«الأرض الأمريكية» تعبير يثير فى نفوس الأمريكيين إحساسا بالعزة والروح الوطنية. وهم هنا لايختلفون عن سائر الشعوب الأخرى التى تمثل الأرض لهم رمزا للوجود ومبررا لخوض الحروب دفاعا عنها. يبدو الأمر منطقيا وليس عاطفيا فقط، فالأرض هى أول عنصر فى تكوين أى أمة، وبدون الأرض تفقد الشعوب مقومات وجودها كدول ذات سيادة. من هنا يتزايد القلق بين قطاعات كبيرة من المزارعين الأمريكيين بسبب شراء كيانات أجنبية مساحات شاسعة من الأراضى الأمريكية. وبحسب تقرير بثته الإذاعة الأمريكية القومية العامة، فإن مايقرب من 30 مليون فدان من أخصب الأراضى الزراعية فى أمريكا صارت اليوم مملوكة لشركات أجنبية.تعود بداية هذه الظاهرة لعام 2008 على أثر انهيار سوق المال «البورصة»، فعقب الخسارة الفادحة التى مُنيّ بها المستثمرون، فكروا فى الاتجاه لقطاع الزراعة، كمجال أكثر استقرار وأقل مخاطرة. وقد ساعدهم فى تحقيق ذلك غياب أى قوانين فيدرالية تضع ضوابط لحيازة الأجانب للأراضى الزراعية، وحيث يُترك الأمر برمته لتقدير حكومات الولايات، كلٌ بحسب ما تراه مناسبا. من هنا يبدو التفاوت كبيرا بين ولايات مثل تكساس وأوهايو حيث يُسمح لغير حاملى الجنسية الأمريكية بامتلاك أراض زراعية دون حد أقصى، وولاية أيوا التى تتبنى قوانين صارمة لاتتيح للأجانب حيازة مزارعها. ويحذر التحالف القومى لصغار المزارعين من أن استمرار الإتجاهات الحالية على ماهى عليه قد يؤدى لاستحواذ الأجانب على نسبة ثلثى الأراضى الزراعية الأمريكية فى غضون عقود قليلة قادمة. وما يزيد من دواعى قلق المزراعين الأمريكيين أنه بمجرد أن تتم حيازة هذه المزارع للأجانب يكون من المستحيل استرجاعها، بما يعنى أن الأرض تصير للأبد تابعة لجهات غير أمريكية. وتأتى كندا على رأس أكثر الدول التى تمتلك الأراضى الزراعية فى أمريكا بصفة عامة. أما ألمانيا فتمتلك71الف فدان فى ولاية أوهايو. وفى هذه الولاية نفسها تمتلك شركات هولندية أكثر من 64 ألف فدان تستخدمها فى توليد الطاقة من الرياح. واستطاعت الصين قبل أربع سنوات أن تشترى أكبر شركة أمريكية فى العالم لمنتجات لحوم الخنزير، شركة سميثفيلد والمزارع التابعة لها. وبذلك صارت الصين مالكة لأكثر من 146 الف فدان من أخصب الأراضى الزراعية فى أمريكا. جدير بالملاحظة أن الاستثمار فى قطاع الزراعة ظاهرة عابرة للقارات وأن الولاياتالمتحدة نفسها تشترى ملكيات زراعية فى دول أخرى مثل استراليا والبرازيل، لكن ما يثير مخاوف المزراعين الأمريكيين زيادة وتيرة هذه التحولات فى الملكية بطريقة لم تكن مألوفة. فقد ظلت المزارع الساشعة فى ولايات الغرب الأوسط الأمريكى تمثل قلب أمريكا، وحيث تتوارث الأجيال من العائلات ذاتها العمل بالزراعة منذ أكثر من مائتى سنة.غير أن ظاهرة امتلاك الأجانب للأراضى الزراعية فى أمريكا تمثل فى الواقع عرضا لمشكلة أكبر هى عزوف الشباب فى المناطق الريفية عن العمل بالزراعة، حتى صار متوسط عمر المُزارع فى أمريكا اليوم خمسة وخمسين عاما. ولايستطيع أصحاب المزارع المتقدمون فى العمر مقاومة إغراء عقود الشركات الأجنبية التى يسمح كثير منها للملاك الأصليين بالإقامة داخل مزارعهم مدى الحياة، والعمل مع الملاك الجدد لشغل أوقاتهم بعد التقاعد.