأفراد( التبادل في المكان), أو فيما بين الحاضر والمستقبل بالإدخار والاستثمار (التبادل في الزمان). وهكذا نري أن التقدم البشري قد تحقق من خلال إكتشاف رموز متعددة. فكما ترتب علي ظهور الرموز الصوتية (اللغة) أو الرسومات والخطوط (الكتابة) دفع الحضارة الإنسانية خطوات هائلة, فقد ساعدت الرموز الاقتصادية من أصول مالية وفي مقدمتها النقود, علي تحقيق قفزات هائلة في الإنجاز الاقتصادي, الذي ما لبث أن إنعكس في تحقيق مزيد من الحريات والعدالة الاجتماعية.
إذا كانت النقود, وكذا الأصول المالية المختلفة, هي رموز لتداول الموارد الاقتصادية في المكان أو الزمان, فهل تعتبر النقود سلعة مثل باقي السلع؟ كلا, النقود ليست سلعة, بل هي حق علي السلع والخدمات كافة يتيح لحاملها أن يبادلها للحصول علي ما يريد مما هو معروض للبيع من السلع. ومن هنا نقول بأن النقود هي قوة شرائية عامة. أما السلعة فهي ما يشبع حاجة الإنسان مباشرة, وهذه هي السلع الإستهلاكية, أو ما يساعد علي إنتاج هذه السلع (الآلات مثلا), وهو ما يعرف بالسلع الرأسمالية. وعلي العكس فإن النقود لا تشبع, بذاتها, حاجة للمستهلك, كما لا تستخدم مباشرة في العملية الإنتاجية, ولكنها تمكن حاملها من الحصول علي ما يشاء من السلع في المكان أو الزمان المناسب له. فلا يمكن الإستفادة من النقود إلا بإنفاقها واستبدالها بالسلع. ونظرا لأن النقود ليست من السلع, فإنها لا تدخل ضمن الناتج الإجمالي للاقتصاد القومي. يترتب علي التفرقة بين النقود والسلع إختلافات في طبيعة العلاقة مع السوق. فالسلع تمر بالسوق مرورا عابرا لكي تستقر عند المستفيد النهائي ولا تعود إلي السوق مرة أخري إلا إستثناء (بيع الأشياء المستعملة). أما النقود فإنها تدخل السوق لكي تبقي فيها فهي تنتقل من يد إلي أخري, ولكنها مستمرة وموجودة دائما بالسوق لا تخرج منها وإن تغير حاملها. فالسوق بالنسبة للسلع هي مرحلة عابرة قبل الإستقرار عند المستفيد النهائي, ولكن هذه السوق هي بالنسبة للنقود مستقر لها وهي حياتها. والنقود ليست فقط وسيلة للحصول علي السلع في الحاضر والمستقبل, ولكنها أيضا مؤشر للمعلومات عن مختلف قيم السلع بل وتتضمن إشارات للتوقع عن الأسعار في المستقبل. كذلك فإن النقود بإعتبارها قوة شرائية في الحاضر والمستقبل فإنها تربط المدخرات بالإستثمارات. فليس من الضروري أن يستخدم المدخر إدخاراته في استثماراته الخاصة بل إنه من خلال التنازل عن مدخراته مؤقتا, فإنه يضع هذه المدخرات تحت تصرف المجتمع لإستثمارها. وقد ساعد ذلك علي زيادة المدخرات والاستثمارات. وأخيرا, فإن قيمة النقود ليست ذاتية وإنما هي مستمدة من حالة الاقتصاد القومي.
وقد تطورت أشكال النقود. فبعد أن كانت سلعة واسعة الانتشار والقبول مثل الماشية أو سلعة نادرة عالية القيمة مثل الذهب, تحولت إلي مجرد سند تصدره البنوك( البنكنوت). وفي العصر الحديث تخلصت النقود حتي من هذا المظهر الورقي, ولم تعد أكثر قيد محاسبي في سجلات البنوك والمؤسسات المالية ينتقل بالشيك أو بالأوامر المصرفية عن طريق الإتصالات الإلكترونية. وكذلك أصبحت النقود أشبه بحقيقة إفتراضية تنتجها مؤسسات الدولة( البنوك المركزية) أو المؤسسات المالية الكبري( البنوك الخاصة). فالنقود لم تعد في الحقيقة سوي مديونية المؤسسات الكبري( الدول أساسا,ولكن أيضا المؤسسات المالية), والتي تحولت بسبب إنتشار التعامل بها لتصبح ديونا علي الاقتصاد القومي ذاته.
نتيجة لهذا التحول في طبيعة النقود( من مادية إلي إفتراضية), فقد تطورت صناعة النقود. ففي الماضي, وحيث تعتمد النقود علي سلعة محددة (خاصة الذهب والفضة), فإن حجم النقود المتداولة كان يتوقف علي إنتاج هذه السلع, ولم يكن له صلة بالسياسات الإقتصادية للدولة. فقد زاد حجم النقود المتداولة في أوروبا بعد إكتشاف مناجم الذهب والفضة في أمريكا. ولذلك كان يطلق عليها آنذاك النقود الخارجيةOutsideMoney, بمعني أن حجم النقود المتداولة خارج سيطرة الدولة. والأن, فإن النقود وقد أصبحت تصدر عن المؤسسات المالية الحكومية( أساسا البنك المركزي), فإن إصدارها أصبح جزءا من النشاط الاقتصادي الجاري ولذلك يطلق عليها الآن, النقود الداخليةInsideMoney. فحجم النقود المتداولة يتوقف علي السياسات المالية والنقدية, وبالتالي فإن قيمة النقود الآن تقع إلي حد بعيد تحت سيطرة الحكومات.
نخلص مما تقدم أن النقود ليست سلعة تشبع الحاجات بشكل مباشر أو غير مباشر, وإنما هي حق علي الاقتصاد القومي أو قوة شرائية عامة تسمح لحاملها أن يستخدمها للحصول علي ما يشاء من السلع المتاحة في السوق في الحاضر أو المستقبل. فالنقود لا تعدو أن تكون أشبه بسند لملكية مستقبله للسلع والخدمات, ولكنها في ذاتها لا تشبع أية حاجة. وأخيرا فإن حجم النقود المتداولة الآن في مختلف الدول لم يعد خارجا عن السلطات المالية والنقدية (كما كان الحال في ظل النقود السلعية وخاصة الذهب), بل أصبح جزءا ونتيجة للسياسات النقدية والمالية للدولة ومؤسساتها المالية.
لكل ما تقدم, هناك محل للتساؤل, هل التعامل بالنقود للإقراض وهي ليست سلعا هو تعامل بالربا أيضا؟ ورغم أنني لا أدعي تخصصا في علوم الفقه, فقد نسب إلي عبادة بن الصامت, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في صدد الربا: الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر. وهذه الأمثلة كلها تتعلق بتبادل بين سلع متجانسة لا تتغير بفعل الزمن. أما النقود فهي رمز اقتصادي وليست سلعة أصلا, وهي قوة شرائية عامة تتغير قيمتها مع الظروف وتتوقف هذه القيمة علي سياسات الدولة وأوضاعها الإقتصادية. فهل التعامل الآجل في النقود هو مثل المبادلة الآجلة للسلع المتجانسة؟. سؤال يتطلب إجابة شافية.
المزيد من مقالات د‏.‏حازم الببلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.