لم ينته عصر القادة الأفارقة من الزعماء الذين ناهضوا الاستعمار من أجل تحرر القارة الأفريقية وانتهاء هذا العصر من الاستعمار القديم، بل ما زال حتى الآن زعيم أفريقي يناهض هذا الوجود الاستعماري بشكله الجديد ويكافح بقوة ضد أساليبه الملتوية بشكل ظاهري وعلني، هذا الزعيم هو روبرت موجابي عميد رؤساء إفريقيا، وأقدم حاكم في القارة السمراء, وتولى موجابي رئيس زيمبابوي الحكم أول مرة في 31 ديسمبر عام 1987 لم يشارك حزب موجابي (زانو) في أول انتخابات عرفتها روديسيا عام 1979 لاقتسام السلطة بين البيض والسود، ففاز المجلس القومي لأفريقيا المتحدة بزعامة آبل موزوريوا، ثم عاد موغابي إلى بلاده في هذه السنة وشارك حزبه في انتخابات مارس 1980، فحصل على 57 مقعدا من أصل 80 وعين أول رئيس للوزراء في بلاده في 18 أبريل 1980، وبذلك يكون قد انتخب موجابي رئيسا للجمهورية عام 1987، وأعيد انتخابه عام 1990، ثم أعيد انتخابه عام 1996 و عام 2002 وفي عام 2008 وخلال أغسطس 2013 الماضي أعيد انتخابه لولاية سابعة. يعتبر موجابي وريث فكر وسياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إذ أعاد توزيع الأراضي الزراعية من الملاك "البيض"," على صغار المزارعين السود، مما حقق نموا إنتاجيًا، كما أنه يتبنى سياسة معادية للغرب بمنظماته المختلفة، بسبب موقفها من سياساته التي وصفوها بالقمعية، وكان آخر إجراء ضده تمثل في فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بلاده، مما دفعه للتوجه نحو آسيا كسوق واعد لتصدير منتجات بلاده وامتدحت آسيا موجابي بسبب إعادة توزيع الأراضي الزراعية بشكل قسري من الملاك البيض على الآلاف من صغار المزارعين، بطريقة غيرت من حياتهم، وأثر ذلك أيضا على صناعة التبغ بشكل إيجابي حتى قال بونوس ماتاشو أحد هؤلاء المزارعين الصغار إنه اشترى شاحنة تحمل سعة 3 أطنان ب15 ألف دولار نقداً، وصرح ماتاشو البالغ من العمر 34 عاما أيضاً أن الحكومة خصصت له الأرض في 2001 بعد استيلاء المالكين البيض عليها وهاجر مالكوها السابقون إلى جنوب افريقيا وهو يزرع القطن منذ سنوات قبل أن يتحول لصناعة التبغ ، ويربح 34 ألف دولار هذا العام، وحصل على جائزة افضل مزارع تبغ في كاروي ، وهاجمت الصحف الاجنبية قرارات موجابي بل ووصل صدى ما قاله هذا المزارع الصغير إلى الصحف الأجنبية واستندوا إلى كلامه مهاجمين موجابي حيث قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن ما سرده ماتاشو يعتبر مثالاً حول تأثير البرنامج العنيف للاستيلاء على مزارع البيض وإعطائها إلى مواطني زيمبابوي السود وكيفية تحويل مسار حياتهم . موجابي لم يأبه بانتقدات الغرب وتهديدهم بفرض العقوبات، وصرح بكل قوة بأنه سينفذ برنامج الاستيلاء على الأراضي في عام 2000، لمعالجة قضية نزع ملكية الأراضي من السود خلال 90 عامًا من حكم البيض، والتي انتهت بعد حرب أهلية عام 1980، وساعده البرنامج في كسب الأصوات الريفية والاحتفاظ بالسلطة، واستحوذ على الاقتصاد الذي انكمش على مدار 10 أعوام، وتراجعت الصادرات من المحاصيل المختلفة مثل التبغ والورود، وتقلص الاقتصاد إلى النصف ، أما المجتمع الغربي وعلى رأسهم بريطانياوالولاياتالمتحدةوفرنسا وصفوا تصريح موجابي بانه حالة من حالات الاستيلاء العنيف على أراضيهم وطرد حوالي 620 ألفا من بيوتهم وتعتبر تلك هي اكبر عملية اصلاح زراعي في أفريقيا قام بها رئيس دولة، حيث تم استبدال 6 آلاف من المزارعين البيض ب245 ألف مزرعة من زيمبابوي ، وكانوا هؤلاء من الفقراء العاديين، وأصبحوا بفضل موجابي مالكين جدد ، مما جعل الشعب الزيمبابوي يشعر أن زعيمهم يصنع لهم المعجزات ، إلا أن الغرب ظل يهاجم زيمبابوي ويصرح بأن تلك السياسة الظالمة فشلت فشل ذريع حيث ما زالت زيمبابوي تستورد المواد الغذائية الأساسية من الخارج مثل الحبوب في السنوات الأخيرة ، وما زالت المنتجات الزراعية تعاني من النقص باستثناء التبغ. وتعتبر مساحة الأرض الزراعية في زيمبابوي تصل إلي نحو12 مليون هكتار- أي نحو27 مليون فدان- وعدد المواطنين الأفارقة داخلها نحو12 مليون نسمة بينهم نحو مليون ونصف مليون مزارع, بينما عدد البيض نحو70 ألفا منهم نحو4500 مزارع، وكانت الحقيقة الفعلية توضح أن نسبة تملك الأراضي غير عادلة, حيث كان المزارعين البيض يسيطرون علي50% من الأراضي، بينما المزارعون السود- الذين يزيد عددهم أكثر من ثلاثمائة ضعف لهم النصف الآخر، رغم أن السود يعولون عددا أكبر ورغم أن الرجل الأبيض اغتصب الأرض ولم يتوارثها ابا عن جد كما الأسود، من هنا فإن قضية الأرض ليست مشكلة طارئة وإنما هي قضية مزمنة منذ مابعد الاستقلال عام1980 جرت مباحثات طويلة بسببها سواء مع هؤلاء البيض أو مع الحكومة البريطانية باعتبار انها سبب المشكلة, ولأن نحو50% أي نصف السكان البيض لايزالون يحملون الجنسية البريطانية فقط, بينما النصف الآخر تنازل ليحتفظ بجنسية زيمبابوي إذ أن حكومة هراري منعت ازدواج الجنسية لحماية العنصر الوطني كطرف في القضية لمسئوليتها التاريخية ولمسئوليتها الحالية عن رعايا يحملون جنسيتها ، والجدير بالذكر أن هنري كيسنجر وزير خارجية الولاياتالمتحدة في ( عام1976 تحديدا) قال إلي هراري وكان المواطنون السود قد دخلوا مزارع البيض, وطلبت الحكومة ملياري دولار من بريطانيا لكي تشتري الأرض من البيض لتعطيها إلي السود، أنا أؤيد قرارك بمنع ازدواج الجنسية , وبدا أن الحل قريب, وتدخلت الحكومة بالقوة لاخراج السود, لكن المباحثات لم تنته إلي نتيجة إيجابية. تجددت نفس القصة بعد ذلك.. وبين توتر وهدوء.. نسبي عادت لتبلغ ذروتها مؤخراً, ولذلك التقي الرئيس موجابي علي هامش اجتماع القمة الافريقية الأوروبية في القاهرة بوزير الخارجية البريطاني روبن كوك الذي لم يعترض علي أن تدفع حكومته مبلغا لانهاء الأزمة وعلي هذا- فإنه عندما تطورت الأمور, سافر موجابي إلي لندن لاجراء محادثات مع المسئولين الانجليز لكنا فوجئنا بقولهم: اننا لن نعرض أموالا علي المائدة ومن هنا بدأت مشكلة المزارعين البيض في زيمبابوي بإصدار رئيس البلاد روبرت موجابي دستورا جديدا عام 2000 يتضمن قانونا للإصلاح الزراعي وزع بموجبه الأراضي الزراعية التي كانت تسيطر عليها أقلية من السكان من أصول أوروبية على الأغلبية من سكان البلاد الأصليين. ويمثل ذلك القانون تصحيحا لقانون ملكية الأراضي الموضوع في فترة الاستعمار البريطاني لزيمبابوي، الذي منح الأقلية البيضاء أكثر من 70% من أخصب وأجود المزارع في البلاد. ويحد الإصلاح الزراعي من امتلاك السكان من أصول أوروبية للأراضي بمصادرة 95% منها وتوزيعها على السكان الأصليين الذين لا يملكون أراضي، حيث يشكل البيض أقل من 1% فقط من سكان زيمبابوي البالغ عددهم حوالي 12 مليون نسمة. وأعقبت تلك العملية أعمال عنف أسفرت عن مقتل عشرات المزارعين البيض، وطرد آخرين وهجرة الكثير منهم خارج زيمبابوي. وعلى إثر ذلك اتهمت بريطانيا موغابي بالعنصرية ضد البيض وباغتصاب مزارعهم، وأقرت لندن بتأييد أميركي وأسترالي عقوبات ضد زيمبابوي في إطار رابطة الكومنولث، وفي 8 ديسمبر 2003 علقت عضوية زيمبابوي في الرابطة. منذ عام 2002 اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بمنع موجابي من أن يحل بأي دولة من دوله، كما أقر الكونجرس الأميركي عام 2003 عقوبات ضد هراري واتهمها بالعنصرية، وجمد ودائع موجابي وأكثر من مائة شخص من حكومته وأشخاص آخرين. وحاول المزارعون البيض اللجوء إلى القضاء لاسترجاع مزارعهم، ولكن في نهاية أغسطس 2005 مرر برلمان زيمبابوي مجموعة من التعديلات الدستورية تقضي على فرصهم، ونصت التعديلات على أن 4000 من البيض الذين صادرت السلطات مزارعهم عام 2000 لن يمكنهم الطعن أمام المحاكم لاسترجاعها بعد أن اعتبرتها في حكم المؤممة. عارضت الحركة من أجل التغيير الديمقراطي المعارضة إجراءات موغابي ومشروعه الإصلاحي منذ بدايته، واعتبرت التعديلات الدستورية ضربة أخرى لحقوق الإنسان في البلاد. يرى مراقبون أن برنامج الإصلاح الزراعي طبق بطريقة عشوائية، وأن الجدل بشأن سياسة الأراضي أغرق البلاد في أزمة اقتصادية حادة نجم عنها نقص الغذاء والوقود وارتفاع معدل التضخم. ولم يهتم موجابي بتوتر علاقته مع الغرب بسبب تلك السياسة، بل وصل عداء الغرب لموجابي لاتفاق الدول الاعضاء في الاتحاد الأوروبي على مقاطعة مراسم تنصيب رئيس زيمبابوي روبرت موجابي في أعقاب فوزه المختلف عليه في الانتخابات الرئاسية، وحملت بريطانيا رئيس زيمبابوي روبرت موجابي مسؤولية أعمال العنف التي تعرض لها زعماء المعارضة في بلاده. كانت وما زالت لندن هي أكثر الدول الغربية صراحة في عدائها لموجابي قبل الولاياتالمتحدة وأصدرت لندن قرار عقوبات ضد زيمبابوي في إطار مجموعة الكومنولث وبتأييد أميركي وأسترالي، غير أن الدول الأفريقية العضو في الكومنولث رفضت القرار البريطاني، وفي 8 ديسمبر 2003 علقت عضوية زيمبابوي في الكومنولث، وفي عام 2003 أقر الكونجرس الأميركي عقوبات ضد حكومة موجابي واتهمته بالعنصرية، أما فرنسا فأخذت أيضاً السياسة العدائية العلنية لموجابي وكان موجابي هو الرئيس الأفريقي الوحيد الذي لم تدعه باريس إلى مؤتمر "فرنسا-أفريقيا" الذي انعقد في مدينة كان الفرنسية عام 2007. يعتبر عام 2002 هو العام الذي أعلن فيه الغرب صراحة العداء لموجابي حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بمنع موجابي من أن يحل بأي دولة من دول الاتحاد . أما موجابي الذي لم يتأثر بخطى عبد الناصر فقط، بل تأثر بطريقة خطابة لشعبه وروحه القتالية خرج شهر يوليو الماضي وبعد الضغوط المكثفة من الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والتهديد بالعقوبات، قائلاً لشعبة " يجب أن يذهب البيض عن بلادنا، ولن أسمح لهم مرة أخرى بتملك الأراضي، وتابع في خطاب حماسي أن البيض أخذوا أكثر مما يستحقون وهناك مزارعون بيض لا يزالون على الأرض ويتمتعون بحماية بعض الوزراء والسياسيين وكذلك القادة التقليديين". وأضاف"هذا ينبغي ألا يحدث أبدا وسنتعامل مع هؤلاء الوزراء بكل حزم، وأنا أؤكد "لا لامتلاك البيض أرضنا ، ونحن ليس لدينا مانع أن يكون لديهم على أرض زيمبابوي شركات واستثمارات ولكن لن نسمح لهم بتملك الأراضي ولذا أنا أوجه رسالتي بصوت عال وواضح لبريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية كما استغرق موجابي وقتا طويلا في مهاجمة ".رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير واستطرد قائلا "كانوا يبيعون لبعضهم البعض فيما بينهم ونحن لن نعترف بأي من هذا الهراء، فكانوا يعيشون على أرضنا مثل الملوك والملكات ونحن نعيش كالعبيد في أرضنا وأتى الوقت الذي نعيش فيه اسياداً في أوطاننا من جديد