«إننى أصلى كل ليلة طالبا من الله أن يساعدنى على أن احب أمريكا.. لكن الله لم يستجيب لى حتى الآن».. هكذا قال الفيلسوف الانجليزى «برتراند راسل» لأحد أصدقائه بعد عودته من أمريكا التى عاش فيها محاضراً ومتجولاً ست سنوات كانت كافية لأن يفهم كيف يفكر الأمريكان.. وكيف سيكون شكل العالم حين تتربع أمريكا على عرشه.. فقد تنبأ بأن أمريكا ستبدأ فى انتهاج سياسة امبريالية لن تسعى خلالها إلى السيطرة على الأرض بقدر ما ستسعى إلى التحكم فى اقتصاديات الشعوب .. وفى محاضرة ألقاها فى أمريكا عام 1922 تنبأ بأن أمريكا لن تحكمها حكومة واشنطن بل البترول.. مؤكداً أن إمبراطورية المال الأمريكية والتى تسيطر على العالم كله سيطرة تتسم بالقسوة وضيق الأفق.. ستضعنا أمام كابوس مرعب فى المستقبل.. كما تنبأ بأن اسلوب فرض العقوبات وقطع الامدادات هو الاسلوب الذى ستستخدمه أمريكا مع الدول التى لا تسير على هواها.. فإذا سلكت بريطانيا سبيل الاشتراكية.. فإن أمريكا ستمنع عنها القمح والامدادات الأخرى.. أيضا تنبأ بأن لغة المال ستصبح اللغة الأولى فى أمريكا.. وسيصبح الحكم على رجاجة العقل مرهونا بقدرته على فهم لغة النقود.. لذلك سيعيش رجال الأعمال الأمريكان فى حالة قلق تشبه تلك التى تنتاب الطلبة أثناء فترة الامتحان.. فإذا خسر الأمريكى أمواله فمعنى ذلك أنه رسب فى الامتحان. «راسل» .. فى منتصف عام 1920 تنبأ بعد زيارة للصين وصفها بأنها كانت ممتعة.. بأن هذه الدولة سيكون لها شأن كبير فى المستقبل.. قال ذلك فى وقت كان من العسير فيه إقناع أى مسئول فى العالم بأن الصين ستجلس فى الصف الأول فى الساحة الدولية فى القرن الحادى والعشرين.. ما رآه فى الزيارة سجله فى كتاب حمل اسم «مشكلة الصين». «راسل».. فى نوفمبر عام 1926 تنبأ بأن العالم سيدخل فى عصر جديد تدور فيه حروب مروعة من التعصب.. ونبه الأمريكيين إلى أنهم يقعون فى أخطاء تشبه تلك التى وقع فيها البريطانيون فى القرن الثامن عشر بسبب نقص خبرتهم فى الشئون الخارجية. «راسل» .. عندما عاد إلى بلاده قادما من أمريكا طلب منه أحد الصحفيين أن يتحدث عن الحياة فى أمريكا.. فقال مازحاً هناك نقطتان فقط أستطيع أن أتحدث عنهما.. الاولى أن القطارات تقوم وتصل فى مواعيدها بصورة مثيرة للدهشة.. والثانية أن الناس هناك لا يميلون إلى القراءة.. فالرجال انصرفوا إلى جمع المال.. والنساء لا يهتمن إلا بالموضوعات التى تتسم بالسطحية. «راسل».. الذى ألف كتبا عن كل شىء تقريبا.. قال فى أواخر أيامه لأحد أصدقائه.. إنه يريد أن يكتب على قبره الكلمات التالية : «عاش ست سنوات فى أمريكا ولم يكتب كتاباً واحداً عنها». لمزيد من مقالات عايدة رزق