«العمل عبادة»..عبارة يرددها الكثيرون، لاسيما الذين لا يحرصون على أداء العبادات فى وقتها، فإذا دعوت أحدهم إلى الصلاة قال لك «العمل عبادة» وإذا تعجبت من إفطار أحدهم فى نهار رمضان، قال: «العمل عبادة»، فهل معنى ذلك أن العمل يمكن أن يكون بديلا للعبادات، كالصلاة والصيام؟! .. من المؤكد أن هناك أعمالا لا يستطيع المرء أن ينقطع عنها لدقائق وإلا ترتب على ذلك مفاسد عظيمة، كالطبيب الذى يجرى جراحة لمريض، وأخرى لا يستطيع صاحبها القيام بها بغير الطعام والشراب..كأصحاب المهن الشاقة..فهل هؤلاء معفون من العبادات؟ وأصحاب المهن الشاقة الذين لا يقوون على أداء أعمالهم فى الحر الشديد دون شراب وطعام.. فى البداية يوضح الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، أن ما يتردد من القول (العمل عبادة)، هى مقولة، وليست حديثا شريفا، وإن كان معناها صحيحا، لأن (العمل من العبادة)، فكل عمل المسلم للعبادات المفروضة، أو حتى الأعمال الدنيوية، هو جزء من المفهوم الشامل والكامل للعبادة فى الإسلام، يقول الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فالإنسان فى حركاته وسكناته وفى نومه ويقظته وطعامه وشرابه وفى عمله الذى يكتسب منه، متعبد لله رب العالمين. وعليه يكون العمل فى منهج الإسلام جزء من العبادة، يثاب عليه من رب العالمين، ولا يحق له أن يعطل بقية العبادات بسبب أن العمل الذى يعمله شاق، فيمتنع عن الصوم، أو يقدم العمل الدنيوى على الصلاة التى فرضها الله تعالى: لأن العبادة أولويات، وأهم هذه الأولويات هى العبادات الأخروية، خاصة، التى جعل الله لها ميقاتا محددا ومعلوما، يقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، فلا يحق له أن يهمل الصلاة من أجل العمل الدنيوي، ثم إن بعض الناس فى مجتمعنا يهملون العبادة الدينية لأنهم مشغولون بأعمالهم الدنيوية، وأولئك تكلم القرآن عنهم فى أكثر من موضع، وأخبر بأن الله يحاسبهم على ما يفعلون، قال تعالى: «ما سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ»، فانشغلوا بدنياهم، ومصالحهم الدنيوية عن عملهم الأخروى الباقي. كما قال الله تعالى: «والآخرة خير وأبقى». التوازن بين العمل والعبادة وأشار د. عبد الوارث، إلى أنه يجب على المسلم، أن يكون متوازنا لنظرته إلى الدنيا والآخرة معا، يقول تعالى عن هذا التوازن:»وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا»، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، وهى إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يعمل عمله فى الدنيا، بإتقان وأمل، لجنى الثمار، فإنه مثاب من الله عز وجل، على ذلك، فإن كان من الخطأ أن يترك الإنسان العبادة الدينية من أجل عمل دنيوي، فإنه أيضا خطأ أن يذر العمل فى الدنيا وغرس الحياة الدنيا وينشغل بأعمال الآخرة، بحجة أنه سيموت، وسيفنى، ولم يأخذ شيئا من دنياه، فلو كان هذا الفكر الضال يصح، لما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، جهز الجيوش، وأرسل رسائله للملوك وللأمراء، وما كان للنبي، صلى الله عليه وسلم، أن يحفر الآبار ليشرب منها الناس، ويطلب من أصحابه فى المدينة، أن يتعلموا الزراعة من أهلها، وفنون الحرب من أصحابها، بل إن النبي، صلى الله عليه وسلم، كما ورد فى الصحاح، مات وهو مدخر لأهله قوت عام كامل، وهذا ما أشار إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، فى حديثه الصحيح، ب (عش لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لأخراك كأنك تموت غدا)، فهناك فرق بين التوكل والتواكل، فالتوكل على الله هو المطلوب، لأن المسلم، يعمل ما عليه، ويأخذ بالأسباب، ثم يذر النتائج لرب العالمين، أما التواكل، فهو رجل لا يأخذ بالأسباب، اعتمادا على أن النتائج قدرت له سلفا، وهذا ضلال أيضا فى الفكر، حذرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، منه، وبهذا التوازن تبنى الدول، وتنمو الشعوب، وتحقق أمالها وأهدافها. فهو ما يميز رسالة الإسلام الخالدة، الدكتورة فاطمة عابد، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، تقول: إن العمل لا يعطل أى عبادات وليس للمسلم أن يقول العمل عطلنى عن الصلاة أو الصيام أو أى عبادات، فالعبادات هى غذاء روحي، يقوى جسد الإنسان للقيام بسائر أعماله، وهو فى صحة جيدة، وشعور بالرضا، لأنه قام وأدى الفريضة، فالعمل لا يعطل العبادة، ولا العبادة تعطل العمل، ولكن تحل البركة فى العمل من أداء العبادة، فالصلاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وعماد الدين، وهى للمؤمن كالروح التى تبث فيه، فتشعره بصلاته لخالقه، وأيضا تبعث التقوى فى نفسه، وقد فرضها الله تعالى فقال تعالى: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا»، أى محددا بأوقات معلومة، وكذلك صيام الفريضة (صيام رمضان).. فظهر يسر الإسلام، بأن جعل وقت الصلاة ممتدا، والمكان متسعا، كما أجاز فى حق المسافر القصر والجمع فى الصلاة، والإفطار فى رمضان، وبالنسبة للمريض أيضا، إن عجز عن أداء الصلاة، واقفا أداها قاعدا أو على جنبه، بحسب حاله، بل يجوز أن يصلى على أى هيئة، ولو أجرى الصلاة على قلبه، مما يشعر بأهمية الصلاة، فكيف إذن للإنسان أن يبيح لنفسه ترك الصلاة، وهو قادر على أدائها، بحجة أن العمل عبادة. وكذلك الصيام، رخص الله لغير القادرين وذوى الأعذار بشكل عام، ومنهم أصحاب المهن الشاقة أباح لهم الإسلام الإفطار، لكن هذا الإفطار لا يسقط، ويستوجب القضاء بعد رمضان، ما دام الإنسان قادرا على الصوم، أو الفدية لمن استحالت استطاعته، وهذا كله لأهمية العبادات والفرائض، فالعبادات لا تسقط بسبب العمل، ولا يصح أن تكون بديلا له.