امتلاك قطعة أرض زراعية كان حلماً ظل لسنين يراود كل مواطن موظفاً كان أو فلاحاً وتجددت الآمال بعد الثورة وإعلان وزير الزراعة مؤخراً عن بدء تلقى الوزارة والمحافظات المختلفة لطلبات المواطنين والخريجين لامتلاك قطعة أرض لا تزيد عن 5 أفدنة ضمن مشروعات استصلاح جديدة تنفذها الوزارة بعد الاستقرار على قواعد عملية التوزيع وموافقة مجلس الوزراء عليها والتى كان من أبرزها إلغاء شرط السن وجعل الأولوية لخريجى كليات الزراعة والطب البيطري. وحتى لا يكون المشروع مثل التجارب التى سبقته ويهجر الشباب الأراضى بعد تسلمها وبيعها لعدم توافر المياه أو مقومات الزراعة والبنية التحتية قررت الوزارة أن يتم توزيع الأراضى على مراحل بحيث تتوافر فى كل مرحلة مقومات الزراعة والاستصلاح والمتابعة الحكومية لضمان نجاح العملية وفى مقابل توفير هذه الامكانيات ستجعل الوزارة تمليك الأراضى للشباب مرهونا بجديتهم فى العمل والاستصلاح.. ولكن ما رأى بعض الشباب والمتخصصين والمسئولين فى هذا الموضوع والشروط التى يجب توافرها لضمان استغلال أمثل لتلك الأراضى: يقول حلمى محمد (بكالوريوس تجارة) من الشرقية: نحن 3 أشقاء حصلنا على مؤهلات عليا مختلفة ولا نملك سوى محل جزارة خاص بوالدى ونحلم بالحصول على قطعة أرض لزراعتها فى زمام محافظتنا لكن أسعار الأراضى الزراعية المتاحة مرتفعة جداً حيث يصل سعر الفدان ل250 ألف جنيه وهو ما نعجز عن شرائه وبعد إعلان وزارة الزراعة عن طرح أراض لشباب الخريجين فإن حلم امتلاك قطعة أرض زراعية عاد ليراودنا مرة أخرى وبالتالى فإننا سنتقدم بأوراقنا للجهات المعنية فور تحديد المناطق التى ستبدأ فيها عمليات الاستصلاح فربما نحصل على قطعة لزراعتها خاصة أننا أبناء قرى وثقافتنا تقوم على أن من لا يملك أرضاً لا قيمة له. ويضيف حلمى: رغم عدم ثقتنا حتى الآن فى نزاهة الاجراءات الحكومية إلا أننا نتمنى أن تكون هناك شفافية فى عملية التوزيع وأن يحصل على الأرض من يستحقها وألا يحدث أى تلاعب فى عمليات التوزيع كما كان يحدث فى عهد الرئيس المخلوع حيث كانت الأراضى لا توزع سوى على أصحاب النفوذ والمحاسيب. ويقول أحمد حمدى (26 عاما خريج كلية زراعة من محافظة المنيا): كشباب خريجين ضاع حلمنا فى الحصول على وظيفة فإننا سنسعى للحصول على قطعة أرض نزرعها ربما تكون هى خير معين لنا فى المرحلة المقبلة بدلاً من أن نترك بلادنا لنعمر فى بلاد أخرى فمن الأفضل لنا أن نستمر لنضيف لبلادنا لأننا متفائلون بأن المستقبل أفضل بعد الثورة. ويتابع قائلاً: إن هذه الأراضى ستتيح للشباب فرص عمل مباشرة لنا وغير مباشرة لآخرين ممن قد يعملون بالأجر معنا فى عمليات استصلاح الأرض ونقل وتسويق المحاصيل المختلفة لافتاً إلى ضرورة خلق تجمعات زراعية متخصصة لإنتاج محاصيل بعينها بحيث يكون كل تجمع لا يقل عن ألف فدان يزرع محصولاً واحداً مثلا «طماطم» بما يحول دون تفتت الحيازة الزراعية ويتيح لهذا التجمع التعامل مع هذا المحصول فى هذه المساحة بالمعاملات الزرعية التى يحددها الإرشاد الزراعى وكذلك فى مواعيد الرى وهو ما سيحول دون وجود أى مشكلات فيما بين الجيران فى هذه الزراعات. فيما يؤكد إبراهيم محمد «23 عاما من محافظة أسيوط حاصل على دبلوم فنى تجارى»: أن طرح الأراضى للخريجين شىء جيد خاصة أننا نعانى من مشكلة البطالة ونقص إنتاجنا من بعض المحاصيل الاستراتيجية كالقمح ولكن لابد أن تراعى الحكومة عدداً من العوامل لمساعدتنا لنجاح التجربة أهمها أن يتم إرشادنا لأفضل المحاصيل التى تصلح للأراضى الصحراوية وتحقق عائدا مجديا لنا وأن تكون هناك حلقات تسويق للمحاصيل التى تتم زراعتها حتى لا تقع مشكلة زراعة محصول بعينه ثم لا نجد من يشتريه كما هو حادث حاليا فى محصول القطن الذى لا يجد من يشتريه فى الوقت الحالى. ويتابع إبراهيم: إن تكامل العوامل المؤدية لنجاح المشروع سيجعلنا نشعر بنجاح المشروع من عدمه ونحصل على نتائج جيدة منه أما إذا منحنتا الحكومة الأرض وقالت لنا روحوا انتحروا فإنها بذلك ستحكم على المشروع بالفشل من بدايته. أما محمد عبدالقادر «نقيب الفلاحين» فعلق على التصريحات الحكومية التى تعددت مؤخرا للإعلان عن توزيع أراض على شباب الخريجين وصغار المزارعين قائلاً: «أسمع كلام الحكومة أصدقها أشوف تصرفاتها أستغرب» واستطرد: لم نر شخصا استلم أرضًا بالفعل فى أى مكان ولكننا سنفترض حسن نية الحكومة فيما تقول إلا أن هذه العملية تحتاج لآلية للتنفيذ بالإعلان عن المناطق التى تتوافر فيها تلك الأراضى وسرعة تسليمها بشروط محددة لتفادى أخطاء الماضى مشيرا إلى أنه كان من بين شباب الخريجين الذين حصلوا منذ سنوات على أراض بمنطقة النوبارية. ويشدد نقيب الفلاحين على ضرورة أن يتم منح الأراضى وفقا لشروط مشددة أولها أن تكون الأرض بنظام حق الانتفاع لمدة 99 عاما وأن يوقع المستلم على إقرار بأنه فى حال بيعه للأرض أو تأجيرها فإن الأرض تعود ملكيتها لوزارة الزراعة وأن توفر الدولة للمنتفعين من هذه الأراضى مجموعة من الخدمات على رأسها أن تتوافر المياه للأرض وأن يتم إنشاء جمعيات تعاونية زراعية توفر للحاصلين على الأراضى الأسمدة والتقاوى والمبيدات وتقدم لهم خدمة الإرشاد الزراعى خاصة أن الكثير من الخريجين والفلاحين قد لا يكون لديهم الخبرة اللازمة للزراعة فى الأراضى الجديدة. وعلى هذا المشروع التنموى علق الدكتور إمام الجمسى أستاذ الاقتصاد الزراعى بمركز البحوث الزراعية ورئيس جمعية حماية «المزارع الصغير» قائلاً: البعض يتصور أنه سيحصل على الأرض ويزرعها بسهولة دون مجهود وهذا أمر غير معقول لافتا إلى أن عملية الاستصلاح تحتاج لمجهود ومال ليتمكن المنتفع سواء كان خريجاً أو مزارعاً من إتمامها. ويطالب الجمسى بأن يكون هناك تخطيط علمى سليم لعمليات توزيع الأراضى الجديدة بحيث تتوافر جميع العوامل كالإرشاد الزراعى المتخصص الذى يوضح للمزارع أفضل المحاصيل التى يمكن زراعتها فى الأرض التى استلمها المواطن من خلال حزمة من الحوافز على رأسها أن يتم تأسيس جمعية تعاونية بمنطقة الأراضى الجديدة التى تم توزيعها تتولى توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى كافة «تقاوى وميكنة زراعية أسمدة تسويق» إضافة لتدريب الخريجين على الطرق التكنولوجية الجديدة فى الزراعة كالرى بالتنقيط والرش. ويؤكد رئيس جمعية «المزارع الصغير» ضرورة توفير قروض لمن سيحصلون على الأرض لإعانتهم فى عملية الاستصلاح وعمل مشروعات زراعية وحيوانية تكاملية تصاحب مشروعات الاستصلاح مشروعات تنمية حيوانية وأن تكون هناك مناطق زراعية قريبة من تلك الأراضى على أن يكون بين كل مجموعة من شباب الخريجين مجموعة من المزراعين ذوى الخبرة لضمان نقل الخبرة منهم لجيرانهم. ويشدد الجمسى على أهمية أن يكون هناك نصيب للمتضررين من قانون المالك والمستأجر فى عملية توزيع الأراضى فى الفترة المقبلة خاصة أنهم تضرروا كثيرا لأنهم تركوا الأراضى التى يعيشون عليها ولا يوجد مصدر رزق آخر لهم وأن يتم التركيز على خريج الزراعة والطب البيطرى بحيث يمثلون نسبة لا تقل عن 75٪ من الشباب الذين سيحصلون على أراض خاصة أن كليات الزراعة تعانى حاليا من تراجع إقبال الطلاب عليها لتشجيعهم على العودة لهذه الكليات لأن الفترة الماضية كان خريج الزراعة ما لم يتم تعيينه يتم منحة قطعة أرض يستصلحها ويقوم بزراعتها. ويقول الدكتور صلاح يوسف وزير الزراعة السابق إن خطة الوزارة تستهدف منح الخريجين وصغار الزارعين أراض لزراعتها على أن يتملكوها فى حال إثبات الجدية فى عمليات الزراعة لافتا إلى أن الهدف من ذلك هو توفير فرص عمل لهؤلاء الخريجين وزيادة دخول صغار المزارعين. ويتابع يوسف: إن الوزارة فى إطار طرحها لهذه الأراضى ستراعى عدداً من الشروط لمنع تكرار مشكلات أراضى قرى شباب الخريجين التى تسلموها وقام أكثر من 60٪ منهم ببيعها نظرا لعدد من المشكلات التى واجهوها وعلى رأسها عدم توافر الخدمات الحياتية لهم للاستمرار فى هذه القرى واستصلاح الأرض وهو ما خلق مشاكل أخرى نتيجة لبيع الأرض للآخرين وتركها حيث إن من اشترى طالب وزارة الزراعة بضرورة تسليمه عقدا نهائيا للأراضى التى اشتراها من شباب الخريجين، ووقعت الوزارة فى مأزق قانونى مازالت تعانى منه حتى الآن حيث إن الأرض حصل عليها الخريجون بسعر مدعوم من الدولة يصل لألف جنيه فقط للفدان. ويشير الوزير السابق إلى أن الشروط الجديدة تتضمن أن تكون الأولوية لخريجى الزراعة والطب البيطرى لأنهم الأكثر تخصصا وهذا ليس تحيزا ولكن لأننا فى النهاية نرغب فى أن تتم زراعة الأرض بالفعل وليس تسقيعها كما كان يحدث فى الماضى لدى البعض. ويضيف إن عملية توزيع الأراضى ستتم من خلال عدد من المراحل ولن توزع مرة واحدة لأنها مرتبطة بتوافر المياه فى المناطق التى ستوزع فيها لأنه لا يمكن أن تمنح شخصا أرضاً بدون توافر المقومات الأساسية لها من مياه وبنية تحتية كما أن الأراضى ليست ملكا لشخص أو جيل وإنما للأجيال المقبلة. ويوضح أن الخطة التى وضعتها الوزارة تقوم على أساس أن الوزارة لن تمنح الخريجين أراضى وتتركهم ولكن ستكون هناك متابعة ودورات تدريبية للراغبين فى ذلك حتى نتمكن من زراعة الأراضى وفقا للأساليب الحديثة فى الرى لضمان ترشيد استهلاك المياه واستخدام الأساليب الحديثة فى الزراعة من حيث أفضل أنواع التقاوى والبذور والزراعات التصديرية المجدية مع التركيز على المحاصيل التى نعانى فيها من نقص كالمحاصيل الزيتية التى نستورد 90٪ منها وكذلك المحاصيل السكرية كبنجر السكر حيث إننا نعانى من استيراد مليون طن سنويا لسد العجز فى الاحتياجات إضافة للمحاصيل الاستراتيجية المهمة كالقمح حيث نستورد ما يقرب من 6 ملايين طن سنويا لسد احتياجات رغيف الخبز. وينوه الدكتور يوسف إلى أنه يعلم أن كثيرين يرغبون فى الحصول على أراض زراعية خاصة صغار المزارعين الذين يملكون أقل من فدان ويصل تعدادهم لنحو 85٪ من المز ارعين. وتأتى خطوة توزيع الأراضى على شباب الخريجين وصغار المزارعين بعد توقفها منذ عام 2004 حيث توقفت الحكومات عن عمل مشروعات استصلاح أراض وتركتها لوضع اليد مما أدى لأن يستغلها البعض فى غير أغراضها المخصصة ويتم تحويلها لمنتجعات سياحية كما حدث بطريق مصر إسكندرية الصحراوى. بينما يقول الدكتور على إسماعيل «المدير التنفيذى لهيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية» بوزارة الزراعة: إن تشدد الوزارة فى بعض شروط منح الأرض للخريجين يأتى لضمان عدم تكرار ما حدث فى قرى شباب الخريجين التى تم طرحها فى العقود الماضية مشيرا إلى أن الأرض الخاضعة لولاية الهيئة ليست ملكا لشخص أو لوزير أو لرئيس هيئة وإنما هى ملك للأجيال المقبلة وعلينا الحفاظ عليها وعدم منحها لمن لا يزرعها لأن الهدف فى النهاية هو توسيع الرقعة الزراعية فى مصر. ويشير الدكتور عبدالسلام جمعة نقيب الزراعيين والملقب بأبو القمح المصرى أن عملية توزيع أراضى استصلاح جديدة ستحقق لنا عدداً من الأهداف على رأسها خلق قاعدة إنتاج جديدة تسهم فى توفير مزيد من إنتاج الغذاء لتحقيق الأمن الغذائى وإيجاد فرص عمل جديدة كوسيلة لحياة آمنة للأجيال الجديدة من السكان الريفيين والمشتغلين بالزراعة وتخفيف الضغط السكانى من المناطق المتكدسة بالخروج لمجتمعات عمرانية متكاملة تعتبر مراكز جذب تساعد فى استيعاب أعداد كبيرة من السكان مشددا على ضرورة أن يتم تحسين ملكية الأراضى القديمة التى تتصف بالتفتت والبعثرة من خلال نقل عدد من صغار الحائزين لمساحات صغيرة إلى الأراضى الجديدة وتجمع المساحات الصغيرة المتناثرة فى وحدات اقتصادية تكفل مستوى مناسبا من الإنتاج والدخل خاصة أن الأرض الجديدة قد تمثل مصدرا لإنتاج ضخم من الصادرات الزراعية. وبحسب استراتيجية وزارة الزراعة التى أعدها خبراء وزارة الزراعة فى عهد وزير الزراعة الأسبق أمين أباظة، فإن المساحة التى يمكن استصلاحها سنويا هى 150 ألف فدان بحسب الموارد المائية المتاحة. وتضيف الاستراتيجية: إنها تستهدف استصلاح نحو 3.4 مليون فدان حتى عام 2017 شريطة أن يتم تطوير الرى فى الأراضى القديمة بما يوفر 10 مليارات متر مكعب من المياه تكفى لاستصلاح المساحة المحددة.