هل تخيلت نفسك يوما مسئولا كبيرا فى وزارة السياحة الموقرة، تقوم بتحويل مقابر الإمام الشافعى والبساتين، أو حتى مقابر الوفاء و الأمل إلى مزار سياحي!! يقصده آلاف السياح القادمين إلى مصر، وتضعه على الخريطة السياحية العالمية؟!! طبعا سنجد من يضحك، وآخر من يعلق أنه يكفينا سياحة الآثار بما تحمله من المقابر والمومياوات والمعابد، بل وسيتجاوز البعض قائلا إن سياحتنا قائمة على سياحة الموت والمقابر الفرعونية والعالم الآخر. فكفانا يا قلب كفانا.. لكنهم لو سافروا معى إلى نيبال، وبالتحديد بدأوا فى زيارة معالم «كاتماندو» عاصمة نيبال، سيجدون أن زيارة أماكن الحرق وطقوس إلقاء بقايا الجثث فى النهر، لها مكانة كبيرة!! على الخريطة السياحية النيبالية!! ولو كنت أعلم خاتمتى ما كنت بدأت؟ فقد وجدنا أنفسنا بدون سابق إنذار نسير فى طريق طويل يشبه سكة اللى يروح ما يرجعش! على أرض غير ممهدة، تمتلئ بالتراب الذى لو لامسته المياه لأصبح طينا يصلح لزراعة الفجل والجرجير، وأسلاك شائكة عليها مشغولات يدوية تقليدية كالتى تباع فى كرداسة، وجلسات سمر وضحك وفرفشة من مجموعات شبابية تجلس على مقاهى وسط البلد!! ولا توجد أى إشارة توحى بأن فى نهاية الطريق طابورا طويلا من الجثث ينتظر الحرق!! لا أنكر أننى فى البداية شعرت بالغثيان، وأننى بدأت أفقد الوعى، وتذكرت المشرحة ومنظر الجثث فيها، وأنا أبحث عن جثة أبى بعدما فجرها الإرهاب الجبان فى طابا 2004، إلا أن الفضول الصحفى غلبنى لأستوعب ما يحدث وأعضاء الرحلة يقفون فى حالة اشمئزاز ونفور واستياء من وضع سياحة القبور المقدسة التى هى جزء من برنامج الرحلة السياحية! والأكثر غرابة أننى لم أذكر مشاهد الطبيعة الخلابة فى نيبال، و إن كنت قد رأيتها فقد أنستنى شكل الجثث المحترقة ورائحتها أى جمال رأيته من قبل! وعكس ما نرى من منطق حرق الجثث على الطريقة الهندوسية الهوليوودية والغربية، ووضعها فى قوارير مزركشة تنثر فى البحار، فإن الجثث الهندوسية فى موطنها الأصلى تلقى بما تبقى من عظامها مباشرة فى النهر، بشكل مقزز. انتهت مزارات الموت وحرق الجثث بالمعبدالهندوسى المتعدد الأدوار مع أسقفه المذهبة والأبواب الفضية المنحوتة على ضفة نهر الجثث المعروف بنهر باجماتى، وهو أحد المقدسات فى العالم الهندوسى بأكمله، ولا يسمح بدخوله إلا لهم.. سرت وحدى عائدة إلى مكان تجمع الوفد السياحى المصرى ليقابلنى نفس القرد الذى شعرت بأنه يلازمنى الرحلة ويقلدنى باستفزاز، كلما ربعت يدى قلدنى، أو فردت يدى كذلك حتى عندما أتحدث أو أضحك وكأنه يقول لى: «»أنا عملك يا زواوى» أو على الطريقة والفلسفة البوذية، «أنا الكارما» أى «أنا عملك الردىء».. وأنا أقدم اقتراح زيارة الأضرحة والمقابر فكرة لوزارتنا السياحية الموقرة مع مقارنة بين سياحة المقابر الفرعونية وسياحة المقابر الحديثة، اقتداء بما رأيناه فى السياحة البوذية، ولكل سياحة مذهبها ونشاطها، لكن مين اللى ينشطها؟ وزى الست الشاطرة لما تغزل برجل حمار، فبالتأكيد السياحة الشاطرة تنشط كذلك.. لمزيد من مقالات دينا ريان;