مع غروب شمس يوم11 سبتمبر عام2001 كانت أفغانستان تستعد للدخول في مرحلة جديدة من مراحل تاريخها المدون بالحديد والنار والدم.فقد تعرض أحمد شاه مسعود للاغتيال قبل يومين فقط من ذلك التاريخ وكان هو الأمل الأبرز وشبه الأخير لقوي الاعتدال التي تحالفت في مواجهة حكم طالبان المتشدد المدعوم من تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.ولم تمر ساعات علي هجمات11 سبتمبر2001 إلا والولاياتالمتحدة تعلن تحميل تنظيم القاعدة المسئولية وتعلن عزمها غزو البلاد للإطاحة بنظام طالبان والقضاء علي القاعدة وقادته. ولم يمر أقل من شهر واحد علي ذلك اليوم إلا والولاياتالمتحدة تتزعم تحالفا دوليا لغزو أفغانستان بداية من يوم7 أكتوبر.2001 بعد مرور11 عاما علي هجمات سبتمبر وغزو أفغانستان مازالت الحرب مستمرة وتحولت أرض أفغانستان إلي دوامة لإستنزاف أرواح وأموال وقدرات الولاياتالمتحدة وحلفائها وهو الأمر ذاته الذي حدث عبر التاريخ مع الغزاة البريطانيين والسوفيت. وإزاء الصعوبات التي واجهت الولاياتالمتحدة وحلفائها أثناء العمليات العسكرية وعمليات الكر والفر,التي برع الأفغان في تنفيذها علي مدي تاريخهم, لم تجد واشنطن بدا من الدخول في مناورات سياسية معقدة شملت عمليات متعددة لاستمالة القبائل المختلفة وأمراء الحرب وضربهم بعضهم ببعض وضمان ولاء مجموعات منهم لمساندتها في مواجهة الأفغان الرافضين للغزو الأجنبي لبلادهم. وعلي الرغم من الوعود بالديمقراطية إجراء أكثر من انتخابات وتدشين برلمان منتخب وانتخاب رئيس للبلاد فإن غالبية الأفغان لم يقنعوا بالعملية الديمقراطية الأمريكية الطابع والتنفيذ والهوي بل تثور في أحيان كثيرة مشكلات بين المؤسسات الأفغانية المنتخبة من جانب والولاياتالمتحدة من جانب آخر لتكرار تضارب مصالح الطرفين. ويأتي يوم2 مايو2011 كيوم فارق في الحرب العالمية التي أعلنتها الولاياتالمتحدة علي الإرهاب من جانب وفي الحرب الأفغانية من جانب آخر. فقد أعلنت واشنطن في ذلك اليوم أنها نجحت في قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعد عملية خاصة شنتها في قلب باكستان المجاورة.وفي وقت لاحق تكررت التأكيدات علي ضعف تنظيم القاعدة الأصلي في أفغانستان وتلاشيه التدريجي وعدم قدرته علي تنفيذ عمليات مسلحة فعالة وبالتالي أصبح التواجد الأمريكي والدولي في أفغانستان محل تساؤلات علي المستويين المحلي والدولي.وبدأت تتزايد الضغوط المنادية بالخروج من المستنقع الأفغاني. فقد إحتل التمويل قمة تل العقبات التي تؤرق واشنطن بالإضافة الي عدم توقع الإنتهاء من حشد وتدريب350 الف أفغاني لضمهم للقوات الأفغانية في الوقت الملائم.ووفق التقديرات الرسمية فإن تكلفة تكوين قوة أفغانية بهذا الحجم تقدر ب8مليار دولار سنويا خلال الاعوام التالية علي مرحلة نقل الإشراف الأمني الكامل للأفغان.وفي أفضل الأحوال فإن موارد الحكومة الأفغانية من الضرائب ستتراوح بين2 و2.5مليار دولار سنويا وبالتالي فإن الولاياتالمتحدة ستتحمل باقي تكاليف إعداد القوات الأفغانية لتجنب تحول القوات المسلحة والشرطة الموالية للحكومة الأفغانية إلي جانب طالبان كجزء من مخطط شن تمرد مسلح جديد. الخروج المنقوص وعقب اختفاء بن لادن من مسرح الأحداث وتفاقم الأزمات المالية في الولاياتالمتحدة والدول المتحالفة تسربت أنباء من الرئيس الأفغاني عن وجود مباحثات سلام مع طالبان من أجل وضع نهاية سلمية للصراع,كما تمت الإشارة إلي مشاركة أمريكية في المفاوضات.وفي مارس2012 تم الكشف عن تعثر مفاوضات سرية للسلام مع طالبان وعن جهود تبذلها الأممالمتحدة لإحيائها.ولكن وعلي مايبدو أن الولاياتالمتحدة وطالبان قرر أن تشتركا معا في لعبة شد الحبل السياسية. فخلال شهري مارس وابريل2012 اتفقت الولاياتالمتحدة والحكومة الأفغانية الحليفة لها علي منح الجيش الأفغاني الحليفمسئوليات وصلاحيات أكبر في البلاد.وفي أبريل2012 تم التوقيع علي مسودة اتفاقية مشاركة استراتيجية دائمة بين الولاياتالمتحدة والحكومة الأفغانية الحليفة لمدة10 سنوات علي الأقل. وجاء التوقيع علي المسودة بمثابة رسالة واضحة موجهة لطالبان والقبائل والقوي المتحالفة معها.فأي ترتيب مستقبلي ستكون اليد العليا فيه للحكومة الأفغانية الحليفة وليس لطالبان كما أن الخروج من أفغانستان لن يكون إنسحابا نهائيا بل ستكون هناك قواعد دائمة وخبراء ومستشارين أمريكيين بالألاف وقوات لحماية هؤلاء الخبراء خلال السنوات التالية علي إعلان الإنسحاب الرسمي. وردا منها علي رسالة واشنطن استمرت هجمات طالبان داخل أفغانستان بل في باكستان المجاورة في محاولة للتهديد بقطع الإمدادات البرية عن القوات الموجودة داخل أفغانستان. وفي يوم2 مايو2012 وبمشاركة الرئيسين الأمريكي أوباما والأفغاني الحليف حامد كرزاي تم التوقيع النهائي علي اتفاقية المشاركة الاستراتيجية الدائمةبين الدولتين.وفي نفس الشهر وأمام قمة شيكاغو لحلف الأطلنطي( ناتو)تم الإتفاق علي إستراتيجية الخروج من أفغانستان والدعم طويل الأمد للحكومة الحليفة بها. ووفق ماتم التوصل إليه فإن كل السلطات المتعلقة بالعمليات القتالية ستمنح للجيش الأفغاني بحلول منتصف عام2013 مع تقديم التدريب والاستشارات والدعم للقوات الأفغانية الحكومية مع سحب غالبية المقاتلين الأجانب(130 الفا تقريبا)بحلول نهاية عام.2014 وسيعود حلف( ناتو)لممارسة سلطات جديدة تحت غطاء التدريب والمستشارين والدعم للقوات الأفغانية بل ستكون هناك مشاركة فعلية في العمليات المسلحة. وفي4 يوليو2012 أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية دخول إتفاقية المشاركة الاستراتيجية الدائمة حيز النفاذ كما تم منح أفغانستان صفة حليف رئيسي غير عضو بحلف ناتو.وأدت تلك الخطوات جميعها إلي حفز القوي المناوئة للوجود الأجنبي في البلاد ودفعتها إلي الإستمرار إلي توجيه ضرباتها للقوات الأجنبية المتواجدة بالبلاد. مستقبل غامض وأدت الإتفاقيات التي تم التوصل إليها إلي طرح عدة تساؤلات مثل:لماذا تستمر القواعد بعد الإنسحاب؟ وهنا تأتي كلمةالغاز الطبيعي والجغرافيا السياسية والإستراتيجية كإجابة بسيطة ومباشرة. فالوجود العسكري للولايات المتحدة وحلف ناتو في أفغانستان سيكون لإستغلالها كرأس جسر ثابت يمكن الإنطلاق منه الي إيران ذات الآمال النووية غربا والصين العملاقة إقتصاديا وصاحبة الطموحات العسكرية والتكنولوجية شرقا وجمهوريات آسيا الوسطي الثرية بموارد الطاقة والغاز والموارد الطبيعية الأخري شمالا وباكستان والهند النوويتين والسوق الكبيرة المتنامية جنوبا. ومن أفغانستان سيسهل الإنطلاق لمواجهة الإرهاب والتحكم في منبع رئيسي من منابع المخدرات في العالم. كما يمكن أن تمثل أفغانستان وما بها من قواعد للولايات المتحدة وناتوأوراق ضغط استراتيجية علي روسيا الاتحادية شمالا والصين شرقاوإيران غربا. ولكن يبدو أن القوي الداخلية والخارجية الإقليمية منها والدولية لن تقف مكتوفة الأيدي حيال طموحات واشنطن وهو ما يعزز التوقعات القائلة بإستمرار عدم الاستقرار في البلاد لحين تسوية كل الملفات وفي مقدمتها الملف الخاص بوضع طالبان وحلفائها(المحليين والخارجيين) في أفغانستان مابعد.2014 وهكذا وبعد ماض دام وحاضر مضطرب تنتظر أفغانستان مستقبلا غامض تفوح منه رائحة البارود وألسنة اللهب.