سباق من نوع جديد تخوضه شركة هواوى الصينية مع الولاياتالمتحدة، وهو نموذج لمعالم مرحلة جديدة سيشهدها العالم قريبا بين تكنولوجيا الصين والتكنولوجيا الأمريكية والأوروبية، وترى الصين أن قرب انطلاقة التكنولوجيا الصينية فى عام 2025 هو السبب الجوهرى وراء الحرب التجارية التى تشنها الولاياتالمتحدةالأمريكية. كانت الإدارة الأمريكية قد وضعت الصين على رأس قائمة خصومها، واتهمتها بأنها تتبع سياسات ملتوية أدت إلى ارتفاع العجز فى الميزان التجارى بين البلدين بلغ نحو 419 مليار دولار لصالح الصين فى العام الماضي. الأدوات التى استخدمتها الولاياتالمتحدة فى حربها التجارية مع الصين لم تفلح فى خفض العجز فى الميزان التجاري، فالشركات الأمريكية التى تشترى بعض أجزاء صناعاتها من الصين وجدت أنها ستدفع أكثر لو اشترتها من بلد آخر أو حاولت إنتاجها داخل الولاياتالمتحدة، والشراء من بلد بديل لا يحل جوهر الأزمة إنما ينقل العجز من الصين إلى بلدان أخري، وكانت النتيجة المباشرة أن تحملت الشركات الأمريكية والمستهلكون قيمة الرسوم الجمركية التى فرضتها الإدارة الأمريكية، مع استمرار تدفق السلع والمنتجات الصينية على الأسواق الأمريكية، لكن ماذا لو شددت الإدارة الأمريكية إجراءاتها ضد المنتجات الصينية؟ يحذر الخبراء الاقتصاديون من الذهاب بعيدا فى تلك السياسات الخاطئة، لأن منتجات دول أخرى منافسة للمنتجات الأمريكية ستحقق ميزة نسبية إذا اعتمدت الدول المنافسة على شراء أجزاء من منتجاتها من الصين، بينما يتراجع الإقبال على الصناعات الأمريكية. هناك نماذج على خطورة الاستمرار فى سياسة العقوبات الاقتصادية كوسيلة لكبح جماح المنتجات الصينية، فقد توقفت بعض منشآت شركة جنرال موتور عن العمل، وكذلك محطات إسالة الغاز الطبيعى الذى توقفت الصين عن شرائه، ولجأت إلى الغاز الروسى القريب والرخيص، كما توجهت الصين إلى كندا والبرازيل لشراء فول الصويا بديلا لوارداتها من الولاياتالمتحدة، صحيح أن الصين تواجه صعوبات بسبب تلك العقوبات، لكن الولاياتالمتحدة تدفع ثمنا أفدح، ونشرت الصحف الأمريكية نتائج رفع الرسوم الجمركية حيث أكدت أن كل أسرة سوف تدفع مئات الدولارات سنويا نتيجة رفع الرسوم الجمركية على الأحذية الصينية فقط. جوهر الأزمة لا يتعلق فقط بزيادة العجز فى الميزان التجاري، وإنما فى إعلان الصين عن توجهها الاقتصادى الجديد، الذى يرفع شعار صنع فى الصين، والذى سيكون بداية مرحلة جديدة ستضع الصين فى صدارة الاقتصاد العالمي، فالصين التى كانت تعتمد على تقليد المنتجات الأوروبية والأمريكية أصبحت من الماضي، وكذلك الصين التى اعتمدت على جذب الاستثمارات الأجنبية، التى منحتها فرصة التعرف على أحدث التكنولوجيا الأجنبية، فالمرحلة المقبلة التى ستبدأ فى عام 2025 ستعتمد على التكنولوجيا الصينية الأكثر تقدما من الولاياتالمتحدة وأوروبا، منها هاتف هواوى الذى ينتمى إلى الجيل الخامس، وتسبب فى انطلاق معركة السباق على عرش التكنولوجيا، ولهذا شنت الولاياتالمتحدة حربا لا هوادة فيها على شركة هواوي، واتهتمتها بأنها تستخدم تقنية تمكنها من التجسس على العملاء، وهو ما نفته شركة هواوى بشدة، وطلبت فحص أجهزتها، وأكدت أن معدلات الأمان متفوقة فى أجهزتها، وفى خضم تلك المعركة جرى توقيف مديرة بشركة هواوى فى كندا، واتهامها بأنها خالفت القوانين الأمريكية، لأن شركة هواوى تعاونت مع إيران رغم الحظر الأمريكي، وهى واقعة غريبة وغير مسبوقة فى العلاقات الدولية، وهو ما دفع الصين إلى التكشير عن أنيابها، وتهديد كندا باتخاذ إجراءات قوية، لكن ضربة أخرى واجهت شركة هواوى بإعلان شركة جوجل الأمريكية عن وقف التعامل مع هواوي، ومنع استخدامها تطبيقات جوجل، ولم تنزعج هواوى من قرار شركة جوجل، وأكدت أن تطبيقات جوجل مستمرة على المدى القصير وفق النظام المعمول به، وأنها بعد ذلك أمام أحد خيارين، الأول هو التعاون مع شركة بديلة لجوجل، لكن الاحتمال الثانى هو الأرجح، بالاعتماد على شركة صينية جديدة منافسة لجوجل سوف تطلق تطبيقاتها قريبا، وأكدت أنها ستقدم خدمات أوسع، وهو ما يعد ضربة جديدة للشركات الأمريكية، تخسر فيها جوجل أفضل عملاءها، بعد أن أصبحت هواوى الشركة الأولى فى العالم، متخطية سامسونج الكورية وآبل الأمريكية، وتمدد هواوى شبكاتها الجديدة فى 178 دولة، لتؤكد أنها ماضية وساعية نحو القمة، متجاوزة كل العقبات التى وضعتها واشنطن، وتعد معركة هواوى الأولى التى تبدأ بها الصين تدشين مرحلة جديدة فى الاقتصاد الصينى سوف تغير موازين القوى الاقتصادية، معتمدة على فوائضها المالية الكبيرة وتراكم خبراتها التى جعلت منها المصنع الأضخم للعالم، إلى جانب مشروعها العملاق الحزام والطريق الذى يفتح طرقا برية وبحرية جديدة. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد