استسلم الصديقان لمفعول المخدر بعد أن سرى سائل حقنة الماكس فى دمائهما، فكل منهما أصبح بارعا فى الإمساك بالسرنجة لحقن المخدر فى ذراع الآخر. كان الزمان صبيحة ليلة القدر، موافقا لليوم السابع والعشرين من رمضان، لكنهما مثل غيرهما من المدمنين لم يعد لكلمة الزمن عندهما أى معني، كان المعنى الوحيد للزمن لديهما هو الوقت الفاصل بين الجرعات المخدرة، كما أن معنى المكان لا يزيد عن المكان الصالح لتبادل الحقن!. وكان سطح التبة العالية القريبة من محطة الكافيتريا بمنطقة النهضة بمدينة السلام شرق القاهرة، مناسبا لجلسات المدمنين، فضلا عن أنه فى ذلك اليوم كانت حرارة شمس النهار مع الصوم قد ألجأت الناس إلى منازلهم ولذلك تواعد الصديقان والتقيا أعلى التبة وتبادلا الحقن بمادة الماكستون فورت المخدرة ، فاستلقيا حتى تأخذ الجرعة وقتها المعهود واستسلما لغيبوبة المخدر. كانت الصداقة قد امتدت بينهما لسنين طويلة حتى صارا من تلك الفئة التى يطلق على أعضائها أصدقاء العمر، معا سلكا طريق المخدرات وكانا يتباهيان بأنهما تعاطيا كل أنواع المخدرات بدءا من سجائر الحشيش الفاخر عندما يدر عليهما عملهما كمهنيين عائدا وفيرا، أو مع لفائف البانجو فى أيام الركود، لكنهما لهثا معا وراء المغامرة تحت وطأة جاذبية هائلة للمغامرة أوغلا وهما يجتازان العقد الثالث من العمر، فى طريق المخدرات الكيمائية من أقراص مخدرة ومركبات كيميائية يتم تعاطيها عن طريق الحقن كالماكستون فورت الذى صار أهم عندهما من الخبز، لكن مع مرور الوقت اكتشفا أن تعاطى المخدر لم يعد عملا ترفيهيا ولا حتى صار جاذبا للذة, وعندما داهمتهما حقيقة أن المخدرات صارت عبئا ثقيلا، كان الوقت قد فات وليعلن لهما الشيطان أنهما صارا مدمنين لا يستغنيان عنها. بدا سائل الماكستون فورت المشهور اختصارا ب»الماكس» مناسبا، وذلك لرخص ثمنه بالنسبة للمخدرات المماثلة لتأثيره، لذلك وجداه مخدرهما المفضل مهما كانت أعراضه. كان كلاهما يشعر أن الآخر هو الجزء المكمل له، لكنهما فى اليوم السابع والعشرين من رمضان وكعادتهما فى تبادل الحقن دهمهما مالا يحسب أى منهما له حساب، إنه الموت نفسه قد حضر، فأحدهما ويدعى «أشرف» والذى يعمل كهربائيا، قد أفزعه صوت أحد المترددين على الوكر المكشوف وهو يعلن اقتراب دورية شرطة، فاستجمع كل ما تبقى من قواه ونهض وإبرة السرنجة لم تزل معلقة بذراعه التى انتزعها من تحت يد صديقه وراح يركض بكل جهده محاولا الهرب، بالرغم من أنه لم ير سيارة الشرطة المدرعة التى حذر منها زميلهما المدمن المجهول!. لكن أشرف ما لبث أن خارت قواه فلم يكمل خطوات حتى سقط على الأرض فاقدا الوعى وعندما اقترب منه صديق عمره وجد الموت قد سبق إليه. مشهد أصبح معتادا فى عالم المدمنين، بل كل منه يتوقعه مابين اللحظة والأخرى ولكن شهوة الاستسلام للمخدر ولهفة الدخول فى الغيبوبة الاختيارية، لم تدع فرصة لأى شيء غير التخلص من الألم الرهيب وأصبح هذا التخلص هو اللذة الوحيدة الباقية مما كان يعدهما به الشيطان من لذات. تلفت الصديق الآخر حوله ليجد الجميع فروا من المكان عقب الإنذار الوهمي، لكنه تعامل مع اقتراب حضور الشرطة كالحقيقة الواقعة ورأى نفسه يمكن أن يواجه اتهاما بقتل صديقه أو على الأقل أعطاه مادة مخدرة تسببت فى موته ولم يطل به الأمر، فراح يردد بصره بين الموضع الذى يتوقع منه دخول سيارة الشرطة وبين جثة صديقه تحت قدميه واتخذ قراره فورا، فقد وجد حافة التبة قريبة فما كان منه إلا أن دفع بكل قوته جثة صديقه حتى سقطت أسفل التبة ولم تزل السرنجة معلقة بذراعه وكأنه يتشبث بها ولا يتركها حتى لحظة ترك روحه جسده إلى الأبد. وفر الصديق هاربا ليعثر الأهالى فيما بعد على جثة الشاب «أشرف الكهربائي» ويبلغوا الشرطة وكان وجود السرنجة الملوثة ببقايا الماكس تفسيرا للأمر كله ولم يعد أمام الشرطة سوى كشف شخصية صاحب الجثة الذى مات على إثر جرعة مخدر زائدة. ومن خلال خطة بحث سريعة امر بها اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام تم تحديد شخصيته للاتصال بذويه وتسليمهم الجثة بعد اتخاذ الإجراءات المناسبة، كما تمكن ضباط الامن العام باشراف اللواء محمود السبيلى مساعد مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الامن العام من القاء القبض على المتهم صديق العمر الذى كان قد أصابه الذهول وبدا عليه أنه يعتصر نفسه ندما وألما ليس فقط لأنه كان يحقنه بالماكس بل لما فعله بجثته بعد رحلة صداقة العمر الذى ذهب هدرا فى طريق الإدمان.