أكّدت سورة الشرح مرتين على وجود اليسر مع العُسر؛ فجاء: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) . ويعلق مصطفى حمدون أمين الباحث في الفكر الإسلامي بجامعة القاهرة على ذلك، قائلا: يستنبط مِن نَظم الآيتين أنّه «لن يغلب عُسرٌ يُسرَيْنِ»؛ وذلك لأنّ الغالب في اللغة أن الكلمة المعرفة إذا أعيدت معرفة فهي عَيْن الأولى، وحدث ذلك مع كلمة (العُسْر)، والنكرة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى، وحدث ذلك مع كلمة (يُسْر). وقد جاءت الآيتان بعد حرف الفاء الذي يربط ما بعده بما قبله، والذي قبله هو تذكير النبيّ بثلاث نِعَمٍ عظيمة تُمثِّل قِمّة المعالي التي يمكن أن يصل إليها إنسان، وذلك في صورة سؤال تقريري: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ، ومعلوم أنَّ الإقرار أوثق درجات الإثبات. وكأن هذا النظم يشير إلى أنَّ الإقرار بتلك النِّعَم يقتضي الصبر على الحق، وإظهار اليقين في حسن قضاء الله لعباده المؤمنين؛ فيكون ذلك اليقين وما يقتضيه مِن عمل هو أول صفات الذين رزقهم الله الهداية، وشرح صدورهم لالتزام طريقها، فإنْ هم فعلوا فقد سلكوا سبيل السلامة من الأوزار وآثارها، ولا شك أنَّ الذي يَسْلَم مِنها يكون عاليَ المقامِ عند رَبِّه حائزًا شرَف المحبَّة والاصطفاء، ومَن أحبَّه الله كان القبولُ حالَه بين أهل الأرض والمحبةُ من أهل السماءِ، وأُجرِي الاعترافُ بفضلِه على لسان أعدائه فضلا عن أصحابه ومريديه، وليس أحد مِن البشر أعلى مقامًا من إمام المرسَلين محمد [صلى الله عليه وسلم]؛ لذلك وجب أن يكون هو القدوة كما في سورة الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ). ثم جاء بعد تلك الآيتين التكليفُ المنتظَر بعد التشريف والتأكيد على التيسير، مُصَدَّرًا بحرف الفاء -كذلك-؛ فقد أمر الله نبيه أنه إذا فرغ من شغله أن ينتصب راغبًا في فضل الله: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ). فإن مَن يطلب العُلا ينبغي له أن يكون حافظا لوقته، ينتقل من خير إلى آخر، راغبًا في فضل مَن لا تنفد خزائنه. ومهما اشتد عليه عُسرٌ رآه عارضًا لامتحان صدقه وصبره وإعلاء مكانته، فإن كانت تلك حاله كان مِن الذين يدركهم اليسر من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون.