دخلت الأزمة فى السودان ما بين المجلس العسكرى الانتقالى الحاكم وقوى الحرية والتغيير إلى نفق مظلم بعد تبادل الاتهامات وإعلان قوى التغيير وقف التفاوض مع المجلس، والدعوة فى نفس الوقت إلى الإضراب الشامل والعصيان المدني. وكانت اللجنة المركزية لأطباء السودان قد أعلنت عن مقتل وإصابة العشرات بالرصاص الحى خلال محاولة فض اعتصام المتظاهرين بمحيط القيادة العامة للجيش السوداني، واتهمت قوى الحرية والتغيير المجلس العسكرى بالقيام بانقلاب على الثورة، وهو ما نفاه تماما المتحدث باسم المجلس شمس الدين كباشي، مطالبا قوى الحرية والتغيير بالعودة إلى طاولة المفاوضات. وقال إن ما حدث هو أن القوات السودانية لم تفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش بالقوة، وأن القوات استهدفت منطقة مجاورة للمقر أصبحت تشكل خطرا على سلامة وأمن المواطنين. مؤكدا أن الجيش والمواطنين وقوى الحرية والتغيير اتفقوا على أن منطقة «كولومبيا» المحيطة بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة أصبحت خطرا وتؤثر على أمن الثوار فى منطقة الاعتصام بعد أن تحولت إلى بؤرة للفساد والممارسات السلبية التى تتنافى مع سلوك وأخلاقيات المجتمع السوداني، ولذلك قررت السلطات المعنية تحريك القوات باتجاه تلك المنطقة بما يؤدى إلى استعادة الأمن وسلامة المجتمع. وهكذا عمت حالة من الحزن والغضب والفوضى أرجاء المدن والقرى السودانية، وتوقفت رحلات الطيران الداخلى والخارجى بمطار الخرطوم الدولي. والواقع أنه بعد رحيل الرئيس السابق عمر البشير الذى حكم السودان نحو 30 عاما، وتشكيل المجلس العسكرى الانتقالى، دخلت البلاد فى عمليات شد وجذب ما بين المجلس العسكرى وقيادات قوى الحرية والتغيير حول سبل الخروج من الأزمة، وضرورة تشكيل «مجلس سيادي» يدير البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وكانت النقطة الرئيسية فى الخلاف ما بين الطرفين هى فى الرئاسة ونسب التمثيل فى المجلس. حيث طالبت قوى التغيير بأن تكون رئاسة المجلس مدنية وأن تكون غالبية الأعضاء أيضا من المدنيين، وهو ما رفضه المجلس العسكرى الذى يتمسك بأن يترأس المجلس السيادى الجديد أحد أعضاء المجلس الانتقالي. وعلى إثر تلك الخلافات سارعت قوى الحرية والتغيير بكيل الاتهامات إلى المجلس العسكرى وبعض أعضائه بالاسم، ورد المجلس أيضا بنفس المنهج وهو الأمر الذى صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة بالفعل فى الملعب السياسى فى السودان، وسمح بالتالى لأطراف خارجية و«عناصر» مدسوسة لا تريد للسودان الأمن والاستقرار أن تعبث فى المشهد السياسى السودانى وأن تسعى لتحقيق أغراضها الخبيثة فى إطار الخطة المعروفة بتفكيك وتفتيت الدول العربية إلى دويلات أو إمارات صغيرة يسهل الضغط عليها والتأثير على قراراتها السيادية. ومن المؤكد أن أمن واستقرار السودان يعد من أولويات الأمن القومى المصرى ولذلك فإن الدولة المصرية تتابع وتراقب بكل دقة وقلق التطورات الحالية فى السودان الشقيق. وخلال الزيارة المهمة التى قام بها الفريق أول عبدالفتاح البرهان للقاهرة والتى تعد أول زيارة خارجية له، اجتمع مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، واتفقا على أن أمن واستقرار السودان له الأولوية، كما أكدا دعم الإرادة الحرة للشعب السوداني، كما أن وزارة الخارجية المصرية تتابع عن كثب التطورات الجارية فى السودان، وقالت فى بيان لها إن مصر تتابع ببالغ الاهتمام تطورات الأوضاع على الساحة السودانية، والأحداث الأخيرة وتداعياتها، وأكدت أهمية التزام جميع الأطراف فى السودان بالهدوء وضبط النفس والعودة إلى مائدة المفاوضات والحوار بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوداني. وأكدت من جديد دعم مصر الكامل للسودان الشقيق فى ظل هذا الظرف الدقيق من تاريخه، ومساندة مصر الكاملة للجهود الرامية إلى تحقيق مستقبل أفضل لأبناء الشعب السوداني، يقوم على الاستقرار والتنمية ويحقق له الرخاء والرفاهية. لمزيد من مقالات ◀ رأى الأهرام