* مشروعية التهنئة برمضان وجواز بلع الريق وشم رائحة الطعام وقص الشعر ودهن المراهم أثناء الصيام أسئلة متكررة * 600 سؤال فى ساعة على صفحة دار الإفتاء فى رمضان.. و3 آلاف سؤال فى اليوم العادى * أبو العزم: لا يمكن لشيوخ دار الافتاء تجاهل أى سؤال حتى لو بدا ساذجا.. فدورنا الرد وليس التوعية * د.أحمد زايد: مؤشر مجتمعى خطير يعكس تزايد القلق الوجودى وغياب هدف حقيقى ينشغل به الفرد * د.سعيد صادق: هناك جو عام يشجع على صبغ كل مناحى الحياة الدنيوية بصبغة دينية.. وأمية المتعلمين سبب رئيسي
هل يخطر ببال أحد أن يفطر فى رمضان بسبب بلع ريقه؟ هل ورد إلى ذهنك من قبل أنك إذا هنأت صديقا أو قريبا بحلول الشهر الكريم، تكون قد ارتكبت إثما؟ هل يتصور مريض الفشل الكلوى أن جلسات غسيل الكلى ستبطل صيامه؟ هل تخوفت من أن تفسد رائحة الطعام صيامك ؟ هل امتنعت عن قص شعرك أو حلاقة ذقنك فى نهار رمضان؟ ربما لا تكون تلك الأسئلة قد خطرت لك من قبل، لكنها شغلت بال كثيرين، وقاموا بالفعل بتوجيهها لعلماء دار الإفتاء سواء على موقعها على الانترنت أو على صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك». أسئلة تبدو غريبة وإجاباتها بدهية تلك التى رصدناها على صفحة دار الافتاء على «فيس بوك» منذ بداية شهر رمضان، وربما الأغرب هو أن تجد شيوخ الدار يجيبون عنها ويبينون الحكم الشرعى لسائليها.. اللافت للنظر أن أى سؤال مما سبق نجده متكررا من أكثر من سائل، وليس مجرد خاطر عابر لأحدهم، من بينها مثلا مشروعية استخدام مرهم للجلد أو كريم مرطب أثناء الصيام، جواز خلع الاسنان، أو ارتداء العدسات اللاصقة المبتلة بالمحلول الملحى ، أو عمل سونار. هناك عينة أخرى تدخل فى باب المضحكات المبكيات كأن تسأل واحدة إذا كان يجوز لها تخفيف ملابسها فى المنزل فى نهار رمضان، أو تسأل أخرى عندما تقرأ القرآن خلال فترة الحيض من هاتفها المحمول، فهل تحرك لسانها به أم تقرأه بعينها فقط؟! بينما أرادت أخرى أن تتأكد إذا كانت غير متوضئة ، فهل يجوز لها نقل المصحف من مكان لآخر أم أن عليها ارتداء «جوانتى «قبل فعل ذلك؟ ويتساءل كثيرون عن تأثير استخدام «شطاف» المياه وإذا ما كان يفطر الصائم، وهل يجوز أن يصلى المسلم التراويح بالسور القصيرة؟ بينما يتحرج آخر من عدم قيامه بآداء صلاة التراويح منذ بداية الشهر الكريم، وإذا ما يجوز له بدء صلاتها مع اليوم الثالث من رمضان!! طرحنا دهشتنا على أحمد رجب أبو العزم-مساعد مستشار مفتى الجمهورية- فلم ينكرها علينا، وأخبرنا أنه ربما تبدو تلك الاسئلة ذات إجابات بدهية بالنسبة لنا ولغيرنا، لكنها ليست كذلك بالنسبة لكثيرين، لأنهم يتخيلون أن تلك التفاصيل تدخل فى صميم صحيح العبادة، خاصة مع تراجع الثقافة الدينية بشكل كبير فى المجتمع، فيتخيل الواحد منهم أن الحياة الطبيعية ينبغى أن تتوقف تماما فى رمضان ، لكن لا يمكن لدار الإفتاء أن تتجاهل اى سؤال مهما كان ساذجا، فدورها أن توضح وتوجه ، ورغم أن هناك بابا يضم الاسئلة المتكررة فى رمضان، تصل إلى 90 سؤالا، إلا أننا نظل نتلقاها فى كل رمضان». ويوضح أبو العزم أن ليس كل ما يخرج من دار الافتاء يعتبر فتوي، فقد يكون بيان الحكم الشرعى بنص القرآن والسنة، دون فتوى أو اجتهاد. نسأله: هل من يخشى بلع ريقه أثناء الصيام ويعتقد أنه يفطر، يفتقر فقط إلى الثقافة الدينية؟! هنا يخبرنا أبو العزم أن لكل سؤال أصل ما، فهناك اعتقاد لدى العامة بأن من يقوم بتجميع ريقه فى فمه ثم يبلعه فكأنه شرب ماء. سألناه : وكيف يمكن لأحد أن يتخيل أن التهنئة بحلول رمضان إثم؟! فأوضح لنا أن ذلك السؤال أساسه ما يتم ترويجه من بعض التيارات بعدم جواز تهنئة المسلم للمسلم إلا فى عيدى الفطر والأضحى فقط. وهنا مربط الفرس، فمن وجهة نظر أبو العزم ؛ ما يدفع الناس لهذا النوع من الأسئلة هو ما تقوم به التيارات المتشددة من ترويج لفتاوى تحرم كل شيء ، الأمر الذى أربك الناس وجعلهم يشكون فى كل شيء، حتى ولو كان بسيطا، وقد لا يشكون لكنهم يسألون بدافع الاطمئنان وزيادة التأكيد. 600 سؤال على صفحة دار الافتاء على «فيس بوك» والتى تم إطلاقها منذ عام 2010 ويقترب عدد متابعيها من 8 ملايين شخص، يتم عمل بث مباشر لمدة ساعة فى الثانية ظهرا يوميا فى رمضان، تتلقى فيها الصفحة ما يصل الى 600 سؤال، وهنا يوضح أبو العزم أن الشيخ المكلف باستقبال الاسئلة لا يمكنه الرد على كل هذا الكم ، وإنما قد يجيب على 60 سؤالا، وتتم إحالة باقى الاسئلة إلى موقع الدار على الإنترنت، مشيرا الى أن مجموع ما تتلقاه الدار فى اليوم الواحد من أسئلة يصل الى ثلاثة آلاف سؤال( ويزيد العدد فى رمضان) ، وتتلقى الدار الاسئلة سواء من خلال الاتصال الهاتفى أو الفاكس، أو الموقع أو من خلال تطبيق لها على الهاتف المحمول، مشيرا الى أن الموقع وحده لا يستوعب أكثر من 1500 سؤال فى اليوم . يتابع أبو العزم:» يطالبنا الناس بزيادة الوقت المخصص لتلقى الاسئلة ، وهذا يعنى أننا نريد فريقا ضخما من الشيوخ، والدار لديها ما بين 100 و 120 شيخا فقط، وهو عدد غير كاف مقارنة بعدد الاسئلة. من بين المشكلات التى تواجهها صفحة دار الافتاء كما يخبرنا أبو العزم؛ وهو مدير السوشيال ميديا فى الدار أيضا، هو دخول البعض للتشكيك فى الفتاوى والأحكام الشرعية التى يرد بها علماء الدار على السائلين، سواء كانوا منتمين لتيارات متشددة أو كانوا أناسا عاديين، يقومون بالبحث على الانترنت فى موضوع السؤال ، ويقومون بنسخ ردود مغايرة لشيوخ آخرين وبثها على الصفحة فى تعليقات، وقد يصل الأمر من البعض إلى تكفير شيوخ الدار( تمت ملاحظة ذلك بالفعل فى تعليق لأحدهم على فيديو لأحد شيوخ الدار قائلا له: النقاب واجب يا مولانا.. ما تفتيش بغير علم). عندما يحدث ذلك ،فلا مفر من حظر الشخص من التعليق على أى «بوست» فى الصفحة، إذ يؤدى كلامه إلى إحداث بلبلة كبيرة لدى المتابعين. ويبدأ حوار بينهم حول ما كتبه ذلك الشخص، وينتهى الأمر بالتشكيك فى رأى دار الافتاء، وقد يحدث أن يعلق أحد على مضمون فيديو دون أن يشاهده، وللأسف كثيرون ينساقون إلى تعليقه، وينجر النقاش لمنحى آخر تماما، ويضيع الهدف من وراء الفيديو المعروض أو البوست. بل الأغرب أن يسأل أحدهم سؤالا فى التعليقات على الفيديو، تمت الإجابة عليه بالفعل فى الفيديو!. سألناه: لماذا لا يقوم شيوخ الدار بتوعية السائل بحيث يعلمه متى عليه أن يسأل وفيم، وتحديدا أصحاب تلك النوعية المشار اليها من الأسئلة، فما يحدث هو أن الشيخ يكتفى بقوله: تجوز التهنئة برمضان، أو أن وضع المراهم على الجلد لا يفطر، فكان رد أبو العزم بأن جمهور السوشيال ميديا عموما يفضل الإجابات السريعة ، لكن مع ذلك يتم وضع لينك مفصل فى التعليقات على الفيديو يشمل الشرح الوافى والأدلة والأسانيد لمن يريد الفهم، من ناحية أخرى ،فإن أبو العزم يرى أن دار الافتاء دورها الرد فقط وليس التوعية الدينية ، حيث كانت تقوم من خلال صفحة الفيس بوك بتوظيف بعض الجرافيكس والصور التى تتضمن نصائح دينية بسيطة... تدين شكلي عرضنا ما رصدناه من أسئلة وجهها المصريون لدار الافتاء، على عالم الاجتماع د. أحمد زايد ، فكان رأيه أنها بمثابة مؤشر خطير لأكثر من سبب، فهى تعكس من وجهة نظره نوعا من القلق والخوف الوجودى لدى المصريين، وحالة من عدم الاطمئنان على المصير وعدم الثقة فى درجة إيمانهم. يقول زايد:»من يسأل مثل تلك الاسئلة لا يدرك بالتأكيد أن تلك التفاصيل الدقيقة لا وزن لها ولا قيمة أمام رحمة الله الواسعة وعظمته، وبالتأكيد لا يمكن أن يكون لهؤلاء هدف حقيقى فى الحياة يشغلهم ويسعون إلى تحقيقه، وغالبا فإنهم يقومون بترحيل ذلك الهدف إلى الاخرة بدخول الجنة».. الأمر الثالث كما يراه زايد هو أن استفسارات السائلين تعكس نمطا شكليا فى التدين ومظهريا أكثر منه نمط يهتم ويركز على الجوهر ، وأرجع كل ما سبق إلى تراجع مستوى التعليم والثقافة بشكل عام.. المشكلة لايراها زايد فقط لدى السائل ، وإنما كذلك لدى من يجيب، إذ يرى أن قيام عالم دين بتلقى أسئلة كهذه ويجهد نفسه، ويخصص وقتا للرد عليها وتأصيل الرد دينيا، رغم أن السؤال لا يحتمل هذا التأصيل الدينى والشرعي، فإنه يعكس رغبة لديه فى ممارسة سلطة دينية تتحكم فى أدق خصوصيات الفرد، وهنا يعتب د. زايد على علماء دار الإفتاء، ويرى أن دورهم لا يجب أن يكون مقتصرا على الرد، وإنما لابد أن يكون لهم دور تنويري،يحثون المسلمين على إعلاء شأن العقل، و يشرحون للناس كيف يكون لهم هدف حقيقى فى الحياة، وألا ينشغلوا بتوافه الامور، بل ما فيه النفع لهم ولمن حولهم.. البامية حلال أم حرام د. سعيد صادق -أستاذ علم الاجتماع فى الجامعة الأمريكية- لم يندهش مما عرضناه عليه من أسئلة ، بل اعتبرها عادية بالنسبة لما يتابعه على القنوات الفضائية فى البرامج الدينية، لدرجة أن يسأل أحدهم :هل تناول البامية حلال أم حرام ؟! تفسير د. سعيد لطرح الناس مثل هذه الاسئلة يتمثل فى شيوع جو عام يشجع على صبغ كل مناحى الحياة بصبغة دينية، وبضرورة إيجاد مدخل دينى لكل مسألة حتى وإن كانت لا تحتمل ذلك، شجع على ذلك تفشى الأمية الثقافية بين المتعلمين أنفسهم، والتصور المنتشر بينهم بمخاصمة الدين للعقل، ويأسف صادق لكون الإعلام هو إحدى الادوات التى أسهمت فى تلك الحالة، فيقول:» فى أى مسألة دنيوية كالانفجار السكانى أو الإسكان أو استصلاح الأراضى الزراعية، نجد الإعلام يقحم الرأى الدينى فيها رغم أن الأمر لا يتطلب ذلك فى الأصل، كما أن بعض علماء الدين الذين تستضيفهم البرامج الدينية يجيبون عن كل أسئلة الناس حتى وإن بدت غريبة وغير منطقية، وهو ما يعكس رغبة منهم فى اكتساب سلطة دينية وممارستها على عباد الله، بدلا من تنويرهم وتثقيفهم. شخص اتكالى «عقله واقف».. هكذا وصف د. هاشم بحري - أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر من يوجه تلك الاسئلة لعلماء الافتاء، مضيفا:» هو بالتأكيد شخص اتكالى لا يستطيع اتخاذ قرار وتحمل تبعاته، وغالبا ما يكون ضعيف الثقة بنفسه وقدرته على التفكير، وبالتالى هو يريد أن يرفع عن نفسه أى مسئولية، وبالتالى فإن من أفتى هو من يحاسب». فى الختام، هل تنتبه المؤسسات الدينية والتنفيذية لتحذيرات علماء النفس والاجتماع؟!.